حسين أبو سرحان - خاص ترك برس

عمل الغرب جاهدا ومنذ سقوط الخلافة العثمانية، على وأد أي حراك قد يعيد للمسلمين مجدهم وتاريخهم وحضارتهم؛ فقد وقّع مصطفى كمال أتاتورك معاهدة لوزان عام 1923، والتي تنازل بموجبها عن الخلافة العثمانية مقابل جمهورية مستقلة في الأناضول، سعى من خلالها إلى محاولة اللحاق بركب النهضة الغربية، إلا أنهم لم يسمحوا له بذلك.

حاولت تركيا العلمانية، على مدار 80 عام، التخلي عن جذورها وتاريخها، من أجل دخول الاتحاد الأوروبي، لكن الغرب لم يغفر لها جذورها الإسلامية، ولم يسمح لها بدخول اتحاد يضم دولا ذات أغلبية سكانية مسيحية. واستمرت محاولات تركيا الانضمام، حتى بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحُكم، وبرغم ما أحدثه الحزب من نهضة اقتصادية وحضارية وعلمية، جعلت تركيا تترأس مؤخرا قمة العشرين، إلا أنّ ذلك لم يشفع لها لدخول الاتحاد الأوروبي، لذات الأسباب.

***

أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، عن أنّ بلاده ستقود "حربا صليبية ضد الإرهاب، وستستغرق فترة من الوقت"، حروبا صليبية، هدفها وأد أي حراك "إسلامي" في أفغانستان والعراق.

وفي عام 2006، فازت حركة المقاومة "الإسلامية" حماس، في انتخابات ديمقراطية شهد العالم أجمع بنزاهتها وشفافيتها، إلا أنّه سرعان ما رفض التعامل مع الحكومة المنتخبة، وسارع إلى حصارها ومقاطعتها، وتسبب في شق الصف الوطني الفلسطيني، لتنحصر الحركات "الإسلامية" في قطاع غزة، ولذلك شددوا الخناق عليه لسنوات عديدة، وشنوا عليه ثلاثة حروب قاسية خلال 6 سنوات، في منطقة جغرافية محدودة جدا.

ومع صعود نجم النموذج التركي، لدولة علمانية ذات جذور "إسلامية"، هبت رياح الربيع العربي، لتنطلق ثورة الياسمين في تونس، وتنتقل الشرارة إلى مصر، متسببة في سقوط حكامٍ كانوا أداة لتحقيق مصالح الغرب والدول الاستعمارية، وجرت الانتخابات في مصر، لكنهم لم يسمحوا لرئيس من الإخوان "المسلمين" بالبقاء في سدة الحُكم "شكليا" أكثر من عام واحد، برغم أنه وصل إلى هذا المنصب من خلال نظام ديمقراطي أنشأه الغرب ويتباهى به، بينما سمحوا للحزب العلماني في تونس بأنْ يحكم البلاد، والذي وصل للحُكم أيضا عن طريق الانتخابات.

وبعد رفض العالم كله، التعامل مع "الإسلاميين" بمختلف مشاربهم، شعر الشباب المسلم بحجم الظلم والاضطهاد الواقع عليهم، وعدم الاعتراف بهم، ولذلك آمن بعضهم بأنّ هذا العالم لا يستمع إلا إلى لغة القوة، فظهرت جماعات "إسلامية" متشددة، التي أفرزت فيما بعد تنظيم الدولة (داعش)، الذي أعلن أنه يمثل خلافة "إسلامية"، ليقتل الناس، ويحرق الأخضر واليابس، ويكفّر ويقتل كل من يخالفه الرأي، لكن ذلك لم يرضِ الغرب أيضا.

***

وقد تابعنا جميعا تداعيات الأزمة الأخيرة الناتجة عن إسقاط تركيا لطائرة روسية، الأمر الذي جعل بوتين يُسارع إلى القول بأنّ النظام التركي يريد "أسلمة" الدولة التركية، وكأنّ الشعب التركي يدين بالمسيحية، وأردوغان يريد إجبارهم على دخول الإسلام!

بينما في المقابل تسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى القضاء على نجم تركيا الساطع، من خلال استخدام أدوات لها مثل حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي والتنظيم الموازي وغيرها، وذلك بسبب هويتها "الإسلامية".

إذًا هي حربٌ الإسلام بكل مظاهره، حربٌ على الإسلام المعتدل، وعلى الإسلام الديمقراطي، وعلى الإسلام العلماني، وعلى الإسلام المتشدد، وعلى كل مشارب الإسلام المختلفة، فهؤلاء يرفضون كل شيء له صلة "بالإسلام"، ولا يريدون لأي حراك "إسلامي" أنْ يستعيد شيئا من مجد الأمة وعزتها، مهما كان لون هذا الحراك وشكله، وتحت أي مسمى كان.

صدق الله القائل: "ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس