ولاء خضير - خاص ترك برس

كلما زاد لاجئٌ واحدٌ في عدّاد اللاجئين بشتى بقاع الأرض، كان دليلًا قاطعًا على استمرار الحرب الدموية والعنف الذي هرب منه اللاجئ، فلو لم يكن الموت واقعًا أمامه، لما غادر وطنه وأهله وسكنه، فرحلة الهجرة التي ستكون أمامه، هي رحلة محتملةٌ إلى الموت إيضًا.

وفي ظل إغلاق أغلب الدول العربية والإسلامية حدودوها بوجه اللاجئين السوريين على وجه التحديد، ما كان منهم إلا التوجه إلى تركيا ودول أوروبا، أوروبا ودول الغرب التي لها يد خفيّة في كل ما دَمر ويُدمر ثورات الربيع العربي، ولا يحتاج إلى الإثبات والبرهان، تنوح طويلًا بأنه لم يعد بمقدورها تحمل لاجئين أكثر، وأن الوضع الداخلي لديها بات مخيفًا، وغير آمن.

الشعب السوري وحده واجه النظام الأسدي الظالم، وتنظيم الدولة "داعش" الإرهابي، فلم تكترث دول الغرب "الكبرى في العالم"، والتي تدّعي أن الإنسانية هي الأولوية، واليوم وصلت الفاجعة الإنسانية إلى السواحل الأوروبية، فكشفت عن أنيابها!.

وبنظرة سريعة، ماذا لو أوقفت دول أوروبا مد عونها ودعمها لأي جهة إرهابية، بحجة حماية مصالحها في الشرق الأوسط، او خوفًا مما تدعيه من التمدّد الإسلامي، وماذا لو تكاتفت جهود أوروبا مع تركيا، التي يصل عدد اللاجئين على أرضها أكثر من 3 ملايين لاجئ، سنكون أمام خطوة تقلب الأحداث تاريخيًا، وتحمي أمن أوروبا قبل كل شيء.

فالأمن العالمي، لا يتعلق بقضية مكافحة الإرهاب فقط، والتفجيرات المتلاحقة، بل يتعلق أيضا بقضية اللاجئين على اختلاف الجنسيات، وهو ما يمكن القول، إن السياسة الخاطئة والمعايير المزودجة التي اتبعها الغرب، والمجتمع الدولي بشكل عام، تجاه القضية السورية بشكل خاص، هي من تقف وراء الهجمات الإرهابية سواء في الغرب أو تركيا.

نتذكر جيدا حادثة تفجير بروكسل منذ شهرين، وكيف أن تركيا كشفت القصور الأمني والاستخباراتي في أوروبا، من خلال التصريح عن أنها سبق أن رحّلت أحد منفذي تفجيرات بروكسل من أراضيها إلى هولندا، وحذرت من كونه مقاتلًا إرهابيًا أجنبيًا.

حينها لفتت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية إلى اعتراف وزير الداخلية البلجيكي بوجود أخطاء، إلا أنه انتقد الحكومة الهولندية قائلا إنها لم ترسل المعلومات التي وصلتها من الجانب التركي إلى الجانب البلجيكي، باستخدام القنوات الصحيحة.

ما نريد إيصاله هنا، أن أمن الغرب وأمن تركيا خطان ملتقيان، وهو ما يمكن أن يكون دعوة لعدم الاستهانة بدور أنقرة، سيتغير الكثير لو أدركت أوروبا مدى جدية وتعاون الجانب التركي في مكافحة الإرهاب، الذي يضرب عُقر داره أيضًا، وإن اختلفت الجهات المنفذة لهذه العمليات الدموية، إلا أنها كلها تقع تحت مسمى "إرهاب"، الذي بات يفجر ويقتل كل من يقف أمامه، والذي لا يمت للإسلام بأي صلة كانت.

وهو ذات الشأن الذي تطرق إليه مؤخرًا وزير الاتحاد الأوروبي عمر تشيليك، حين صرح بأن تحقيق الأمن في تركيا ضروري من أجل ضمان الاستقرار في أوروبا، مؤكدا أن العلاقات التركية الأوروبية هي مفتاح رئيس لإحلال السلام العالمي.

جاء ذلك في لقاء صحفي أجراه تشيليك في اليوم الأخير من زيارته إلى هولندا، إذ قال "علينا أن نذكر أصدقاءنا الأوروبيين بأن تركيا لا تشبه دول البلقان، فهي ليست دولة عادية، إن أهمية تركيا لا تكمن في موقعها السياسي والجغرافي فحسب، بل تمتد أهميتها بالنسبة لأوروبا إلى قدرتها على إيجاد حلول مختلفة أمام التحديات الراهنة، وهذا مهم من أجل مستقبل أوروبا".

سياسة "أمن أوروبا يبدأ من تركيا"، أطلقها  رئيس وزراء تركيا السابق أحمد داود أوغلو، قائلًا إن أوروبا ليس لها شريك سوى تركيا لتحقيق الأمن في المنطقة، ومؤكدًا على مطلب أنقرة بإقامة منطقة آمنة في سوريا بعد تفجيرات بروكسل.

تركيا التي تقاتل على عدة جبهات، لا يمكنها لوحدها أن تواجه الإرهاب، كل يوم نسمع في نشرات الأخبار أن القوات التركية قصفت اليوم بالمدفعية مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في شمالي سوريا، وتمكنّت من قتل عددٍ من المسلحين، بمقابل روسيا التي تدّعي أنها تستهدف تجمعات تنظيم "داعش"، ثم تكشف النتائج أن القصف لم يستهدف سوى مدنيين ومعارضيين سوريين، ثم ما يلبث أن يهاجر المدنيون بالمئات بل بالآلاف، إلى تلك الدول التي شاركت في ضربهم!.

الوضع في العراق لم يكن مختلفًا أبدًا عن سوريا، في سبيل حماية مصالح دول أوروبا، وكان آخرها ما صرح به مسؤول رفيع المستوى في الاستخبارات التركية، أن الولايات المتحدة الأمريكية عملت على وضع نظام تقني مضلل لإشارة الهواتف والأجهزة اللاسلكية المستخدمة من قبل عناصر تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، في منطقة قنديل العراقية.

وجاء ذلك في خبر نشره موقع "7" الإلكتروني، إذ أوضح المسؤول أن أمريكا عملت على تركيب النظام التقني، في خطوة منها لحماية عناصر بي كي كي من العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات المسلحة التركية في منطقة "قنديل". في مشهد قاطع يدل على أن دول الغرب وأوروبا ماضية في تحقيق مصالحها الخاصة، وتغض الطرف، بل وتدعم الجهات الإرهابية.

هناك  حاجة لدى الطرفين إلى عقد اتفاقيات قوية لتحرك مشترك في مجال "محاربة الإرهاب"، مثل التحرك لكبح أفواج اللاجئين، ومنع أسباب هجرتهم، يجب على الغرب أن يوسع مفهوم الخطر الإرهابي ليشمل جهات يدعمها بالخفاء، ويكف عن دعم هذه المنظمات الإرهابية، والاتحاد مع تركيا للقضاء عليه بشكل فعال.

عن الكاتب

ولاء خضير

كاتبة وصحفية فلسطينية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس