ولاء خضير - خاص ترك برس

طالما فكرتّ، كيف نجح "أردوغان" بحنكةٍ وذكاء سياسي، وحكم تركيا، التي تتغلل بها العلمانية من كل حدب وصوب، هل كان بالإمكان أن يحدث لأردوغان ما حدث للرئيس المصري المنتخب "محمد مرسي"، وكلاهما ذو توجه إسلامي، هناك فجوة أصابها وأخطأها البعض، وهي كيفية التحكم بالتّركة العلمانية الثقيلة، وتشكيلها، لتوائم بها واقعك، ومن حولك، ربما هنا كانت الفجوة!.

لم تكن حكايةً مستبعدةً في الواقع التركي، الذي شهد بفترة ليست بعيدة، إعدام عدنان مندريس رئيس الوزراء التركي السابق، إثر انقلاب عسكري، للقوات المسلحة من أتباع "منهج اتاتورك العلماني"، الذين رفضوا أي تغيير تحت مسمى "توجه إسلامي"، ولو كان لصالحهم، وكانت التهمة " اعتزام قلب النظام العلماني، وتأسيس دولة دينية".

وعلى الرغم من أنّ عدنان مندريس شكل حركة تطورية في تركيا، وشهدت فترة حكمه استقرارا سياسيا، وسمح بحرية العقيدة والعبادة، وأدخل تركيا في حلف شمال الأطلسي، إلا أن ذلك لم يشفع له.

واليوم، وبعد أن وصل حزب العدالة والتنمية سدة الحكم، وسط تأييد شعبي عارم له، لم يُعرّف حزب العدالة والتنمية نفسه على إنه "إسلامي"، رغم أنه يملك خطابا وتوجها إسلاميّا واضحا، لكن التجربة القاسية التي مرت بها تركيا، دفعت حاملي همّ الأمة، لابتكار سياسات واستراتيجيات موائمة لما خَلفتُّه البلاد من عبء علماني ثقيل، ومتسلسل في كل مؤسسات وأجنحة الدولة العسكرية والمدنية.

ورغم ذلك نرى الكثيرين ممن يتهمون حزب العدالة والتنمية، بأنه ضلع ساكن في حزب "الإخوان المسلمين"، أو أنه حزب يتاجر بالدين ويستغله للوصول للحكم!، أو أنه مشروع مشترك يستهدف السيطرة على الوطن العربي، وإعادة الخلافة العثمانية!.

إلا أن حكاية حزب العدالة والتنمية مختلفة تمامًا، لم تتشابك فيها السياسة بالدين، ولم يفرض عداءه على أي طرف، وواجه العلمانيين بصدر رحب، وساق الإسلام دون أي انغلاق أو تخلف أو معاداة!.

فعندما تولى "أتاتورك" السلطة، وأخذ يطبق النهج العلماني المتشدد، والهيمنة العسكرية، كان أول ما ابتدأ به إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924م.

ثم أكمل أتباعه سياسة تجريد الشعب التركي من ارتباطه التاريخي الوثيق بـ الإسلام، عبر القيام بانقلابات عسكرية من حين لآخر، لضمان استمرار النهج "الأتاتوركي العلماني"، واستمر هذا الواقع المأساوي حتى ثمانينات القرن المنصرم.

وبقي الأتراك ولسنوات طويلة محرومين من سماع صوت الأذان، وحُرموا من تعلم أحكام الدين الأساسية، ومُنعوا من أداء شعائر الدين والصلاة، ومُنعت نسائهن من الحجاب!، في بلد يُعد 98% من سكانه من المسلمين.

ولكن الإسلام ظل محتفظًا بقواه داخل وجدان الشعب التركي، وعاود الظهور من جديد بصور سياسية واجتماعية مختلفة، والتي لم تكن لتكون، لولا حنكة وذكاء مؤسسي أحزاب تركيا الحديثة، من عبد الله غُل، وأردوغان، وغيره.

فقد كان أردوغان رئيسا ناجحا لبلدية إسطنبول بين العامين 1994م و1998م، وتميز بشخصية "كاريزمية" قيادية، وتبعته غالبية المواطنين الأتراك، إلا أنه سُجن مدة عام قبل أن يُكمل فترته، بسبب قراءته "قصيدة دينية"، وصُفت بأنها تثير العداء بين الناس.

وكانت الفكرة الأساسية لحزب العدالة، أنه يجب التخلي عن الخطاب الديني الذي التزمه قبله حزب الفضيلة بقيادة نجم الدين أربكان، وأن يستخدم خطابا يتفق مع الواقع التركي العلماني، والعالمي أيضا.

لذا نجح الحزب في تشكيل جمهورية تركية تقوم على العلمانية، والديمقراطية، والقانون، والتنمية الاجتماعية، والحضارية، وحرية المعتقد، وتكافؤ الفرص.

وكما أن الثقافة الدينية الإسلامية التي انتشرت في تركيا، لم يكن أثرها بنفس الأثر على الثقافة الدينية في المنتشرة في الوطن العربي، والتي أخذت شكل الحركات والتنظيمات الدينية.

وبهذا الصدد قال المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول: "كُتب سيد قطب مثلا، في التصور التركي، هي شخصية فلسفية وأدبية، اهتم بها كل الوسط الثقافي التركي، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، حتى ممن كانوا مندمجين في الحياة العلمانية ومؤسساتها، بوصفه صاحب رؤية تنويرية وفلسفية متنوعة الثقافة والاهتمامات الفكرية، بينما أخذت كتب قادة الإخوان المسلمين في الوطن العربي اهتماما آخر، بوصفها كتبًا ذات توجهات دعوية، تنتمي إلى تنظيمات حركية".

وأضاف: "وحتى ظهور حركة أربكان في نهاية الستينيات، التي أظهرت تعاطفا دينيا مع مدرسة الإخوان المسلمين الثقافية، لم يكن لها أي ارتباط حزبي بجماعة الإخوان المسلمين، ولا بأي حزب سياسي إسلامي عربي أو غيره، وإنما قدمت رؤية مغايرة، وفاعلية جديدة من التواصل التركي للمرة الأولى مع إخوانهم المسلمين في عموم العالم".

إن المحصلة الرئيسية التي يمكن استخلاصها من تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا، أنها نجحت في التفاعل مع الزمان والمكان، مع عدم التخلي عن القضايا الإسلامية، وعلى هذا الأساس، فإن تجربة بعض الحركات الإسلامية في الوطن العربي والإسلامي في الحكم، استمدت من ظروف الانغلاق والعزلة والعداء المباشر!.

عن الكاتب

ولاء خضير

كاتبة وصحفية فلسطينية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس