علي أبو هميلة - الجزيرة مباشر

دخل ثيودور هرتزل إلى إسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية في عام 1897 بعد مؤتمر تأسيس الحركة الصهيونية في العام ذاته في بازل بسويسرا، وكان قد سبق نزوله متخفيا أرض العاصمة العديد من جواسيس الصهيونية العالمية الذين حاولوا قبلها بسنوات اختراق الدولة العثمانية منذ نشأتها على أطلال الخلافة العباسية والدولة السلجوقية في قونيا، والدولة الأيوبية والمماليك في مصر.

كان هذا الظهور الواضح للشخصيات الصهيونية وأتباعهم من اليهود الذين تم زراعتهم في ربوع الخلافة الإسلامية وعاشوا فيها قبل الإعلان الرسمي عن تلك الحركة وحلم تأسيس الدولة الصهيونية في أرض العرب من النيل إلى الفرات، تلك الخريطة التي ظهرت خلف هرتزل في ذلك المؤتمر.

ظهرت هذه الأحداث في مسلسل عاصمة عبد الحميد الذي أنتِج عام 2017، واستمر خمسة مواسم بـ154 حلقة ونحو 350 ساعة درامية، والعمل أبرز بوضوح الصراع الذي قاده السلطان عبد الحميد خان الثاني خليفة المسلمين الأخير مع الحركة الصهيونية من أجل عدم تمكينهم من أرض فلسطين.

انتهت خلافة السلطان عبد الحميد بنهاية الخلافة الإسلامية والدولة العثمانية بعد الهزيمة في الحرب العالمية الأولى وتأسيس دولة تركيا وإنشاء الجمهورية التركية بعد نفي السلطان القوي وتنازله عن العرش لأحد أبنائه، الذي أصبح خليفة صوريا حتى قيام الثورة التركية بتحرير تركيا من الاحتلال الإنجليزي والفرنسي وقيام الجمهورية.

السلطان عبد الحميد كان أقوى السلاطين الذين وقفوا بصلابة في سبيل بقاء الخلافة الإسلامية، ولم يتنازل عن وحدة أراضيها واستقلالها من العراق وسوريا، إلى الهند، إلى المسلمين في كل بقاع الأرض، وكان الإنجليز والفرنسيون والروس يرونه عقبة أمام أطماعهم في أراضي ودول الخلافة.

كان اليهود والصهاينة يرون أن الخلاص منه هو سبيل قيام دولتهم في فلسطين وتوسعها إلى الأرض من النيل إلى الفرات، وقد ظهر ذلك في عملين تناولا تلك الفترة من الأعمال الدرامية التاريخية التي أنتجتها تركيا في الفترة الأخيرة، هما عاصمة عبد الحميد، وعاكف الذي تناول قصة حياة الشاعر التركي محمد عاكف أرصوي، ويتناول الفترة نفسها في خلافة عبد الحميد.

وإذا كان مسلسل عاصمة عبد الحميد يتناول الصراع السياسي مع الاستعمار الأوروبي والحركة الصهيونية ومحاولة اختراق عالم السياسة وقصر الخلافة من خلال الحركة الصهيونية والشخصيات الصهيونية واليهودية الذين يتغلغلون في أركان الدولة حتى وصلوا إلى الأمير مراد الثاني شقيق السلطان عبد الحميد الأكبر الذي -حسب العمل الدرامي- كان أحد أعضاء المحفل الماسوني، وتم تجنيده في رحلة إلى لندن وهو شاب صغير، وسعوا بكل قوة ليكون الخليفة.

إضافة إلى شخصيات أخرى مثل محمود باشا زوج شقيقتهما السلطانة سنيحة، وعدد من الجنود والضباط في الجيش العثماني، فإن مسلسل عاكف كشف كيف اخترق اليهود والصهاينة الأوساط الثقافية والشبابية من خلال الشاعر توفيق فكرت وابنه الذي جندته الحركة الصهيونية أثناء رحلته للدراسة، وظهرت شخصيات صهيونية تعمل على تجنيد شباب الأتراك من خلال الصحف والمدراس.

ظهر تأثير الحركة الصهيونية اليهودية على شباب الخلافة في العملين من خلال إغراء هؤلاء الشباب بمظاهر التمدن والحضارة الغربية، والحريات التي يتمتع بها الغرب، ووصل الأمر إلى تغيير العقائد لديهم فأصبح هؤلاء الشباب يطلقون على الخليفة عبد الحميد لقب السلطان الأحمر أو الدموي، كما كان يُطلق عليه في الصحف الأوروبية.

ظهر ذلك في شخصيات داخل القصر ممثلة في الأمير عبد القادر الابن الأكبر للسلطان، والأمير صباح الدين ابن أخته وصهره محمود باشا، هذا الشاب الذي تأثر بداية بشعارات الحرية والديمقراطية حتى وصل به الأمر إلى التآمر بوضوح على والده مع هرتزل في كل محاولاته للاستيلاء على فلسطين كبداية لحلمه.

مسلسل عاكف أظهر هذا التأثر لدى ابن محمد عاكف أرصوي بالتبني، والابن الوحيد لتوفيق فكرت، اللذين استغلهما جواسيس الحركة الصهيونية في هدم القيم الإسلامية والأخلاقية في العاصمة، وكان مشهد استقبال الجيش البريطاني في عام 1918 بالأعلام دليلا على هذا التوغل بين صفوف الشباب، الذي ظهر تأسيسه في العمل الدرامي عاصمة عبد الحميد، وسرد جذور هذا التوغل بداية من أواخر القرن التاسع عشر.

كان أخطر ما أشار إليه مسلسل عاصمة عبد الحميد التوغل بين صفوف المسلمين ليهود يعيشون في العاصمة كمسلمين بينهم أحد أئمة أكبر مساجد إسطنبول، وتجار للذهب والحلي، وضباط في الجيش وخادمات في قصور الخلافة.

عاش هؤلاء كمسلمين حتى وصلوا إلى مفاصل الدولة، وهم في الأصل يهود يعملون من أجل إسقاط الخلافة، العائق الوحيد أمام قيام دولة إسرائيل، تحسبهم مسلمين، ويصبحون أئمة ومدرسين وصحفيين، يعلّمون النشء في المساجد والمدراس وعلى صفحات الجرائد والمجلات.

لا تشك فيهم أبدا، وكان مشهد ثيودور هرتزل وصديقه كاراسو الصهيوني الثاني في الحركة، وهما يتجولان في أحياء إسطنبول ليعرّفه بهؤلاء الصهاينة الذي في زي واسم وشكل إسلامي، رهيبا وصادما.

لقد ظهرت الشخصية اليهودية الصهيونية في غالبية الأعمال الدرامية التاريخية التركية مثل أرطغرل، عثمان، بربروس، عاكف، عاصمة عبد الحميد، وحتى الإنتاج الأخير للدراما التاريخية في فاتح القدس، والفاتح محمد.

قبل الدخول في تفاصيل الشخصية اليهودية ورصدها في كل الأعمال التركية في مقالات، وعطفا على إشارة التغلغل بشخصيات يهودية عاشت بين المسلمين بأسماء وشخصيات مسلمة، أشير إلى شخصية داود أحد السادة في قبيلة الكايي، التي ظهرت في الجزأين الثالث والرابع من مسلسل المؤسس عثمان، لقد عاش دواد عمره أو عشرين عاما منه في القبيلة، وهو أحد السادة في القبيلة المسلمة حتى يكتشف عثمان أنه يهودي يعمل لصالح الجماعات الصهيونية التي تؤسس لقيام الدولة الصهيونية.

وضوح الرؤية لدى أصحاب الفكر في تركيا والعلاقة التي ربطت بين الحركة اليهودية والعالم الإسلامي في العداء ومحاربتهم من أجل قيام دولتهم، يصنع من أصحاب تلك الأفكار والأعمال الإبداعية روادا في طرح الصراع، وفي أغلب الأعمال ظهر الصراع والشخصيات اليهودية، وكان ظهورا خارج النمط التقليدي للشخصية اليهودية وتناولها في الدراما العربية، وإلى مقال جديد.

عن الكاتب

علي أبو هميلة

إعلامي مصري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس