جدعون ليفي - خاص ترك برس

الغوغاء الذين يتظاهرون من أجل إطلاق سراح الجندي القاتل، ويرفعون اللافتات من أجله، يعدونه بطلا. لا ينظرون إليه على أنه ضحية فقط، مثل رومان زدوروف ، بل على أنه بطل. ينظر إلى أ . أ ( الأحرف الأولى لاسم الجندي الإسرائيلي) على أنه بطل شعبي لأنه قتل فلسطينيا يحتضر، وهذا أمر ينبغي أن يقال بوضوح. وربما للمرة الأولى في تاريخ إسرائيل تصبح عملية قتل حقيرة، يصعب أن نجد لها أي مبرر سوى كراهية العرب واحتقار حياتهم، عملا بطوليا. هذا القتل الذي لا يحتاج تنفيذه إلى شجاعة، ولا مثيل لخسته وجبنه، تحول في أعين الجماهير إلى بطولة لأنه انتهى بقتل فلسطيني أريق دمه على الأرض وسط صيحات الابتهاج.

لم يحدث قط أن هتف مثل هذا العدد الكبير من أجل قاتل شديد الحقارة. في سجل الجيش الإسرائيلي كثير من الأعمال الدنيئة المغلفة بعباءة البطولة: العمليات الانتقامية في سنوات الخمسينيات،وما قامت به وحدة الاغتيالات "ريمون"  في غزة، وعدوان الرصاص المصبوب، والجرف الصامد، لكن لم يحدث أن نظر إلى قاتل صغير على أنه بطل مثل بركوخفا، وميئير هر تسيون، ويوني نتنياهو، وإيهود وباراك .... وغيرهم كثير وصولا إلى أ. أ . فمن يتحدث عن بطولة الإسرائيليين !!

وهكذا وصلت العنصرية الإسرائيلية إلى قمة جديدة. عملية القتل التي وقعت في تل الرميدة في الخليل هي الحدث الأبرز، وما تلاها من ردود الأفعال لا يقل عنها بروزا. استندت العنصرية الإسرائيلية حتى الآن على غطرسة شعب الله المختار الذي يحل له كل شئ، لا مثيل لهذا الشعب، وهو يعرف أفضل من الجميع، وعلى اللعب اللا محدود لدور الضحية، وعلى التلاعب الخطير والاضطهاد، وعلى شيطنة العرب الذين لا يريدون سوى تدميرنا، وعلى إنكار إنسانيتهم، فحياتهم لا تساوي شيئا،وعلى التحريض والإنكار والقمع والأكاذيب وعلى قوة إسرائيل العسكرية المرعبة .

وعلى هذه الأسس نشأ لدينا مجتمع من المجتمعات العنصرية في العالم اليوم . وقد ارتقى هذا المجتمع درجة، أو ربما نقول مجتمع إلى الحضيض، وقد امتزج به وبفخر التعطش الواضح الخالص للدماء دون عقبات أو أقنعة .

هذه التركيبة من العنصرية والتعطش للدماء ليست مثيرة للاشمئزاز فحسب، لكنها خطيرة وقابلة للانفجار. العنصرية موجودة اليوم في كثير من المجتمعات. وهي عادة ما تكون مستترة في الوسط وتنفجر على الهامش. أما في إسرائيل فصارت العنصرية أمرا صائبا، وربما قمة الصواب السياسي، وصارت مقاومتها خيانة . لكن من المشكوك فيه أن نجد مجتمعا غربيا يلازم عنصريته مثل هذا التعطش للدماء، فالبيض يكرهون السود في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا، والأوربيون يكرهون اللاجئين، والمسيحيون يكرهون المسلمين ، ولكنها كراهية ليست بمثل هذه الرغبة والنهم للدماء. صار لصيحات " الموت للعرب" معنى فعليا مخيفا، و الجندي أ .أ هو المقاول المنفذ لها، ولذلك يهتفون له .

هذه التيارات العميقة التي سيكون من الصعب القضاء عليها، استقرت في أعماق القلوب، وهي نتيجة عقود من التحريض وغسيل الأدمغة. لا يمكن لعقوبة مشددة على الجندي أ. أ، كما يستحق، ولا لخطاب القيم الذي أرسله رئيس الأركان أن تتغلب على هذه التيارات. تجرأ قليلون على معارضتها، في حين أيدت معظم المؤسسات أو استسلمت . يكفي النظر إلى تراجع الادعاء العسكري في مواجعة الغوغاء في خارج قاعة المحاكمة، من الاشتباه في القتل إلى أن وصل إلى الاتهام بالإهمال المفضي إلى الموت، وحتى هذا الاتهام بات مشكوكا أن يوجه له . أما وسائل الإعلام التي تجيد معرفة نفسية مستهلكيها، فقد احتشدت بطبيعة الحال بابتهاج في مهمة التحريض، فهذا منتج يبيع جيدا. الصورة الآن بالنسبة للإعلام" ليست واضحة لا لبس فيها"  فمقطع الفيديو الذي يدين الجندي مثل ألف شهادة ،وما لا يحصى من الأدلة ورغم ذلك فالصورة " غير واضحة". ما الشئ غير الواضح؟

أما السياسيون الذين يؤيدون الجماهير كعادتهم، فهم صامتون أو مشلولون من خشية الجماهير. والبلطجي أفيجدور ليبرمان وذنبه شارون جال والرعاع في المحكمة العسكرية في قسطينة هم خيرة الإسرائيليين الموجودين الآن. لا أحد يستطيع إيقافهم. وأشك فيما إذا كان هناك سبب آخر لمحاولة إيقافهم ، لكنهم لن يتوقفوا عند قسطينة، فبعد العرب سيأتي دور اليساريين، والصحفيين، والقضاة ، ومن أيضا؟  انتظروا انتظروا بطل إسرائيل القادم فإنه يلمع سلاحه.

عن الكاتب

جدعون ليفي

صحفي إسرائيلي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس