د. عمر بولاط - ترجمة وتحرير ترك برس

عندما انهار خلف وارسو عام 1989، وانهار المعسكر الاشتراكي، أصبحت الحضارة الغربية هي القوة المهيمنة الوحيدة في العالم، وتقودها الولايات المتحدة الامريكية، والتي أسست نظاما عالميا جديدا، وزعمت انها تريد نشر الديمقراطية، والقانون، والتطوير الاقتصادي والرفاهية، في جميع أنحاء العالم، لكن ما حصل خلال ربع قرن، وتحديدا خلال 26 عاما الماضية، هو أنّ لهيب الحروب، والحروب الأهلية، والاقتتال الداخلي، والموت والقتل والتشريد انتشر في كل أنحاء العالم، وأصبحنا نشاهد بركة الدماء تنتشر من افريقيا الى الشرق الأوسط، ومن البلقان حتى القوقاز، وانتشر الظلم والحقد والكراهية والعنف، وتمزقت البلاد، وتدمرت مدن وحضارات، فإذا كان هذا هو "النظام" العالمي الجديد، فكيف سيكون الوضع لو أرادوا نشر "الفوضى"، لا نستطيع تخيل ذلك!

لا شك أنّ أكثر المتضررين من حالة الفوضى القائمة حاليا في العالم هو العالم الإسلامي، أكثر المتضررين هي فلسطين وأراضي القدس، ومسلمي البلقان، والبوسنة والهرسك، وكوسوفا، والشيشان أفغانستان وباكستان، اليمن ليبيا وتونس، كشمير والجزائر ومصر والسودان، القرم والعراق وسوريا، وتركيا أيضا. كل هذه الدول دفعت ثمنا باهظا بسبب الإرهاب الانفصالي، وذلك لأنّ الغرب رأى بمنطقة الهلال الأخضر، أي العالم الإسلامي، بأنه الأخطر على الهيمنة الغربية بعد نجاحه بالقضاء على الاتحاد السوفييتي.

كان على الغرب ان يدمّر الحضارة الإسلامية عن بكرة أبيها من أجل ان تبقى الهيمنة الغربية قائمة وقوية، كما أنّ وجود أكثر من 50% من مصادر الطاقة مثل الغاز والبترول في العالم الإسلامي، جعل الغرب يتحرك أكثر من أجل فرض هيمنته على هذه المناطق، ولم يكتفوا بما قاموا به إبّان الحرب العالمية الأولى والقضاء على الإمبراطورية العثمانية من خلال سياسة "فرّق تسد"، وإنما شعروا في هذه الفترة بضرورة تكرار العملية مرة أخرى، وذلك بعد مرور قرن على الحرب العالمية الأولى، وهذا ما حصل بعد تسعينيات القرن الماضي في شرق أوروبا، حيث أعيد توزيع الهيمنة على مناطق البلقان والبلطيق.

وهذا المشهد يفسّر لنا الأسباب الحقيقية لما يعيشه العالم الإسلامي من دمار، وحروب على مدار السنوات الماضية، حيث عشنا حروبا إقليمية (العراق-الكويت، العراق-إيران)، ودولا أخرى عاشت حروبا داخلية (لبنان، ليبيا، اليمن، الجزائر، السودان، العراق، سوريا)، وأخرى عاشت عنف الإرهاب الانفصالي (تركيا، باكستان، أفغانستان)، وبعض دول العالم الإسلامي تعيش تطهيرا عرقيا (فلسطين، البوسنة والهرسك، كوسوفا، الشيشان)، كما أنهم قاموا بانقلابات على أنظمة حُكم ديمقراطية نشأت في العالم الإسلامي في دول (تركيا، مصر، الجزائر، باكستان)، ويعملون حاليا بكل جهدهم من اجل الإيقاع بين السنة والشيعة في دول (لبنان، سوريا، العراق، إيران، السعودية، البحرين، باكستان)، كما أنهم استخدموا منظمات إرهابية أنتجتها مختبراتهم من أجل إسقاط العالم الإسلامي وخصوصا السني، والذي يشكل 85% من مجمل العالم الإسلامي، وهذا هو الثمن الباهظ الذي يدفعه العالم الإسلامي نتيجة النظام العالمي الجديد.

وعلينا أنْ لا ننسى هنا بأنّ هناك دولا من العالم الإسلامي، وحكوماته، باعت نفسها للقوى المهيمنة، وكانت سببا في تشكيل هذه الأوضاع المأساوية التي نعيشها اليوم، لكن كل هؤلاء، وكل حساباتهم، ومحاسبتهم، نسوا حقيقة واحدة وهامة جدا، وهي حساب الله عز وجل، لأنّ حساب الله يفوق حساباتهم، وهو صاحب القوة المهيمنة الحقيقية والتي من خلالها سيفسد كل مخططاتهم، وهذا ما بشرنا به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بأنّ الحضارة الإسلامية ستعود وتستمر وتحكم من اندونيسيا حتى المغرب، والله عز وجل سيحميه دينه ويبقيه حتى قيام الساعة، وما علينا فعله من اجل ذلك، هو طاعة الله عز وجل، والامتثال لأوامره، والعمل، وتحقيق العدالة، واحقاق الحق، والتآخي، والتشارك، فالظلم لا يدوم إلى الأبد، وأحلك لحظات الظلم هي أقربها للفجر القادم.

عن الكاتب

د. عمر بولاط

الدكتور عمر بولاط / رئيس جمعية الموصياد لرجال الأعمال والصناعين السابق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس