محمد حامد - خاص ترك برس

تُعد زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز إلى تركيا زيارة استراتجية ومحورية ستفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين المملكة والدولة التركية، وهي الزيارة الثانية خلال 6 أشهر خاصة بعد أن شارك الملك سلمان في قمة العشرين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، أما الآن فهى زيارة رسمية تناقش الملف السوري واليمني وكيفية كبح الطموحات الإيرانية والمصالحة مع مصر وتنسيق المواقف قبل انعقاد القمة الإسلامية في الخامس عشر من الشهر الجاري والتي ستختتم بها الزيارة الرسمية.

الملف السوري

على الرغم من التوافق السعودي التركي على أن رئيس النظام السوري ليس له مستقبل في المرحلة الانتقالية وأن عليه الرحيل إما بالتفاوض أو بالسلاح، وهذا ما أكدت عليه الرياض فعليا وعمليا بإرسال طائرات حربية سعودية إلى قاعدة إنجرليك التركية  وعلى الرغم من خروج الجزء الأكبر من القوات الروسية من سوريا وإقرار هدنة هشة لدفع أطراف النزاع على التفاوض وإنهاء الأزمة يتجلى في النهاية أن مفاتيح الحل بيد روسيا وإيران اللتان تعضّدان نفوذهما في سوريا في ظل تجاهل أمريكي يراه بعض المحللين ضوءا أخضر. أما عن مفاوضات جنيف المتعاقبة لطالما نجح النظام السوري في إفشالها وإفراغها من مضمونها، وأيضا ينجح في إظهار موقف المعارضة السورية بالضعيفة دبلوماسيا وأيضا عسكريا كما أن العمليات الإرهابية تصب في صالح النظام السوري وحلفائه.

كيف تحافظ تركيا على علاقاتها بالنقيضين؟

يبدو أن الحكومة التركية في موقف لا تحسد عليه خاصة أنها ترتبط بعلاقات وثيقة اقتصادية مع طهران وعلاقات سياسية واقتصادية مع الرياض بل تريد أن تضح مزيدا من الاستثمارات في الداخل التركي أملا في تقليل الآثار المترتبة على العقوبات الروسية وانخفاض السياحة الأجنبية بشكل عام.

ومن الواضح أن الحكومة التركية تعاني من حالة حيرة سياسية كبيرة في ظل تصاعد الصراع السعودي الإيراني على الرغم من إعلان تركيا مشاركتها في التحالف الإسلامي ما يعرف بالناتو السني الذي أعلنت عنه السعودية منذ فترة، كما أن مشاركة الجيش التركي في مناورات رعد الشمال التي دعت إليها المملكة، وتعاظم خطر الإرهاب الداعشي في تركيا والذي أصبح يضرب المناطق الحيوية فيها وهو ما عانت منه المملكة من خلال تفجير عدد من المساجد خلال العام الماضي ويمثل تنظيم الدولة تهديد وتحدي مشترك للبلدين.

وتتجلى الحيرة التركية في طهران أصبحت دولة جاذبة للاستثمارات التركية ورجال الأعمال الأتراك وهم مقربون من الرئيس التركي نفسه فالورقة الاقتصادية أصبحت تغازل عيون أنقرة منذ بدء رفع العقوبات الغربية على إيران مع بداية العام وكانت زيارة رئيس الوزراء التركي داود أوغلو كانت لحث إيران على لعب دور إيجابي في الأزمة السورية وأيضا لمناقشة العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

وتسعي الدبلوماسية السعودية من خلال الزيارة الحالية إلى خلق نوع من التوافقات السياسية لتقريب المسار السياسي بين تركيا والسعودية لخلق محور لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة وذلك من خلال تقديم امتيازات استثمارية لرجال الأعمال الأتراك في ظل سعي المملكة لخلق فرص واعدة للاستثمار فيها.

المصالحة مع مصر

من القاهرة انطلق الملك سلمان بن عبد العزيز إلى أنقرة الخصم الأول للنظام الحالي في مصر والتي تسعى المملكة إلى تقريب وجهات النظر، بين الرئاسة التركية بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

وكانت الدبلوماسية السعودية تسعى إلى دخول أنقرة وبصحبتها الرئيس المصري لحضور القمة الإسلامية لتسليم رئاستها لتركيا،  وكانت ستكون أقوى صفعة توجهها السعودية لإيران المستفيدة من الخلاف المصري التركي، ولكن فيما يبدو أن قضية المصالحة لا زالت معلقة خاصة في ظل موقف متشدد من الرئيس التركي أردوغان على الرغم من وجود داخل حزب العدالة والتنمية وأصوات أخرى من حزب الشعب الجمهوري الحزب الثاني في البرلمان التركي والذي أرسل وفدا برلماني إلى القاهرة برئاسة يلماز أوزتورك نائب رئيس الحزب والتقى برلمانين مصريين من أجل تقريب وجهات النظر بين البلدين وضرورة عودة العلاقات المصرية التركية، ورغبة القاهرة في أن ترفع أنقرة يدها عن جماعة الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من تعثر المصالحة التي تقودها السعودية يعد حضور وزير الخارجية المصري سامح شكري للقمة الإسلامية أمر لافت أن مصر تمد يدها نحو تحسن العلاقات ولكن بعد تحقيق شروطها، ووزير الخارجية المصري هو أرفع مسؤول مصري يزور تركيا منذ ثلاثة أعوام، كما أن حكومة بلاده قطعت العلاقات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية أيضا.

القمة الإسلامية والتنسيق السعودي التركي

تعقد القمة الإسلامية خلال أيام بعد ثلاث سنوات من انعقادها في القاهرة وتأتي بعد عقد القمة الإسلامية الطارئة في جاكرتا الخاصة بدعم القدس الشريف، والتي أدانت التدخلات الإيرانية في المنطقة والاعتداءات على المقار الدبلوماسية في طهران ومشهد في كانون الثاني/ يناير الماضي ودعت الجمهورية الإسلامية إلى تغليب سياسة حسن الجوار، ويبدو أن القمة التي ستعقد في إسطنبول في منتصف الشهر الحالي ستيسر على غرار القمة الطارئة في إدانة إيران وحلفائها من الميلشيات الشيعية المسلحة مثل حزب الله في لبنان وجماعة الحوثي في اليمن والدعوة للحل السياسي في سوريا ومكافحة الإرهاب المنتشر في عدد من  الدول الإسلامية.

بمعنى آخر إن أجندة اهتمامات البلدين ستفرض نفسها على مؤتمر القمة الإسلامية وقد تطالب تركيا الدولة المستضيفة بإضافة بعض المقترحات على البيان الختامي مثل:

1- أن تطلب الحكومة التركية من الدول المشاركة في المؤتمر إدانة العقوبات الروسية على أنقرة والتي فرضتها موسكو في كانون الأول/ ديسمبر الماضي عقب سلاح الجو التركي لقاذفة روسية في سوريا.

2- أن تتبنى تركيا مشروع قرار بالتضامن مع دولة أذربيجان ضد الاعتداءات الأرمنية على إقليم ناجورني قره باغ المتنازع عليه بين باكو ويريفان وأيضا والاعتراف بأن الإقليم تحت الاحتلال الأرمني.

3- كما من الممكن أن تتجه المنظمة العريقة إلى تبني مقترح حول تخصيص مقعد في مجلس الأمن الدولي يمثل العالم الإسلامي كما جاء في الخطاب الأخير للرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

أخيرا، يمكن القول إن العلاقات التركية السعودية ستصل إلى أبعد نقطة من التوافق وتوحيد المسار والرؤية بين البلدين على المستوي السياسي والاقتصادي والعسكري، وذلك من أجل قيادة العالم الإسلامي بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص إلى مزيد من الاستقرار وإنهاء الصراعات في الإقليم المضطرب.

عن الكاتب

محمد حامد

باحث ماجستير في القانون الدولي والعلاقات الدولية متخصص في الشان التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس