ترك برس

تتباين آراء الخبراء والمحللين المهتمين بالشأن التركي حول قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ترشيح الوزير السابق مراد قوروم، لرئاسة بلدية إسطنبول الكبرى.

وفي هذا الصدد، يقول الكاتب علي أسمر، إن السباق الانتخابي لبلدية اسطنبول بدأ بعد أن كشف حزب العدالة والتنمية الحاكم - برئاسة أردوغان - عن اسم مرشحه الذي سينافس أكرم إمام أوغلو وسيحاول استعادة اسطنبول إلى كنف الحزب الحاكم، "بعد خمس سنوات عجاف عانت بها اسطنبول الأمرين، بسبب الإدارة المتواضعة لحزب الشعب الجمهوري المعارض لهذه المدينة العظيمة التي تعتبر من أهم الدن التركية بحكم موقعها الجغرافي المركزي المتميز، ومكانتها الدينية والثقافية والتاريخية، حيث قال القائد الفرنسي نابليون بونابرت عنها "لو كان العالم بلدا واحدا لكانت عاصمته اسطنبول".

ويرى أسمر في مقال بصحيفة ديلي صباح أنه بعد مشاورات كثيرة قرر حزب العدالة والتنمية ترشيح "مراد قوروم" لبلدية اسطنبول، وهذا القرار الذي لم يأت عن عبث بل له العديد من الأسباب التي استخلصها حزب العدالة والتنمية، بعد خسارته الفادحة المرة السابقة لمدينة اسطنبول.

ويشير إلى أن "السيد مراد قوروم رجل شاب في منتصف العمر على عكس بن علي يلدرم الذي خسر الانتخابات السابقة أمام أكرم إمام أوغلو، بسبب أنه لم يستطع أن يكون مقنعا للطبقة الشابة في اسطنبول.

من ناحية أخرى مراد قوروم، هو وزير البيئة والتخطيط العمراني والتغير المناخي السابق، وهو شخصية مقربة من الرئيس أردوغان، ومن جانب آخر شخصية لها خبرة في قطاع الخدمات بالإضافة لذلك هو شخصية احتوائية مسالمة وحاصل على احترام وحب الجميع، والأهم من كل ذلك أنه شخصية خبيرة بملف الزلازل والتحول العمراني هذا الملف الذي يعتبر حاليا التحدي الأكبر لمدينة اسطنبول، وتحول إلى "تريند" في تركيا بسبب الأخبار التي تنشر من حين لآخر حول زلزال إسطنبول المدمر المرتقب.

ومن نقاط ضعف مراد قوروم أنه عاش حياته في أنقرة ودرس في قونيا أي أنه لم يعش في اسطنبول بما فيه الكفاية، بمعنى آخر ليس ابن المدينة بالإضافة إلى أنه شخصية مهتمة بالعمل والنتائج، وليست مهتمة كثيرا بالتسويق والمظاهر على عكس أكرم إمام أوغلو الذي برع بالمظاهر والبروباغندا الإعلامية.

وبحسب الكاتب، فإن من الأسباب المهمة لنجاح أكرم إمام أوغلو في المرة السابقة هي الاستخفاف به، لذلك اعتقد أن علينا ألا نستخف بهذه الشخصية، ولو أن أداءها خلال خمس سنوات كان متواضعا لعدة أسباب، والأمر المهم في جانب شخصية أكرم إمام أوغلو أنه طموح جدا، وهذا الشيء الذي استخلصته عند مقابلتي الشخصية له قبل سنين، فهو يستخدم البلدية للوصول إلى الرئاسة يوما ما، لذلك نراه نشطا كثيرا مع كل السفراء الأجانب في تركيا، ومن جانب آخر يملك فريقا شبابيا ذا خبرة عالية في إدارة مواقع التواصل الاجتماعي، فبفترة قصيرة استطاعت حساباته الرسمية تجاوز العديد من المسؤولين من حيث التفاعل وعدد المتابعين، فهو ينشر مقاطع مصورة شبه يومية على كل وسائل التواصل الاجتماعي لكي يستهدف الشباب.

وهو من المسؤولين الأتراك الأوائل الذي انضموا إلى منصة تيك توك التي استطاعت منافسة المنصات الأخرى بوقت وجيز. أي أن إمام أوغلو شخص استعراضي يتقن فن الاستعراض، ويتقن لعب دور الضحية هذا الدور الذي كان سببا بنجاحه الساحق في الانتخابات السابقة. نقطة أخرى مهمة أيضا، وهي أن إمام أوغلو شخصية مدعومة من أغلب الأحزاب المعارضة، وليس فقط حزب الشعب الجمهوري، فقد شبهت ميرال أكشينار رئيسة الحزب الجيد إمام أوغلو بمحمد الفاتح لأنه استطاع سلب اسطنبول من الحزب الحاكم.

ولكن إمام أوغلو مثل كل إنسان له جانب مظلم، إذ لم تصدق وعوده التي قطعها على نفسه قبل خمس سنوات، أي أنه يعد بشيء ويعمل شيئا آخر، وهذا الأمر كان سببا في زعزعة الثقة بهذا الشخص من قبل الكثير من محبيه، أمر آخر اشتهر به إمام أوغلو، وهو أنه كلما حصلت مشاكل بيئية مثل الزلازل والثلوج والعواصف والفيضانات يكون إمام أوغلو خارج اسطنبول، إما في عطلة أو في سفر خارج تركيا وهذا ما أغضب العديد من المواطنين الأتراك المؤيدين والمعارضين، بالإضافة لكل ذلك على إمام أوغلو العديد من القضايا والدعاوي القضائية التي من الممكن يوما ما أن تؤثر سلبا في حياته السياسية.

وتابع المقال: أسماء الشخصيات المرشحة لها دور كبير في الانتخابات، ولكن الفوز بالانتخابات يتعلق بأمور أخرى أيضا كالتحالفات الحزبية، فكما نعلم يوجد في تركيا العديد من الأحزاب المؤيدة والمعارضة فكثرة الأحزاب واختلاف الأيدولوجيا الحزبية لدى هذه الأحزاب تعقد المشهد أكثر وأكثر، وأعتقد أن السبب الأهم لفوز إمام أوغلو المرة السابقة هو أصوات حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، الذي تحول اسمه حاليا إلى اسم حزب "ديم الكردي"، ولعل تكثيف العمليات التركية العسكرية في شمال سوريا والعراق من قبل الحكومة التركية الآن أن تكون سببا إضافيا لتصويت بعض الأكراد لإمام أوغلو، طبعا هنا يجب ألا ننسى أن تحالف الجمهور بقيادة حزب العدالة والتنمية أيضا يحتوي بعض الأحزاب الكردية كحزب "هدى بار"، لذلك ستكون المنافسة قوية والنتائج ستكون متقاربة على عكس الانتخابات السابقة التي انتهت بفارق كبير لصالح إمام أوغلو، ورأينا أيضا صعود الأحزاب القومية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وهذا يعني أنها ستكون حاضرة أيضا في الانتخابات المحلية، كل هذه الأسباب تعقد المشهد فلا ندري من سيكون مع من، ومن سيتخلى بآخر لحظة عن من، وهذا ما عبر عنه الرئيس التركي السابق سليمان ديميريل بقوله "24 ساعة مدة طويلة جداً في السياسة التركية"،

وكما حسم الشعب التركي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بشكل ديمقراطي سيحسم انتخابات البلدية أيضا، وستكون له الكلمة الأخيرة في هذه المعركة الانتخابية، وأنا واثق من أن الشعب التركي سيصوت للذي سيخدم مصالحهم، وليس لمن يهتم بحسابات أخرى.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!