مراد يلماز - صحيفة يني يوز يل - ترجمة وتحرير ترك برس

تحتل الأزمة السورية رأس قائمة اهتمامات السياسية الخارجية على مستوى العالم، وكان آخر تطورات هذه الأزمة إسقاط الطائرة الروسية من قبل تركيا التي كانت قد حذّرت من هذا سابقا. وبعد الفراغ السياسي الذي نتج عن تخاذل الولايات المحتدة الأميركية في سوريا وإفساحها المجال لإيران؛ قامت روسيا بنقل حربها الهجينة التي بدأتها في جورجيا وأوكرانيا إلى الساحة السورية كحليف للأسد وإيران.

أين سيقف المد الروسي؟ تسعى روسيا في تركها للجيش والحرب التقليدية واعتمادها على القوة الجوية والاستخبارية والقوات الخاصة وتوحيد وتنظيم الميليشيات إلى العودة للحياة من دون إعلان الحرب. إلى الآن لا يوجد من يقف أمام المد الروسي، لكن هذا المد سيتوقف عند الشواطئ السورية التي خرجت من العباءة السوفيتية. فلماذا نجد كل هذا الإصرار عند الروس والإيرانيين فيما يتعلق بسوريا؟ لا بد أن هنالك أبعادًا أخرى غير البعد الجيوسياسي. وحتى في البعد الجيوسياسي نرى أن كل من إيران وروسيا يشعرون بالقلق من فكرة تغير النظام في سوريا بعد مجموعة التحولات المتلاحقة إثر الربيع العربي؛ الأمر الذي ألحق بكلا الدولتين الكثير من الخسائر والنكسات في مصالحهم بالمنطقة.

تبذل تركيا الكثير من الجهود في سبيل تقوية العلاقات الثنائية مع إيران وروسيا بعدما خرج الصراع من إطار الحرب الباردة، ووصل الحال في تركيا إلى أن تميل للمحور الآخر وتخرج شيئا فشيئا من العالم الغربي، وتسعى تركيا بقيادة حزب العدالة والتنمية إلى تطوير العلاقة مع روسيا وإيران، وأظهرت مرونة عالية لتحقيق هذا المُبتغى. وبسبب الحسابات الأمريكية التي تُعطي الأولوية لمنطقة المحيط الهادي على الشرق الأوسط، قامت بالتخلي تدريجيا عن الأخير؛ الأمر الذي ترك فراغا سياسيا كبيرا في سرويا والعراق وولّد إعصارا يتنافس فيه الأطراف بحروب الوكالة. من البداية والنوايا التركية واضحة بهذا الخصوص، فهي سعت جاهدة لمنع مثل هذه التطورات، لكن الدول والأطراف الأخرى لم يساعدوها في هذا، حتى بدا وكأن بعض هذه الأطراف تسعى في تصرفاتها وكأنها تريد الفوضى.

رغم الخلاف على الخيار بين عناصر التركيبة السياسية في الأزمة السورية سعت تركيا إلى تحقيق ما يجب أن يكون عبر استخدام القوة الناعمة، لكن التصعيد المستمر للأحداث أظهر أن القوة الناعمة لا تكفي، ففي الوقت الذي كانت فيه تركيا تلعب دور الوسيط لحل الأزمة؛ قامت بعض الأطراف بالضغط على تركيا بأحداث حديقة الغازي وإرهاب حزب العمال الكردستاني وحملات بروباغندا منظمة عبر الوسائل الإعلامية لإخراج تركيا من المعادلة السورية، إلا أنها رفضت وتحدّت كل هذه التهديدات والضغوط. فبقاء تركيا في المعادلة السورية كان يُجاب بالرفض للمنطق الذي يحصر المعركة على الاختيار بين نظام الأسد الدكتاتوري والتنظيم الإرهابي داعش، ويُعزز في المقابل خيار المعارضة المعتدلة الديمقراطية. لقد كانت انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري الضوء الأخضر للخيار التركي الثالث الذي يُنتج سياسة حقيقية تفيد الشعب السوري بقوة وإرادة واختيار الشعب التركي، وأصبح هذا التحول السياسي يضايق روسيا وإيران ويصعّب الأمور على الغرب.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس