ترك برس

رأى الكاتب والمحلل السياسي السعودي، مهنا الحبيل، مدير مكتب دراسات الشرق الإسلامي بإسطنبول، إن حزب العدالة والتنمية وبإسلامييه، لا يُراهن أبدًا ولا يسعى لتعميق خلافه مع الغرب ولا واشنطن، خلافا لما يظنه التعاطف الشعبي الإسلامي المستحق مع تركيا.

جاء ذلك في مقال له نشر عبر "جريدة الوطن"، تحت عنوان "أنقرة وواشنطن.. حلف الخصوم الاضطراري"، قال فيه، "لعل إعلان واشنطن استبعاد لقاء الرئيس أردوغان مع أوباما في البيت الأبيض، ثم عُقدَ اللقاء بالفعل، يُشير إلى مستوى التعقيد والفتور في علاقة واشنطن مع أنقرة بعد التطورات الإقليمية الضخمة، وتباين المواقف بينهما خاصة في إطارين مؤثرين على تركيا، الأول رهان واشنطن المستمر وقرارها الاستراتيجي المرحلي، بالتحالف مع حصان طروادة الكردي، لإنجاز مهامها، والثاني عودة طهران شريكاً إقليميا تتفاعل معه واشنطن. في حين تُشكل زاوية إصرار الرئيس أردوغان، على موقع يمثل تركيا الأمة الجديدة، محوراً يستفز واشنطن كثيراً، كما أن ما يتعرض له أوباما بعد موقف الرئيس الكوبي، وتقريع الجمهوريين له، في إذلال البيت الأبيض، قد يُشكل بعض الهاجس مع تركيا وتمرد العثماني الجديد بالنسبة للغرب".

أضاف الحبيل، "غير أن ذلك كله لم يُغيّر قواعد اللعبة الكبرى بين الغرب وتركيا، وخلافا لما يظنه التعاطف الشعبي الإسلامي المستحق مع تركيا، فإن حزب العدالة وبإسلامييه، لا يُراهن أبداً ولا يسعى لتعميق خلافه مع الغرب ولا واشنطن، ولا يوجد حماس أبداً لديهم، للاقتران مع الحالة الإسلامية كسلة سياسات تغييرية واسعة، وإن بقي التعاطف، ومفهوم الضمير الأممي المشترك".

وتابع الباحث السعودي مقاله بالقول، إن مشاريع الدعم النوعي والغوث للمسلمين والمنابر المشتركة، التي تتيحها أنقرا لإسلامييها والإسلاميين العرب، وقضايا الحرية والمضطهدين المسلمين، هي منابر حقيقية لكن لن تؤثر على مجمل السياسة العامة لتركيا، في الملف الغربي، وهذا يُفهم في قناعة انقرا، بعدم المجازفة بتعريض مشروع العدالة إلى تحدي وجودي.

بل إن فكرة الانكفاء عن الثورة السورية، واغلاق الحدود جاءت وفقا لهذه المعادلة، وهي بقاء خطوط التحالف مع الغرب، وإن اختلفت النوايا الأخلاقية، وهذا الانكفاء كان أحد عوامل تراجع فكرة تدخل لإسناد نوعي للثوار تحت مظلة ردع داعش، بالتعاون مع شريك عربي كالرياض، وربما كان من أسباب ذلك رغبة أنقرا بغطاء غربي واضح، لتغطية ظهرها، وهو ما رفضه الناتو بلغة صريحة غير مباشرة.

وعليه فإن العملية السياسية لتركيا الجديدة، منذ تنحية الجيش عن التدخل السياسي، وبدء التداول الديمقراطي والذي لا يزال تحت تجربة سياسية هشة وفق المعايير الغربية، وملهمة بناء على الواقع العربي المر، لا تزال تخوض تحدي صعب للغاية لتثبيتها.

وهنا إعلان أوباما الالتزام بأمن تركيا، يُعطي أنقرة جزءا من المعادلة، ولكنه لن يُغير الجزء الآخر، ويُعتقد أن أنقرة ترغب اليوم بتثبيت جزء من هذه المعادلة المهمة لها، وعدم اعتبارها حالة تمرد ومواجهة للغرب، كما أشار إلى ذلك أردوغان، وتحت هذا التصريح هناك شبكة علاقات واسعة لتأمين هذه المعادلة.

كما أن واشنطن وإن بدأت برنامجا جديدا مختلفا مع الساحة الكردية ويصطدم مع أنقرة، تسعى من جانبها لتثبيت هذا المفهوم، خشية من أن نقض استقرار تركيا سيؤثر على الأمن الغربي، بعد أن بعثت قضية اللاجئين رسالة لصالح تركيا مخيفة لأوروبا، ولكن دون اتفاق على تسوية الملف الكردي.

ومع بروز ظاهرة تراجع داعش وانسحابها المحتمل للعراق، والانتفاضات السورية الشعبية في مناطق الثورة، ضد جماعات الغلو المتطرفة، وتعويم المشروع الروسي مرحلياُ، فإن واشنطن وانقرا، قد يراهنان على واقع مختلف ينتهي اليه المشهد، يتيح تعاون مرحلي وجغرافي محدود، فيما سيستمر التفكير الاستراتيجي لكل منهما، مستقلا عن الآخر، وأخطر ما يقلق تركيا، مضي واشنطن في فدرالية كردية تنسق مع موسكو.

ولكن ليس في سلة أنقرة اليوم على الإطلاق، المراهنة على قوى أو دول في المشرق العربي والمسلم، لاتخاذها كبديل عن التحالف الغربي، وهو المشروع القديم لنجم الدين أربكان.

وهذا لا يعني أنه ليس في العقيدة الفكرية لإسلاميي حزب العدالة، لكنه واقعا ابعد ما يكون عن التوظيف السياسي فضلا عن رفضه شعبيا في تركيا من المعارضة، ومن قواعد للعدالة لا ترى في المشرق بديلا يحميها.

وهذا لا يمنع من أن تركيا تسعى اليوم، لإعادة تنظيم سلة من تحالفات مهمة مع المشرق العربي وخاصة علاقتها الجديدة مع الرياض، والقديمة مع الدوحة، لمصالح مشتركة فهذا واضح، ويتزامن مع محاولة تحييد طهران عن اللعبة الكردية، وهي محاولة فاشلة مرحليا، لن تقتنع بها طهران، ولكن انقرا تسعى لتخفيض التوتر معها، في حين تُعزز حلفها المشرقي الجديد عربياً.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!