محمد داوود اون المش - خاص ترك برس

تحمل الانتخابات التركية المقبلة في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر أهمية إضافية عن الانتخابات الأخرى للأتراك وللمسلمين وللمجتمع الدولي أيضًا، إذ كانت التطورات الأخيرة في الساحة ودخول حزب الشعوب الديمقراطي إلى البرلمان كفيلة بإفساد حسابات حزب العدالة والتنمية الذي اعتاد الحكم منفردًا لـ 13 سنة، حيث كسرت الانتخابات الماضية قليلًا من كبرياء الحزب وغروره ودفعته إلى مراجعة حساباته في كثير من الأمور.

كما أن التطورات الإقليمية والتدخل الروسي في سوريا وعقد الأمة الإسلامية الأمل على تركيا في دعم القضية السورية والفلسطينية والمصرية جعل هذه الانتخابات محطة اهتمام لدى الشعوب العربية والمسلمة، بسبب الدور المهم الذي تلعبه هذه الانتخابات في تحديد مصير تلك القضايا.

وحين أسأل نفسي عن أهمية الانتخابات التركية، أرى أن الانتخابات تحمل أهمية كبيرة مهما تعددت الانتماءات ووجهات النظر.

فالمواطن التركي يرى في هذه الانتخابات صراعًا بين من منعوا الحجاب ومن سمحوا به، بين من يرفع لواء العلمانية ويرى انها تتحقق في القضاء على مظاهر الدين، وبين من يرى أن العلمانية تتحقق في فتح باب الحريات لكل المعتقدات والأفكار على حد سواء، كما أنَّ هذه الانتخابات ذات قيمة إقليمية بشكل مباشر، وخاصة إذا نظرنا إلى أن بعض الاحزاب المشاركة في الانتخابات لها ارتباط مباشر مع القوى الإقليمية والدولية مثل حزب الشعوب الديمقراطي، إضافة إلى دور الحكومة التركية في إيواء اللاجئين السوريين والمصريين ومساندتها لهم، إضافة إلى أطماع القوى الغربية والإمبريالية في الشرق الأوسط ووقوف تركيا كسد امام تنفيذ هذه الاطماع والمخططات.

كل هذه الأمور أضافت إلى الانتخابات التركية أهمية محلية وإقليمية ودولية.

فهي تحمل أهمية كبيرة بالنسبة للمواطن التركي والقوى التركية، كما ان لها أهمية كبرى أيضا بالنسبة للمنطقة كلها، خاصة ونحن نعيش حربًا في 3 دول عربية، وانقلابات عسكرية في دول أخرى، ولها أهمية أيضًا في ميزان القوى الدولي.

ولهذا يجب تقييم الانتخابات التركية بناءاً على هذه الجوانب الثلاثة والنظر إلى انعكاساتها في كل واحد من هذه الجوانب.

الجانب المحلي التركي

لقد حاول الغرب دائمًا أن يجعل من دولة الخلافة نموذجًا للعلمانية والتقدم والحداثة، وذلك من اجل بث اليأس في إعادة إحياء الخلافة وهدم الرموز الإسلامية، وعمل على في شتى النواحي التركية مثل المسلسلات التركية وغيرها، إلا أن الغرب أراد ان تكون تركيا قدوة في امر اهم من هذا ألا وهو الحكم الديمقراطي، حيث كانت أوامر الغرب صريحة للجيش التركي بعد كل انقلاب عسكري لكي يفسح المجال امام الحركة السياسية مرة أخرى.

وبهذه الطريقة فإن الغرب عمل على الحفاظ على تركيا العلمانية من خلال استخدام الجيش في إزالة أي خطر يهدد العلمانية، دون ان يسمح للجيش بحكم البلاد بشكل كامل، وذلك من اجل الحفاظ على صورة تركيا الديمقراطية الحديثة، واستطاع الغرب من خلال هذه اللعبة ان يقنع الشعب التركي بعدم الثورة والتوجه نحو التغيير السلمي والسياسي دائمًا وأبداً، حيث لم يغلق الباب أمام الديمقراطية والانتخابات أبداً، وهذا ما قام به حزب العدالة والتنمية ومن قبله حزب السعادة وكل الأحزاب النابعة من جميعه الأناضول للشباب.

وكانت المسألة الأبرز التي عانى منها الشعب التركي هي مسألة الحجاب الذي منع في وأخر التسعينات، حيث لاقى هذا القرار استنكارًا واسعًا من قبل طبقات الشعب التركي، إلا أن وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم ورفع الحظر عن الحجاب أعاد الهدوء والسكون إلى الشارع التركي.

وبعيداً عن نسبة نجاح الغرب في صرف أنظار الشعب التركي والشعوب الإسلامية عن أرض المعركة الحقيقة والتي كان موضوعها أخلاق وقيم وروح الدين الإسلامي، حيث أشغلوا الناس بمسألة الحجاب ليشغلوهم عن ساحة المعركة الحقيقة، ولما أعادوا الحجاب كان الذي أخذوه أضعاف أضعاف ما أعادوه، فلقد وصل  الانحلال الخلقي والديني في المجتمع الديني إلى مستويات لم يكن ليصل إليها تحت أقوى أنظمة القمع العسكرية، كما ان العلمانية وفصل الدين عن الحياة صار أمرًا مفروغًا منه في تركيا، من أصغر مؤسسة خيرية، إلى أكبر وقف ديني أو وزارة حكومية.

تبقى الانتخابات التركية ذات أهمية في بيان نسبة توجه الشعب نحو المحافظين ونأيه عن أعداء الدين، مع أن هذه النسبة آخذة في التراجع للأسباب التي بيّناها في الفقرة السابقة، إلا أن الأهمية الكبرى لهذه الانتخابات هي أثر نتائجها على الساحة الإقليمية الدولية، وخاصة أن بعض الأطراف التي تنافس حزب العدالة والتنمية تعتبر قوى لها امتدادات في سوريا والعراق مثل حزب الشعوب الديمقراطي.

كما أن انعكاسات الانتخابات ستكون كارثية في حال تغير النظام الحالي وبالأخص على المسلمين والإسلاميين الاتراك والمهاجرين على حد سواء، بسبب حالة الاستقطاب الضخمة التب تعيشها تركيا، وتوّعد كل حزب بسلسلة من الإجراءات لقطع الطريق امام الآخر في حال وصوله للحكم.

الجانب الإقليمي والدولي

لربما لو كانت الانتخابات التركية تجري في البلاد العربية لكان حزب العدالة والتنمية سيفوز بدون أي منازع، وبخاصة في دول الشرق الأوسط، وهذا الأمر يعود على الدور الذي لعبته تركيا في قضايا الأمة مثل أسطول الحرية في القضية الفلسطينية وإيواء اللاجئين السوريين في القضية السورية واستضافة العلماء ورجال الفكر من العراق ومصر، وهذا الجانب وحده يضفي أهمية كبيرة للانتخابات التركية، حيث ستؤثر نتائج هذه الانتخابات على مستقبل المظلومين في المنطقة كلها.

كما لا يمكننا أن نهمل ان نتائج الانتخابات التركية ستغيّر من موازين القوى في المنطقة، وخاصة إذا استطاع حزب الشعب الجمهوري أو الشعوب الديمقراطي المشاركة في الحكم، حيث لا يرى حزب الشعب الجمهوري بأسًا في عقد المصالحة مع نظام السيسي أو نظام الأسد، فيما يرى حزب الشعوب الديمقراطي ضرورة دعم وحدات حماية الشعب الكردي شمال سوريا، ما يعني التحالف مع نظام الأسد لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية والجيش الحر وباقي الفصائل الإسلامية.

وهذا التأثير الكبير للانتخابات التركية يجعل أعين العالم كلها متجهة إلى تركيا ونتائج الانتخابات فيها، وخاصة أن ساحة صراع القوى العالمية هي في مناطق الجوار، والتي تتأثر بشكل مباشر بأي تطور سياسي تركي، مما يجعل القوى العالمية تتدخل بشكل او بآخر في الانتخابات التركية، ولا يستبعد أبدًا أن تكون التفجيرات التي حصلت في أنقرة وسوروج من تنفيذ بعض القوى التي تريد التأثير على نتائج الانتخابات بطريق أو بأخرى، كما أن الدعم الغربي لوحدات حماية الشعوب الديمقراطي يوضّح هذه الجزئية بطريقة أفضل.

هل الانتخابات التركية صراع بين حق وباطل

في ظل صراع المصطلحات الذي نعيشه اليوم، فإن السؤال الذين يطرح دائمًا، هل الصراع بين حزب العدالة والتنمية اليوم هو صراع بين حق وباطل؟

إذا نظرنا إلى المسالة من ناحية شرعية بحتة، فإن الحق لا يمكن أن يكون مع حكومة علمانية كافرة، تحكم بغير ما أنزل ما الله، إلا أن المسألة هنا مختلفة قليلًا، نحن نتكلم عن فريق من جنود الحق الذين دخلوا في صفوف الباطل ليحاولوا الإصلاح ويخذلوا عن المسلمين ما استطاعوا، وهم في فعلهم هذا قد يكونوا مخطئين او مصيبين، إلا أن واجبنا عليهم النصيحة في الخطأ والنصرة على أعداء الإسلام، ونصرتهم في هذه الحالة لا تكون ابداً نصرة للباطل الذي يخدمون في صفوفه، بل هي خدمة لهم لإصلاح هذا الباطل ورفع ضرره عن المسلمين، لذا فالصراع السياسي في تركيا وإن لم يكن صراعًا مباشرًا بين الحق والباطل في حد ذاته، إلا انّه صراع بين الحق والباطل بطريقة غير مباشرة.

وهذا الأمر لا يعني بالتأكيد أسلمة حزب العدالة والتنمية أو الدفاع عنه أو تبرير أخطائه من ناحية شرعية، ولكن لتوضيح المشهد وبيان ما يعنيه للمواطنين الأتراك، وبخاصة أنهم قد مرّوا من قبل بمراحل منع فيها الحجاب وحوّل فيه الآذان إلى التركية، ومنعت قراءة اللغة العربية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس