ترك برس

رأى الكاتب والإعلامي التركي طه قلينتش، أن "الحريق الذي أشعلته نار الفتنة في ولاية قيصري فجأة إلى الجانب الآخر من الحدود (سوريا)، ونفذت "الجيوش المسيرة" بدقة ما تم همسه في آذانهم، مخلفين وراءهم دمارا شاملا متعدد الأبعاد".

وقال الكاتب في مقال بصحيفة يني شفق إنه لا حاجة إلى تفكير عميق أو معقد، فأي شخص متوسط الذكاء سيدرك أن ما يحدث ليس "طبيعيا" وأن هذه الجموع التي ملأت الشوارع فجأة كانت مسيطر عليها من مراكز محددة، وأن الهدف النهائي للأحداث هو إضعاف تركيا من الداخل والخارج.

وأوضح أن هناك بعض النقاط التي تجدر الإشارة إليها:

تشكل أيديولوجية "التركية بدون إسلام" التي تم بناؤها بعناية وإصرار في تركيا خلال السنوات الأخيرة، واحدة من أكبر المخاطر الحقيقية التي تواجه مستقبل هذا البلد. فعندما تفصل الهوية التركية عن الإسلام، لا يبقى سوى فاشية قاسية. وبعد ذلك ستتمكن منظمات الاستخبارات الأجنبية من توجيه الحشود الحمقاء كيفما تشاء. لا وجود للأتراك إلا مع الإسلام، فقد حققوا كل إنجازاتهم الباهرة التي سطروا اسمهم في التاريخ من خلالها، عندما كانوا تحت راية الإسلام. إن اللغة السامة التي تصف الإسلام وجميع مظاهره ومنها بالطبع"الأخوة الإسلامية"، بـ "العروبة" أو "تقليد العرب" هي أكبر ضرر يلحق بالهوية التركية والأتراك.

إن توجيه معاداة الأجانب بشكل خاص نحو الشعوب المسلمة، مع اتباع أسلوب متسامح للغاية ومتساهل تجاه الجنسيات الأخرى المقيمة في بلدنا (الروس والأوكرانيون والإنجليز والألمان وغيرهم)، يظهر بوضوح أن معاداة اللاجئين ومعاداة الإسلام هما أيديولوجيتان شقيقتان. إن سلوك أولئك الذين يعتدون على دخل أصحاب المتاجر الحلال تحت شعار "لا لافتات بلغة أجنبية"مع التركيز فقط على اللافتات العربية، دون أي تعرض للغة الإنجليزية أو اللغات الغربية الأخرى بأي شكل من الأشكال، يعد مظهرا آخر من مظاهر هذا السلوك.

إن انزلاق بعض المسلمين، الذين يفترض أن يتحلوا بالعديد من الصفات مثل الإنصاف والعدالة والتعاطف، وأن يمتازوا عن الجمهور بهذه الصفات، إن انزلاقهم إلى الخطابات الفاشية المذكورة يثير قلقا بالغا. من الممكن أن يكون لديكم ملاحظات حول ملف اللاجئين في تركيا أو كيفية تعامل الدولة مع قضية اللاجئين. ولكن هذا لا يبرر بأي حال من الأحوال الصمت على حرق منازل الأبرياء ومحلاتهم التجارية، والدعم الضمني لما يُرتكب ضد المسلمين العاجزين الذين لجأوا إلينا، أو تبرير ما يتم فعله من خلال "تحليلات" زائفة من قبيل "حسنا نحن إخوة ولكن...".

في أوقات الأزمات تتحرر منصات التواصل الاجتماعي من جميع قيودها وتتحول إلى بئر سحيق تفيض بالأخبار الكاذبة -كأنها مجاري صرف صحي انفجرت- لتتدفق دون حدود إلى العقول والقلوب. يجب متابعة المصادر التي تنشر المعلومات المضللة بدقة وإيقافها فورا. وعلى عكس ما يدعى، فإن تركيا بلد يتمتع بحرية واسعة وغير محدودة. وهنا تكمن نقطة قوة الكاذبين الذين يملأون الشاشات ويحركون الشوارع، فهم على يقين من أنهم لن يواجهوا عقوبات رادعة، في حين أنه لا توجد مثل هذه الحرية واللامحدودية في أي بلد آخر في العالم. لا بد من اتخاذ إجراءات ملموسة ضد هذه الفوضى والفتنة. يجب أن تشعر جميع الجهات التي تسعى إلى تقسيم المجتمع بـ "قبضة الدولة الحديدية" على رقابها.

يبدو أن هذا البلد الجميل، الذي لطالما استقبل اللاجئين والمهاجرين عبر التاريخ، سيواجه في المستقبل اختبارات مشابهة لتلك التي شهدناها في الأيام الأخيرة. فقد تم تجهيز بعض شرائح القاعدة الشعبية لأي نوع من العمليات. على سبيل المثال، تشكلت كتلة كبيرة من الناس ينظرون بغضب وحقد إلى اللاجئين الذين يضطرون للعمل في ظروف صعبة للغاية مقابل أجر زهيد لتأمين لقمة العيش، ويقومون بأعمال لا يرغب فيها السكان المحليون ولا يتنازلون للعمل بها، لكنهم يقولون "لقد سرقوا خبزنا" وقد تم تكوين هذه الكتلة من خلال خطابات وسائل التواصل الاجتماعي. تتطلب هذه الحقيقة الاجتماعية منا أن نتصرف بمسؤولية كبيرة، خاصة في أوقات الأزمات، وأن لا نفقد السيطرة، وأن نضع دائما في اعتبارنا الضرر الذي يمكن أن تسببه الحشود المندفعة. وبالتأكيد لا يمكن احتواء مثل هذه التوترات الخطيرة من خلال الجهود الفردية والمحلية فقط. من المؤكد أن مسؤولي الدولة وصانعي السياسات وأجهزة الاستخبارات والأمن سيقومون بإجراء تقييمات ضمن مجالات مسؤوليتهم، وسيقومون باتخاذ خطوات ملموسة وبناءة لا بد من اتخاذها.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!