مولاي علي الأمغاري - خاص ترك برس

قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في لقائه الثاني والعشرين مع المخاتير الأتراك، يوم 16 آذار/ مارس 2016: "كافة أطياف الشعب التركي أمة واحدة، لها علم واحد، لا يوجد علم آخر يمكن أن نعترف به غير هذا العلم ذو اللون الأحمر لون دم الشهداء، ويتوسطه الهلال رمز الاستقلال، والنجمة تمثل رمز الشهداء الذين استشهدوا فداء للوطن.

نعم لنا وطن واحد، لن تستطيعوا تقسيم تركيا، لن تستطيعوا تمزيق هذا الوطن، ومن يتجرأ فإن جيشنا وشرطتنا ودركنا الوطني لكم بالمرصاد، قرار هذا الشعب وإرادته لن يقف أمامها أحد، قواتنا الوطنية ستعمل على انتشالكم فردا فردا من كل حفرة وخندق وواد وجبل في تركيا، أدخلوا إلى أي مغارة في جبال الجودي أو جبال قنديل، فسنستخرجكم من جحوركم واحدا واحد، وقواتنا الأمنية وراءكم مهما طال الزمن، ستدفعون ثمن دماء الشهداء التي أزهقتموها بغير وجه حق". عن موقع الرسمي لرئيس أدوغان.

هذا الإصرار القوي من تركيا وقادتها، هو الذي يجعل الإرهاب يتخبط ويزيد جنونه فيضرب أهم مدينتين بتركيا، أنقرة العاصمة السياسية، وإسطنبول العاصمة التاريخية والاقتصادية والسياحية.

في أقل من أسبوع استهدف الإرهاب ميدان"كيزلاي"وسط العاصمة أنقرة، وأسفر عن سقوط 37 قتيل وعشرت الجرحى، والذي تبناه تنظيم "بي كي كي" الإرهابي، ويوم السبت فجر انتحاري تركي له علاقة بتنظيم داعش نفسه في شارع الاستقلال الشهير وسط مدينة إسطنبول وأسفر عن سقوط 5  القتلى وعدة الجرحى، وقبلهما تفجير أنقرة في17 شباط/ فبراير 2016 في "شارع المراسيم" بقلب أنقرة والذي استهدف حافلة عسكرية تقل جنودًا أتراك، ما خلف مقتل 28 شخصا وعشرات المصابين، وتبنته جماعة "صقور حرية كردستان - TAK" والتي قال عنها رئيس الوزراء التركي أحمد أوغلو: "إن هذه الجماعة ليست مستقلة عن تنظيم بي كي كي الإرهابي، وهي امتداد له، تماما كما هو الحال بالنسبة لـ "YPG" الذي يعد امتدادا لتنظيم بي كي كي أيضا، أي أنه حتى لو تبنت جماعة صقور حرية كردستان التفجير الإرهابي، فهذا لا يمنع أن يكون لوحدات حماية الشعب صلة بالتفجير" عن مؤتمر صحفي لرئيس الوزراء التركي عقب الاجتماع الأمني بخصوص التفجير.

سلسلة التفجيرات التي عرفتها تركيا في السنة الماضية وهذه السنة تدل بوضوح أن "خنجر الإرهاب" هو الحل الوحيد الذي يُمكنه في "حسابات أعداء تركيا" الحد من طموحاتها وقوتها المتصاعدة في جميع المجالات.

وغاية هذه التفجيرات، الضغط على الحكومة التركية عبر تخويف الأتراك وإيصال رسالة مختصرها، أن حكومتكم لم توفر لكم الأمن، وأنها عاجزة عن حمايتكم من الإرهاب، وأن الأماكن العامة في كل من أنقرة واسطنبول أصبحت ساحات للموت والأشلاء والدم والنار.

كثيرا ما تحدثت عن "حلف الطاعنيين في الظهر" بمكونيه الظاهر والشبه الخفي، الظاهر (روسيا، وإيران، ونظام بشار المجرم، وداعش، وحزب العمال الكردستاني وفروعه بي بي دي، وصقور حرية كردستان) والشبه الخفي، (أمريكا وأوروبا وعلى رأسها ألمانيا، والكيان الصهيوني المحتل).

هذا الحلف المتنوع المشارب يجتمع على هداف واحد، في جبهة واحد، ضد خصم واحد أزعجهم وأقلقهم وأبى أن يدخل تحت جلباب كبرائهم، أو يداهن أذنابهم، وخصوصا في الملف السوري، والتي فضحت فيه تركيا مزاعم الإنسانية عند الغرب، وأدعياء وأنصار الديمقراطية ومطالب الشعوب، وحماة قيم التسامح والحرية والكرامة وحقوق الإنسان.

جرأة تركيا في رفضها أن تكون أداة تنفيذية لأجندة أمريكا وحلفائها الأوروبيين والصهاينة، ووقوفها في وجه الجنون الروسي-الإيراني، وهمجية نظام الأسد، ومحاولتها استعادة دورها الإقليمي في المنطقة، كل هذا جعلها هدف رئيس لجميع مكونات الحلف المذكور.

صحيح أن تركيا لن تبقى وحدها في وجه هذا الحلف الغادر، فقد وجدت في المملكة العربية السعودية وملكها "سلمان الحزم"، ودولة قطر وأميرها الشاب الطموح "الشيخ تميم"، خير حليف وأفضل سند، والركن الشديد بعد الله تعالى، فتحققت أمنية كثير من الأتراك والعرب في أن يروا تركيا والسعودية وقطر حلفاء في نصرة الثورة السورية وحماية مصالحهم و مصالح المسلمين بالمنطقة.

لكن الضغط هذه الأيام يشتدَ على تركيا، والتي أصبحت أكثر استهدافا من المنظمات الإرهابية، والتي تحاول تحقيق أهدافها عبر هجماتها الإجرامية البربرية، وفي مقدمة هذه الأهداف: تدمير مكتسبات تركيا لصالح أجندات إقليمية ودولية.

ولقد تفاءلت بأحداث شهر آذار/ مارس الحالي حيث استخلص منها الخبراء والمحليين  قرب تغير الوضع في سوريا والمنطقة  وكانت منهم هذه الأسئلة: هل بدأ حلفاء الأسد يتصارعون؟ أم أن نفسهم بدأ يتقطع؟ أم أنهم أدركوا مدى الورطة التي أدخلهم إليها الأسد، تحت نظر أمريكا والتي تأخرت لتتفرج على أعداها يتقاتلون وهي أمنة في نفسها ومحققة لمصالحها بدون خسائر تذكر؟

من هذه الأحداث ما يلي:

- الانسحاب الجزئي لروسيا من سوريا ومحاولة استئثار روسيا بسوريا دون حلفائها.

- إعلان حزب الاتحاد الديمقراطي ووحدات حماية الشعب الكردي عن تشكيل"نظام فدرالي" في شمال سوري.

- "اتفاق الهدنة" وأثره على المشهد السوري و إصرار الشعب السوري على شعارات بداية الثورة 2011.

-  المناورات العسكرية (رعد الشمال) بالمملكة العربية السعودية، بمشاركة قوات (20) دولة عربية وإسلامية وذلك في إطار التحالف العسكري الإسلامي ضد الإرهاب.

- تمسك المعارضة السورية بمطالبها، وعلى رأسها مجلس حكم انتقالي بكامل الصلاحيات، رغم الضغوطات الغربية.

- إجماع الدول الخليجية والعربية على تصنيف "حزب حسن نصر الله وميليشياته" منظمة إرهابية والتضييق عليها، هذه الأحداث وغيرها نتج عنها مستجدات التالية:

- التقارب التركي - الإيراني والاتفاق على وحدة سوريا والتسريع بمشروع نقل الغاز الإيراني عبر تركيا.

- رفع روسيا للعقوبات الاقتصادية المفروضة على تركيا، حيث سمحت السلطات الروسية للشركات التركية الموجودة في الأراضي الروسية منح تصاريح عمل للمواطنين الأتراك في روسيا، كما رفعت الحظر عن عمل شركات السياحية التي تعمل على تنظيم الرحلات السياحية بين روسيا وتركيا، وأعلنت شركة الغاز الروسية "غازبروم" عن رفع حجم صادراتها من الغاز الطبيعي المصدر إلى تركيا بنسبة  33 بالمئة، وفوز عدة شركات تركية بصفقات مهمة في روسيا.

- رغبة الكيان الصهيوني المحتل لعودة العلاقات التركية- الإسرائيلية عبر الضغط على تركيا لتخفيف شروطها للصلح، فتوالى قادة الكيان على مدح تركيا مرة وانتقادها مرة، اخر هذه التصريحات ما كان من نائب رئيس أركان جيش الكيان الصهيوني والتي انتقد فيها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه، كما داعا فيها إلى بذل جهود من أجل تخفيف التوتر مع الأتراك، واصفا تركيا بأنها دولة كبيرة وقوية.

- اشتداد عود العلاقات التركية - السعودية - القطرية يوما بعد يوم، وظهر هذا في الدعم غير المحدود لسعودية وقطر لتركيا بعد تفجيري أنقـرة واسطـنبول، حيث أكدت كل من المملكة العربية السعودية ودولة قطر تضامنها ووقوفها مع الجمهورية التركية الشقيقة في كل ما تتخذه من إجراءات للحفاظ على أمنها واستقرارها.

هذه المستجدات كلها تصب في صالح تركيا بكل الوجوه، والحقيقة أن أعداء تركيا هم أول سبب في نجاحتها اليوم، هم الذين كانوا الدافع لتحقق "تركيا الجديدة"  في 14سنة ما لم تحققه في 80 سنة، فمسيرة تركيا وحزب العدالة والتنمية مازالت مستمرة تضيف كل يوم إنجاز لنفسها وأحبابها.

صحيح أن #تركيا_مستهدفة، لكن لها أحباب يقولون #كلنا_ تركيا.

عن الكاتب

مولاي علي الأمغاري

باحث في قضايا العالم العربي والإسلامي ومتخصص في الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب، ومهتم بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس