ماريا سافل - وورلد بوليتيكس ريفيو - ترجمة وتحرير نون بوست

في أول زيارة له لتركيا كرئيس للوزراء، وصل أليكسيس تسيبراس إلى أنقرة يوم الثلاثاء، مع تصدر أزمة اللاجئين لجدول الأعمال، حيث أكد الجانبان على ضرورة التعاون بشأن الأزمة، فضلًا عن تحسين العلاقات بشكل عام، ومع ذلك، طفت التوترات التاريخية بين الجارتين على سطح المشهد أثناء مباراة لكرة القدم بين اليونان وتركيا، حضرها تسيبراس ورئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، حيث هتف الجمهور التركي باستهجان أثناء عزف النشيد الوطني اليوناني، كما امتنعوا عن الوقوف لدقيقة صمت لضحايا الهجمات الإرهابية في باريس.

تفاقم العداء التاريخي بين البلدين في السنوات الأخيرة إثر التوترات التي طفقت حول الانتهاكات المتكررة للمجال الجوي، فضلًا عن النزاع البحري الذي لم يتم تسويته بعد حول بحر إيجة، وخاصة الصراع على قبرص، حيث تضافر هذان السببان مع باقي الأسباب التاريخية ليحولوا جميعًا دون تدعيم أواصر العلاقات ما بين البلدين.

الأزمة المستمرة للاجئين القادمين من سورية وما بعدها أضافت زخمًا آخر على الخلافات الأزلية ما بين تركيا واليونان، فحتى الآن، وخلال العام الجاري، دخل حوالي 650.000 مهاجر إلى الاتحاد الأوروبي عبر اليونان، وتسيبراس هو آخر الزعماء الأوروبيين الواصلين إلى تركيا على أمل إقناع أنقرة للقيام بدور أكبر لوقف تدفق اللاجئين.

"اليونان تشتكي منذ فترة طويلة، قبل بداية الأزمة السورية، من سماح تركيا للمهاجرين غير الشرعيين بالمرور إلى اليونان"، قال إيفاكي أثاناسوبولو، الأستاذ المساعد في الجامعة الوطنية لأثينا، في رسالة بالبريد الإلكتروني، ولكن مع وصول عدد اللاجئين ضمن الاتحاد الأوروبي إلى مرحلة حرجة، انضمت دول أوروبية أخرى إلى اليونان للضغط على تركيا "لتحسين سيطرتها على بوابة أوروبا"، كما يصفها أثاناسوبولو.

رغم الانتقادات العديدة التي وجهتها اليونان سابقًا لإدارة تركيا لأزمة اللاجئين، إلا أن تسيبراس عبّر عن أمله في إيجاد أرضية مشتركة للحل في مقال افتتاحي نشره في الصحيفة التركية ديلي صباح يوم الثلاثاء، حيث جاء فيه: "من المهم للغاية أن نمضي قدمًا لإبرام اتفاق كبير بين الاتحاد الأوروبي وتركيا لإدارة تدفقات اللاجئين، وبجميع الأحوال، العنصر الحاسم في هذا الاتفاق يتمحور حول تعزيز التعاون بين اليونان وتركيا، فنحن بحاجة للحديث بشكل أكبر حول كيفية محاربة شبكات التهريب، تنفيذ الاتفاقات الثنائية، وكيفية التنسيق والتعاون على مستوى الهجرة والشرطة وسلطات خفر السواحل".

عاد تسيبراس ليردد ذات هذه العبارات خلال مؤتمر صحافي مشترك مع داود أوغلو يوم الأربعاء، قائلًا: "نحن بحاجة لاتخاذ المزيد من الخطوات نحو التنسيق، بغية محاربة عصابات التهريب بشكل فعال، والتي تشكل إهانة للكرامة الإنسانية".

"كل من اليونان وتركيا تريدان تقاسم عبء اللاجئين"، يقول ديميتريوس ترينتافيلو، الأستاذ المحاضر في جامعة قادر هاس في إسطنبول، وهذا التركيز على التعاون ما بين الدولتين ينبع في جزء منه، "لكون الدولتين لا تريدان أن يُنظر إليهما على أنهما شريكتان في إشكالية الأزمة"، يضيف ترينتافيلو.

تحقيقًا لهذه الغاية، أعلن تسيبراس وداود أوغلو بأنهما سيرسلان فورًا قوات خفر سواحل ملحقة بسفارتيهما للوصول إلى تنسيق أفضل بهذا الشأن، ولكن مع ذلك، لم يوافق داود أوغلو على السماح للاجئين بالانتقال إلى أوروبا من مخيمات اللجوء داخل تركيا تنفيذًا لمخطط المحاصصة الذي أجمع عليه الاتحاد الأوروبي، علمًا أن هذا التغيير كان من شأنه أن يلغي حافز اللاجئين للوصول إلى اليونان، وهذا الهدف بالطبع هو أحد الأهداف الرئيسية التي كان يرومها تسيبراس خلف زيارته لتركيا، ومن جانبه، أصر تسيبراس على موقفه السابق الرافض للسماح لخفر السواحل اليوناني وسفن البحرية اليونانية بالمشاركة في دوريات يونانية - تركية مشتركة ضمن بحر إيجه، رغم ضغوط الاتحاد الأوروبي المتزايدة للقيام بذلك.

بجميع الأحوال، مجرد الحديث عن أي تعاون ما بين تركيا واليونان يمثل بحد ذاته نقطة تحول هامة في العلاقات الثنائية ما بين البلدين، والتقدم الحالي بهذه العلاقة سينعكس إيجابًا بالتأكيد على قضية السلام في قبرص، وهي الجزيرة المقسمة منذ عام 1974 بين المنطقة الجنوبية الناطقة باللغة اليونانية، والتي انضمت رسميًا إلى الاتحاد الأوروبي باسم جمهورية قبرص، والمنطقة الشمالية الناطقة بالتركية، المسماة بقبرص التركية، والتي لا تعترف بها سوى تركيا.

وفي هذا السياق، صرح مسؤول تركي لرويترز يوم الأربعاء بأن الجزيرة اليوم "هي أقرب من أي وقت مضى لإعادة التوحد"، كما قال داوود أوغلو خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد مع تسيبراس يوم الأربعاء بأن "الفرصة سانحة الآن لمعالجة قضية قبرص، المفاوضات مستمرة، ولدينا نهج مشترك مع اليونان للمساهمة بشكل إيجابي في المحادثات".

احتلال تركيا لشمال قبرص، الذي تراه اليونان والمجتمع الدولي كفعل مخالف لقواعد القانون الدولي، هو أحد أكبر العوائق التي تقف أمام تعزيز أواصر العلاقات الثنائية، ولطالما تشبثت اليونان بالقضية القبرصية بغية عرقلة أي تقدم حاصل في مسألة انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، ولكن يوم الأربعاء، خفف تسيبراس من موقف اليونان، موضحًا بأنه يرى انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الأوروبي "على نحو إيجابي" شريطة استيفاء شروط معينة، محجمًا عن تقديم أي تفاصيل أخرى متعلقة بهذا الموضوع.

زيارة تسيبراس إلى تركيا، تأتي بعيد زيارة المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إلى إسطنبول في الشهر الماضي، والتي تبعها إصدار قرار من قادة الاتحاد الأوروبي يقضي بمنح تركيا مبلغ 3.2 مليار دولار لمساعدتها في تأمين حدودها، وخلال الزيارة، تعهدت ميركل بدعم طلب تركيا بالسماح للمواطنين الأتراك بالدخول إلى منطقة الشنغن في أوروبا بدون تأشيرة، فضلًا عن فتح فصل جديد في عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك في مقابل اتخاذ تركيا لخطوات أكبر وأكثر جدية لوقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا.

في حال تحوّلت تصريحات تسيبراس المحدودة، حول دعم بلاده لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، إلى سياسة يونانية حقيقية، فإن هذا الموقف سيمثل تحولًا هامًا قد يمهد الطريق لإبرام علاقات أوثق ما بين البلدين، ولكن مع ذلك، من المرجح أن تحد المشاكل الكارثية التي يعاني منها الداخل اليوناني بشكل كبير من قدرة تسيبراس على متابعة عزمه لتوثيق وإذابة جليد العلاقات مع تركيا؛ فالاقتصاد اليوناني لا يزال يرزح تحت وطأة الفوضى، حيث أبرمت أثينا اتفاقًا مع دائنيها، في اليوم الذي غادر فيه تسيبراس إلى تركيا، يشمل الإصلاحات المطلوبة بغية استلام القسط المقبل الذي تشتد إليه الحاجة ضمن خطة الإنقاذ، ويتضمن هذا الاتفاق تسليم قرض لليونان بمبلغ 2.14 مليار دولار، وضخ سيولات نقدية تبلغ قيمتها 10.7 مليار دولار ضمن بنوك اليونان المتعثرة.

"حكومة تسيبراس مغمورة بالقضايا الداخلية، وتكافح لأجل بقائها على قيد الحياة"، كتب أثاناسوبولو في رسالة البريد الإلكتروني، وتابع موضحًا: "في المستقبل المنظور، سينصب تركيز الحكومة اليونانية على السياسة الداخلية، والعلاقات مع تركيا، وباقي الدول، ستتراجع لتحتل خلفية المشهد".

عن الكاتب

ماريا سافل

محررة بموقع وورلد بوليتيكس ريفيو درست العلوم السياسية في بروكسل وباريس


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس