ولاء خضير - خاص ترك برس

هل يُمكن القول إن سوريا هي من ستُحدد مستقبل العلاقات الإيرانية التركية! باعتبارها القضية الأكثر تأثيرًا بين القضايا الإقليمية الساخنة، في المقابل كيف سينجح البلدان في توحيد سياستهما، التي لطالما كانت مغايرةً وإن لم تصل حدّ المواجهة، عدا عن أن تركيا تربطها علاقات متينة بقوى إقليمية سنيّة على رأسها المملكة العربية السعودية، التي ترى بأن إيران عدوة لها!.

بوضوح ترى إيران أن نظام الأسد لن يسقط، وأن إيران وحزب الله والعراق يدعمون النظام في سوريا بحزم، وإيران مستمرة بدعم الحكومة السورية، وستعارض الذين يتحركون ضدها بكل الوسائل.

أما تركيا فقد ترسخت لديها قناعة تامة بأن الأسد غير جاد، وغير قادر على إحداث أي إصلاحات حقيقية تحتوي "الأزمة"، وبعد قطيعة دبلوماسية كاملة مع النظام السوري، ترى تركيا أن نظام الأسد "فاقد للشرعية" بإعتباره نظام قاتل لشعبه، ونادت بضرورة إسقاطه حقنًا للدماء، وإنقاذا لمستقبل سوريا، وحق الشعب السوري في اختيار قيادته، وصياغة مستقبل بلاده.

غير أن الأحداث تأخذ منحنى أخر، خصوصا بعد تعقد الوضع في سوريا، وتصاعد تهديدات التنظيمات الإرهابية المتشدّدة، إلى جانب استغلال الأكراد للوضع في سوريا والعراق، وسعيهم للتقدّم نحو تحقيق مشروع دولة مستقلّة.

فبدت إيران وتركيا كأنهما تسعيان لإعادة ترتيب أوراقهما السوريّة، وأن المصلحة القومية العُليا لكِلا الطرفين تدفعهُما لذلك، وأنهما يُمكن أن يتجاوزا سنوات "التناحر البارد" بينهما في سوريا خلال السنوات الماضية.

تركيا وإيران تدركان أن ما يفرقهما أكثر مما يجمعهما، وهما وإن تشاركتا في الهدف، إلا أنهما تختلفان في سياسة تطبيقه، فتركيا تطمح إلى أن تكون عاصمة "العالم السني"، في مقابل إيران، التي ترى في نفسها زعيمة "العالم الشيعي"، وعند وضع العلاقة بين أنقرة وطهران في إطارها التاريخي والسياسي والإستراتيجي والديني، لا يمكن اعتبار زيارة الرئيس روحاني الأخيرة للعاصمة انقرة، مجرد زيارة دبلوماسية تقليدية، بين بلدين ذي إقليميين متنافسين.

كانت الزيارة الأولى للرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العاصمة أنقرة  بتاريخ 9 حزيران/ يونيو 2014، وأعُتبرت الزيارة الدبلوماسية الرسمية الأولى لرئيس إيراني إلى تركيا منذ 1996، ووصفت حينها صحف إيرانية الزيارة بأنها "أبطلت مفعول السحر، الذي خيم على العلاقات بين البلدين"، واعتبرت صحف أخرى أن الزيارة بدأت صفحة جديدة في العلاقات "المثيرة للجدل" بين الدولتين الجارتين.

بيد أن الخلاف الاستراتيجي ما زال عميقًا بين تركيا وإيران، والتنافس بينهما كقوتان في منطقة الشرق الأوسط، كما أن التقارب الاقتصادي التجاري لم يمنع أنقرة وطهران من التصادم على المستوى السياسي، خصوصا في ما يتعلّق بالملف السوري، وبشأن العراق ومصر واليمن، حيث أن الجانبين على طرفي نقيض.

وقد توجه الرئيس الإيراني "حسن روحاني" أمس السبت إلى العاصمة التركية أنقرة، في زيارة رسمية، التقى فيها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" وعدد من المسؤولين الأتراك، تلبية لدعوة الرئيس أردوغان.

وخلال مؤتمر صحفي مشترك جمع الرئيسين في العاصمة التركية أنقرة، دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى وجوب تقديم المساعدة إلى العديد من الدول الإسلامية، لإنقاذها من أزماتها، ووقف حمام الدماء  في كل من سوريا واليمن والعراق، لافتا في هذا السياق إلى اتفاق بلاده متفقة مع تركيا حول وجوب منح شعوب المنطقة حرية اختيار قياداتهم!.

في المقابل أكد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أهمية تعاون دولته مع إيران، بهدف التغلب على "الإرهاب والطائفية".

إذ قال أردوغان: "علينا العمل معًا من أجل إيقاف إراقة الدماء والأزمات في منطقتنا، وفي طليعتها سوريا والعراق، والتغلب على مشاكل الإرهاب والطائفية اللتين تزعزعان منطقتنا، وما ينجم عنهما من أزمات إنسانية"، وأضاف أن "من مصلحة بلدينا أولًا تقليص الخلافات الفكرية، وتوطيد الأمور المشتركة، عبر تعزيز الحوار السياسي فيما بيننا، وبذلك يمكننا تقديم حلول لأزمات المنطقة من داخلها، وليس من الخارج".

وجاء ذلك المؤتمر الصحفي المشترك، في أعقاب ختام الدورة الـ13 لمؤتمر القمة الإسلامية الذي عُقد في إسطنبول، وانتهى بإدانة "استمرار دعم إيران للإرهاب" والتدخل في شؤون دول المنظمة، وما أعقبه من مقاطعة روحاني لجلسة البيان الختامي للمؤتمر!.

انسحاب الرئيس الإيراني جاءت احتجاجا على "إدراج بنود ضد إيران، والمقاومة الإسلامية في البيان الختامي لقمة إسطنبول "بضغوط سعودية".

إن دلالة انسحاب الروحاني من الجلسة الختامية في اسطنبول، وفي المقابل قبوله دعوة الرئيس اردوغان للقدوم إلى أنقرة، يظهر أنه من الخطأ تقييم العلاقات التركية -الإيرانية بالنظر إلى المشاكل الإقليمية، ووجهات نظر البلدين إلى هذه المشاكل، فإن كانت لديهم مسارات استراتيجية مختلفة، إلا أن مصالح مشتركة تجمعهم.

محللون أتراك صرحوا "أنه سيمكن حتماً حل الأزمة السورية في حال جلوس تركيا و إيران و المملكة العربية السعودية حول طاولة واحدة" ، مؤكدين على أن تركيا هي التي ستقوم بذلك، بيد أن تركيا بعلاقاتها الإقليمية، وبالذات مع دول الخليج العربي، وباقي "القوى السُنيّة"، لا تستطيع أن تجمع بين علاقة استراتيجية مع إيران وهذه الدول الإقليمية، ويبقى "مستقبل بشار الأسد" رأس حربة لا يُمكن لكِل الأطراف أن يتوافقوا عليه.

عن الكاتب

ولاء خضير

كاتبة وصحفية فلسطينية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس