د. أحمد موفق زيدان - خاص ترك برس

التداعيات والخسائر المتوسطة والبعيدة المدى الناجمة عن  تخبط القرار السياسي الرسمي إزاء ما يجري في الشام وإفرازاته سيكون خطيراً جداً وبعيد المدى على العلاقة بين الرسمي والشعبي، وسيتلفت يوماً ما السياسي الرسمي فلا يجد  من يدعمه ويسانده من شعبه، بعد أن استنفذ رصيده من المصداقية أمام شعوب منحته الفرصة تلو الفرصة ليثبت أمام كل العاديات التي واجهتها الأمة على مدى سنوات وهي بمقياس التغييرات الكونية قد تعادل عقوداً وقروناً..

وحين أتحدث عن العاديات فأقصد خراب العراق والشام على مدى عقدين تقريباً على يد مليشيات طائفية حاقدة وبدعم إيراني وروسي وأميركي وغربي وصمت عربي وإسلامي، أو دعم خجول، أو تواطؤ مكشوف من بعض الدول..

المعسكر الآخر المتجسد بعدائه للشعوب وثورتها وربيعها ويصطف فيه الكل من شرق وغرب، وعلى رأسه أميركا التي لم تعد تخفي حرصها على استخدام روسيا كبلطجي ينفذ لها كل الأعمال القذرة دون أن تورط نفسها في هكذا أعمال، أو تنسبها لذاتها، بينما الولد الشقي الروسي يصول ويجول في الشام قصفاً وحرقاً تحت لافتة محاربة داعش، وداعش منه براء، بينما نرى صمته المطبق إزاء تقدم ونجاحات طالبان أفغانستان على حزامه الرخو دون أن يهدد أو يتوعد..

هذا المعسكر حسم أمره وقراره إن كان على مستوى القيادة الكبرى ممثلة بأميركا فضمنت له حمايته في مجلس الأمن الدولي والمؤسسات الدولية، بينما تتحرك  روسيا وإيران باللعب في العراق والشام واليمن قتلاً وحرقاً وتشريداً، ونسمع وقاحة ولايتي وهو يقول إن التعاون بينهم وبين روسيا سيمتد إلى اليمن، بينما تُحاكم السعودية وقطر وتركيا على نواياها أو على ما يحللّه آخرون عنها وعلى الرغم من نفيهم لما يتم تداوله إلا أنها لا تزال تُحاكم على التحليلات والتكهنات والتخرصات..

المعسكر السنداني الذي يتلقى الضربات هو معسكر الشعوب أصلاً وفصلاً ويقدم له الفتات من دول مثل تركيا والسعودية، وما لم تحسم هاتان الدولتان خيارهما بالانحياز بشكل كامل للشعوب فإن أياماً خطيرة ستلحق بها، وسيأتي اليوم وقد انفضت عنها الشعوب ولن تجدها بعد أن انتظرتها لسنوات في الشام ولعقدين في العراق لتهب للدفاع عنها وهي تخوض معركة الأمة كلها، وستتذكر حينها مقولة" أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"..

صحا الخليج متأخراً إزاء حزب الله اللبناني فأوقفت المملكة هبتها للجيش اللبناني وقوات أمنه، الذي لم يتجرأ إلا على اللاجئين السوريين، وعلى المملكة وتركيا أن تتخذ قراراً استراتيجياً حاسماً في الشام، فالتظاهر بالابتعاد عن الحريق لن يجدي فالحزام الكردي يزنّر تركيا اليوم وهو حزام لخنقها تماماً، وقاعدة أنجرليك لم تعد مهمة للأميركيين وهم يرون سيطرة غلاة الأكراد على مطارات أكثر استراتيجية من أنجرليك نفسها ولكن بسوريا..

الحلف الإسلامي الذي أُعلن عنه لا بد أن يكون حلفاً حقيقياً لا مائعاً، ومعروف الأهداف والغايات والوسائل، وبالتالي فثمة لبنانات كثر في داخله وسينفضون عنه تماماً حين يلقون الغُرم، فهم أصحاب غُنم فقط تماما كحال الحكومة اللبنانية، أما أصحاب الغُرم الحقيقي فهي الشعوب المنتفضة، ومعها الجماعات الثورية والجهادية المعتدلة التي أثبتت صدقاً وعدلاً ولاءها للأمة وللخليج ولتركيا، وأثبتت الأيام أن الحلف بين الطرفين بعيد المدى، وأن التعويل الحقيقي هو على هذه الشعوب وطليعتها الثورية الجهادية..

الحلف الإسلامي لا بد أن يمتد ليشمل الشعوب ونخبها وهذا لا يتأتى إلا بالمصارحة والشفافية والوضوح في أهداف الحلف واستبعاد كل شقي وكاذب ومنافق ومتملق قبل فوات الأوان، وهو ما يترتب عليه أن تحمل النخب مسؤولية الترويج لهذا الحلف وسط الشعوب، فكما أن الحاضنة الشعبية والجماهيرية مهمة وحيوية للجماعات الثورية والجهادية فإن الدول أشد حاجة لهذه الحاضنة لا سيما في فترات الحروب والأزمات ..

عن الكاتب

د. أحمد موفق زيدان

كاتب وصحفي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس