مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

كثيرًا ما خلقت جائزة نوبل للسلام الحدث في العقدين الأخيرين، فكلما أعلن عن الفائزين بها أثار ذلك نقاشا حول أحقية الفائز بها، فينقسم الناس بين مرحب ومقترح حذف الجائزة  لأن العالم اليوم يعيش "لا سلام"، وصوت السلاح هو الصوت الأعلى، ودعاة السلام قلوا وصوتهم خفت، فالجائزة أصبحت تعطى ترضية لا استحقاقا.

لكن الحدث الغريب والعجيب والذي فاجأ الكل حتى من منحت له الجائزة، كان يوم الجمعة 9 تشرين الأول/ أكتوبر 2009، حيث أعلنت اللجنة الخاصة بجائزة نوبل عن منحها جائزة نوبل للسلام لعام 2009 للرئيس الأمريكي باراك أوباما، وبعد علمه بالخبر صرح الرئيس أوباما بالآتي: (أقول صراحة إنني لا أستحق أن أكون بين أولئك الأشخاص الذين غيروا العالم وحصلوا على هذه الجائزة). 

وتداولت الصحف الأمريكية آنذاك بحث البيت الأبيض عن مخرج وحجة تعفي  أوباما من حضور مراسم منحه الجائزة، لكن اللجنة أصرت على حضوره وتسلمه ميدالية نوبل للسلام.

ولقد بررت كثير من الشخصيات العالمية هذا الحدث بأنه تشجيع للرئيس الأمريكي، ودفعة معنوية له على الحوار مع "أعداء أمريكا وخصومها"، وتحفيز على إسهام أكبر وأنجع في حل المشاكل الدولية والتي تهدد الاستقرار والسلم العالمي.

لكن الواقع في كلتا ولايتي الرئيس الأمريكي أوباما، أنه لم يفعل شيئا يبرر استحقاقه الجائزة ولو بأثر رجعي، فالقضية الفلسطينية تشبكت خيوطها والكيان الصهيوني المحتل يزداد بطشا بالفلسطينيين ومقدساتهم أمام أعين المنظمات الدولية، أما العراق فقد أصبح عنوان الفوضى والفساد، كما أن الطائرات بدون طيار ما زالت تستبيح الأراضي الباكستانية والأفغانستانية، وضحاياها طبعا الأبرياء من المدنيين، والأوضاع في البلدين تزداد سوء وتعقيدا، ناهيك عن أوضاع المسلمين في بورما وأفريقيا الوسطى وتركستان الشرقية والوضع في القرم وأوكرانيا، والتدخل في ليبيا عبر الأفريكم ثم حلف الناتو بعدها.

أما الوعد المشهود والذي قطعه أوباما على نفسه في أثناء حملته الانتخابية وجدده بعد توليه السلطة، وهو إغلاق معتقل غوانتنامو -السيء السمعة- لم ير العالم من ذلك الوعد المغلظ شيئا.

أما الفاجعة العظمى والضحية الكبرى فهي سوريا وما يقع فيها من قتل وتهجير وتدمير، فكأن أوباما فهم من توشيحه بميدالية نوبل للسلام، أنه ينبغي عليه أن يكون سلبيا ومحايدا الحياد المائل، فمنذ اندلاع الثورة السورية اليتيمة سنة2011 وهو يتفرج على أهل الشام يقتلون ويذبحون ويهجرون طيلة أربع سنوات وأزيد، فلا هو تدخل ولا ترك من يتدخل، والنتيجة مقتل نصف مليون سوري، ربعهم من الأطفال، جميع المدن الكبرى دمرت، 11مليون لاجئ سوري داخل الوطن وخارجه، ضياع أجيال من الأطفال بسب عدم التحاقهم بالمدارس، الحاصل أن أهل الشام بعدما كانوا أكبر مجتمع يستقبل اللاجئين، أصبح أكبر شعب لاجئ في العالم.

السبب همجية النظام السوري وديكتاتورية بشار الأسد، وشعوبية نظام ولاية الفقيه، والبراغماتية المتوحشة للروس، وضعف العرب وهوانهم، وتقاعس أوباما وإدارته، يضع الخطوط الحمراء ثم يمسحها فهو يرجو ثمار هذه الحرب دون الدخول فيها.

هذا جعل بوتين – والذي استثمر في نظام بشار طيلة أربع سنوات - يستغل تقهقر  سياسة الإدارة الأمريكية في المنطقة، بالسعي في إنقاذ حليفه المنهار، فجعل داعش شماعة لضرب الثوار وفصائل الجيش السوري الحر، وقتل المدنيين السوريين بهمجية الدب الروسي المعهودة منه سواء في أفغانستان وشيشان وكوسوفو وجورجيا وأوكرانيا.

لا جديد في الأمر ولا شيء تغير، كانت الطائرات الروسية تضرب السوريين ومدنهم منذ العام الأول للثورة بربابنة (طيّارين) سوريين، أما اليوم فالطائرات نفسها تقصف السوريين لكن بربابنة روس.  

إن التدخل الروسي المباشر اليوم في سوريا، هو نتيجة طبيعة للسياسة الأمريكية الخارجية الضعيفة المهزوزة المتقهقرة السلمية سلام اللامبالين، هذه الأوصاف كلها انتقادات وجهها الإعلام المعارض والصديق للإدارة الأمريكية.

الحقيقة أن منح صاحب البيت الأبيض جائزة نوبل للسلام خطأ فادح، خيب آمال اللجنة المنظمة ودعاة السلام وأحباب سوريا وشعبها.

عبّر المدير السابق لمعهد نوبل والأمين العام للجنة العالمية لجائزة نوبل "جير لوندستاد": "عن أسفه لمنح الرئيس الأميركي باراك أوباما جائزة نوبل للسلام عام 2009، وذلك لأنه لم يثمر عن تحقيق النتائج والتوقعات المرجوة من طرف اللجنة، مما شكل خيبة أمل"، حسبما صرح لصحيفة "هافينغتون بوست" الأمريكية.

وكتب "لوندستاد" في مذكراته المنشورة في صحيفة "تايمز" البريطانية: "أن اللجنة منحت أوباما جائزة نوبل للسلام رغم مرور تسعة أشهر فقط على توليه الرئاسة، من أجل دعم الرئيس في تحقيق أفكاره، وإعطائه دفعة كبيرة في مساعيه للتوصل إلى عالم أكثر آمنا، خال من الأسلحة النووية".

يقول لوندستاد "بإلقاء نظرة على ما مضى، يمكن القول إن الحجة بشأن مد يد العون لأوباما لم تكن صحيحة". 

وهذا الاعتراف المر، دفع كثير من المثقفين والساسة إلى التنكيت بأن: " جائزة نوبل للسلام هي التي دمرت سوريا".                                                                      

قلت:لو كان حوار بين ألفريد نوبل وصاحب البيت الأبيض قد يكون أحد سناريوهاته  كالتالي:

- نوبل مخاطبا صاحب البيت الأبيض: لقد خيبت أملي وأمل دعاة السلام، حينما تقاعست عن نصرة المظلومين، وتحقيق السلم والأمن العالميين، وأنت حامل جائزتي للسلام، لما لم تمنع المجرم بشار من تدمير سوريا وقتل شعبه وتهجيره، وأنت رئيس أقوى دولة في العالم.

- صاحب البيت الأبيض: لا تقسو عليّ، فلجنة الجائزة أحرجتني حينما أعطتني الجائزة، وفهمت من الأمر أن أبقى محايدا وألا أدخل في حروب كما فعل الرئيس السابق بوش، فجائزتك حولتني من نسر أمريكي كاسر إلى حمامة سلام مرتعشة.

- نوبل: اللجنة منحتك الجائزة تشجيعا لك على الحفاظ على السلام العالمي وهذا لم يحدث في كلتا ولايتيك، وأنت تعلم أن هذه الجائزة خصصتها لمن يخدم البشرية ويحقق لها السلم والأمن، تكفيرا عن اختراعي للديناميت والذي تحول من وسيلة لإسعاد البشرية إلى آلة للقتل والتدمير، وكأني بهذه الجائزة معك أصبحت تمنح لمن رأى وسمع.. ولكن لم يفعل، هذا وأنت صاحب شعار "نعم نستطيع YES WE CAN"، ولكن...

- صاحب البيت الأبيض: تريد أن تقول إني لا أستطيع... نعم..، لكن هذا لا يبرئ جائزتك واختراعك من أنهما كان لهما دور كذلك في تدمير سوريا.

والله تعالى أعلى وأعلم.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس