د. عمر بولاط - الاقتصاد العميق - ترجمة وتحرير ترك برس

شهد اقتصاد العالم بداية أزمة حقيقية منذ عام 2007، وبرغم كل محاولات الدعم المالي والحلول الاقتصادية التي قام بها العالم عام 2008 لتجاوز هذه الأزمة، إلا أنّ كل تلك الجهود لم تفلح، ووصلت الأزمة الاقتصادية ذروتها في العام 2009، ولم يستقر الوضع الاقتصادي، بل إنّ العام 2015 أصبح من أكثر الأعوام التي شهدت ركودا اقتصاديا بنسبة نمو 3% فقط.

ولا شك أنّ الظروف الجارية في محيط تركيا، قد أثرت عليها بصورة مباشرة، كحريق نشب في بيت ما، سيؤثر على بقية ساكني الحي بكل تأكيد، ولهذا فإنّ ما شهدته تركيا منذ أحداث غيزي بارك عام 2013، وصعود التوتر الداخلي، والمعارضة التي بدأت تتصرف بأسلوب هدّام، أثّر بشكل عميق على الاستقرار الاقتصادي، والطمأنينة، لكن جاءت انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015، لتعيد المحافظة على الاستقرار الاقتصادي، واستمرت بعدها أحداث مواجهة المنظمات الانفصالية في جنوب البلاد، وقام رجال الأمن الأبطال بمحاربة الإرهاب بكل فدائية وتضحية، ولذلك فإنّ المحافظة على الاستقرار الاقتصادي ليس بالأمر السهل.

ولهذا نجحت تركيا خلال العام 2015، من سد الفجوة التي نتجت عن انخفاض في حجم الصادرات، من خلال زيادة الاستثمار، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر، وزاد معدل نمو العمالة، وننتظر أنْ يكون العام 2016 أكثر نموا وتحسنا، ورغم كل محاولات البعض لإغراق المركب التركي، ورغم قيامهم بكل الوسائل التي كانت متاحة لهم من أجل إيقاف النمو التركي، وبرغم كل السيناريوهات المرعبة والظلامية التي توقعها البعض ورسمها لمستقبل تركيا، إلا أنهم لم ينجحوا في التأثير على عزيمة الأمة والشعب التركي، وهذا ما ظهر جليا من خلال صناديق الاقتراع.

وعلينا أنْ لا ننسى ثقافتنا وحضارتنا الممتدة لأكثر من 1000 عام، والتي تشكل مصدر فخرنا واعتزازنا، وحتى في نهاية العهد العثماني وانهيار الدولة العثمانية، حققنا انتصارات تشانق قلعة وحرب التحرير، وواجهنا الأزمات الاقتصادية العميقة التي كانت في أعوام 1978 و1979 وكذلك في عامي 1994 و1999، وأزمة بداية الألفية، وسرعان ما تجاوزناها، ولذلك يجب ان تكون تركيا 2016، أكثر تطورا في الديمقراطية، وتوسيع نطاق الحريات والحقوق الأساسية، وزيادة في جودة الخدمات العامة، ونهضة في الاقتصاد، وزيادة في الرفاهية، وتركيا قوية، لتكون تركيا 2016 لا تقارن بتركيا 2002.

ولهذا فإنّ على أصحاب المشاريع من هذا المنطلق أنْ يكونوا أكثر ثقة بدولتهم، وأنْ يعملوا ضمن هذا الاستقرار وهذه الطمأنينة، ووجود دولة تحكمها حكومة من حزب واحد هو أمر إيجابي جدا، ونحن نملك تعدادا سكانيان يبلغ 79 مليون نسمة، معدل أعمارهم 31 عاما، ولذلك لدينا القابلية الهائلة لزيادة الديناميكية وزيادة حجم الإنتاج، وعلى المستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب المشاريع أنْ يدركوا بأنهم بحاجة إلى زيادة جودة منتجاتهم، من أجل الدخول في منافسة المنتجات العالمية الأخرى، وعليهم استخدام أحدث الوسائل التكنولوجية والتصاميم والمعلومات، وعليهم أنْ يستمروا في هذا العام في الاستثمار والإنتاج، وعليهم أنْ يحافظوا على نظرتهم التفاؤلية، لأنّ الحكومة تقوم بتحفيز الاستثمار والإنتاج، وعليهم أنْ يركزوا خلال العام 2016، على زيادة حجم الصادرات إلى أوروبا وافريقيا وامريكا وإلى الجمهوريات التركية.

أما الواجب المفروض على الحكومة، هو أنْ تسهل عالم الأعمال في تركيا، وأنْ تقلل بصورة عاجلة من البيروقراطية، وعليها انْ تسن كل القوانين والتشريعات الضرورية، من أجل تسهيل عمل المستثمرين وأصحاب المشاريع، وأنْ تُزيل كل القوانين التي تعيق عملهم وتقدمهم، واذا تم إزالة العبء الضريبي عن كاهل المنتجين والمستثمرين والتجار، لن يتبقى حاجة إلى القضاء على البيروقراطية، ولهذا فإنّ تركيا بحاجة إلى إصلاحات جديدة، يتم من خلالها وضع الاقتصاد على سلّم الأوليات، واتخاذ سياسة تشويقية وتحفيزية لزيادة حجم التصدير إلى الخارج، وعلينا أنْ لا ننسى الأمل الذي منحناه لشعبنا ولتجارنا منذ 13 عاما، لأنه لا يوجد تركيا أخرى، ونحن سنعيش للأبد في هذه الدولة.

عن الكاتب

د. عمر بولاط

الدكتور عمر بولاط / رئيس جمعية الموصياد لرجال الأعمال والصناعين السابق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس