‏د. أحمد موفق زيدان - خاص ترك برس

‏الحياة مواقف، والخيط الفاصل بين الجرأة والجبن خيط رفيع، وقرار صارم لا عودة عليه، فقد علمتنا الأيام أن من يتكلم كثيراً يعمل قليلاً والعكس صحيح، وعالم الدول لا يسير بمبدأ المنظمات الخيرية والإغاثية، لكن للأسف الموقف التركي ظل على مدى عقدين يسير على مبداً تصفير المشاكل مع الآخرين، بينما الآخرون يسيرون على مبدأ معاكس تماماً لكن الفارق بينهما أن مبدأ الأعداء من الروس والصفويين لغة هادئة ولينة وعمل خشن قاس صارم لا عودة عليه ولا رجعة عنه..

‏استغلوا شماعة فلسطين، واستغلوا عواطف الناس واستدروا مشاعرهم من العداء للأميركيين وإسرائيل والحب لفلسطين وهي شعارات لا تكلف شيئاً سوى بضع ملايين من الدولارات بينما كانت المحاصيل أكبر من هذا بكثير محصول جنوه بشفط العراق كله ومن قبل شفط لبنان ومعه سوريا ونصف شفط لليمن وبدايات شفط لدول عربية وإسلامية حتى وصل الأمر إلى تدخلهم بالانتخابات الإسبانية..

‏بالمقابل كان المبدأ التركي يسير على تصفير المشاكل، فكان أن صمت على اجتياح العراق، فلا هو وقف ضد الاجتياح وفرض رؤيته، ولا هو دخل باللعبة وقدم التسهيلات الأميركية من قاعدة أنجرليك وحرم الأكراد من أن يكونوا حصان طرواده للأميركيين ففازوا الآن بحصة الأسد في اقتطاع أجزاء من العراق وسوريا وتهديد لتركيا، وهو ما فعلته دولة كباكستان حيث دخلت التحالف الغربي في خلع طالبان عن السلطة ولكن مع هذا كانوا يدعمونها بالسر حتى أرغمت الحركة التحالف على الإنسحاب فكانت باكستان بطلة الحرب كما هي اليوم بطلة السلم وحين فازت القائمة العراقية بقيادة إياد علاوي بالإنتخابات رضخت تركيا للضغوط الأميركية والإيرانية والأسدية وتنازلت عن تشكيل علاوي للحكومة التي هي من حقه، إذ كان مدعوماً من الحراك السني وبهذا التنازل التركي لإيران تكون تركيا والعالم السني قد ركع أمام إيران وعملائها وأسيادها فمنحوا المالكي من تشكيل الحكومة  وهو الموقف الذي لا نزال ندفع ثمنه لليوم...

‏واصلت السياسة التركية للأسف الحديث عن سياسة طوباوية وكلام يصلح للمدينة الفاضلة،لا يصلح لواقع السياسة اللئيم عالمياً واقليمياً وحين غزت المليشيات الطائفية سوريا دعماً لنظام مجرم قاتل، فلا قدمت تركيا  أسلحة نوعية للثوار، ولا هي تدخلت كما تدخلت إيران إلى جانب النظام المجرم القاتل، ولا هي نظمت الضباط المنشقين كما فعلت الأردن، بل وللأسف راحت تُشغل نفسها بالتوافه من تأسيس ألوية السلاطين كتأكيد على دورها ونفوذها في سوريا بينما الشعب السوري كله يهتف لأردوغان فشعبيته وسط السوريين  قد تضاهي شعبيته في تركيا نفسها...

‏وحين غزت روسيا الشام، وعربدت في كل ناحية، لم تستطع تركيا حماية الشام ولا حماية عرقيتها التركمانية التي توعدت وهددت روسيا إن هي اقتربت منها فكان التهجير والقتل والدمار والخراب لهم في مناطق جبال التركمان، وتبع هذا عربدة من غلاة الأكراد على حدودها فتحول غلاة الأكراد إلى تحالف شمالي أفغاني بنكهة سوري يتحرك تحت أجنحة الطيران الروسي والغربي والسوري والإيراني ووووو، أما تركيا فلا تحرك ساكناً...

‏الآن ليس المكان للبكاء على الأطلال ولا على الديار، وإن كان استعراض الماضي هو فقط من باب الانطلاق إلى المستقبل وما ينبغي عمله، على تركيا أن تعي أن الحرب عليها وعلى حاضرها ومستقبلها، وحين تحركت المليشيات الطائفية وإيران مع النظام الطائفي وأحجمت هي عن ذلك أجبرها اليوم أن تدفع الأثمان مضاعفة، وفاز باللذة السورية الجسور الإيراني والروسي، ولو تحرك الأتراك في البداية وفرضوا المنطقة الآمنة ونظموا الجيش الحر وضباطه لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، ومع هذا لا بد من التحرك، فعلى تركيا أن تعي تماماً أن المعركة ليست في إعزاز، والخط الأحمر الإعزازي الذي يتحدث عنه المسؤولون الأتراك خط وهمي فمجال الدول الحيوي ينبغي أن يكون أبعد من هذا بكثير، فإن حدود تركيا اليوم ليست مع الشام ولا مع حلب ولا مع الرقة وإنما حدودها غدت مع روسيا وإيران وكل أعداء تركيا، وكفى تهديدات، ولا بد من العمل، والعمل ينبغي عليه حشد الشام كلها وحشد كل طاقاتها وكل شرائحها وتعبئة الشارع التركي وتوضيح المخاطر المحدقة به من خلال المصارحة، فالتاريخ لن يرحم، والوقت ثمنه دم وضياع أوطان واقتلاع شعوب وتغيير هويات ، لا سيما وأن الأمل معقود عند كثير من الأمة بتحرك الحلف الإسلامي، فأثلجوا صدور هذه الأمة بموقف مشرف يشرفكم في الدنيا والآخرة

عن الكاتب

د. أحمد موفق زيدان

كاتب وصحفي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس