صلاح عبد المقصود - هافينغتون بوست

كشفت الانتخابات الرئاسية التركية التي فاز فيها الرئيس رجب طيب أردوغان، عن شعبيته الكبيرة، ليس داخل تركيا التي ترشح لرئاسة شعبها، بل في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، الذي تبنى أردوغان قضاياه، ودافع عن المظلومين فيه، واستقبل الملايين من اللاجئين الذين فروا من القتل أو الظلم والقهر، أو التطهير العرقي، بصرف النظر عن أعراقهم أو معتقداتهم ..

لقد استقبلت تركيا خلال السنوات الأخيرة ملايين اللاجئين والأحرار، الذين لاذوا بها، ونزلوا جميعا ضيوفا عليها .. الرئيس والحكومة والشعب، فلم يجدوا منهم إلا كل حفاوة وحسن استقبال.

وتجسد فيهم وصف الأنصار مع من هاجر إليهم من سوريا، والعراق، وليبيا، ومصر، واليمن، والروهينجا، وميانيمار، وتركستان الشرقية، والشيشان، وبعض جمهوريات آسيا الوسطى، وبلدان إفريقية وغيرها .

ولم يكتف أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو باستقبال من يحتاجون إلى دعمهم ودعم الشعب التركي، بل ذهبوا حيث يوجد هؤلاء أحيانا ..

هكذا فعل أردوغان حين زار الصومال، هو وزوجته، وبرفقة عدد كبير من المسؤولين والخبراء، وقدم المساعدات لشعبها، وأعاد بناء مطار العاصمة مقديشيو، ورصف شوارعها، وزوّد كثيرا من أحيائها بالكهرباء، بل تحاول تركيا اليوم إعادة بناء جيش الصومال بتدريبها أكثر من عشرة آلاف جندي صومالي سعيا نحو إعادة الاستقرار إلى هذه الدولة التي مزقتها الحروب، وهكذا فعل داود أوغلو بزياراته إلى غزة وبورما وميانيمار وغيرها ..

ربما تكون السياسة التي اتبعها أردوغان وحزبه بعد فوزه بالسلطة في تركيا، هي التي أوصلته إلى هذه المكانه في قلوب مئات الملايين من العرب والمسلمين، وهي سياسة اعتمدت على الأفعال لا الأقوال، وعلى الصراحة لا النفاق، وعلى الانتصار للمبادئ لا السعي وراء المصالح فقط.

ظاهرياً .. قد تكون تلك السياسات قد جلبت العديد من الصعوبات لتركيا وحكومتها، ولأردوغان شخصياً..

لكن واقع الأمر يقول: إن تركيا قويت بقيادة أردوغان ومنهجه .. سياسياً واقتصادياً ، وصارت اليوم قائدا لعالمها الإسلامي، بمواقفها القوية التي تنتصر للإنسان أيا كان، وللمبادئ وإن تعارضت مع علاقاتها بالبعض.

وهذا ما دفعنا كأبناء جاليات عربية ننزل ضيوفا على تركيا الشعب والحكومة والرئيس ومعنا بعض أصدقاء تركيا وعارفي فضلها من الخارج، دفعنا لتنظيم مهرجان عالمي شعبي يحمل رسالة " شكرا تركيا" شكرا لشعبها المضياف الكريم، وشكرا لحكومتها الصادقة في مواقفها، وشكرا لرئيسها القوي الأمين.

لقد قررنا كضيوف على هذه الأرض الطيبة أن نقيم ذلك المهرجان الكبير في الفترة من 22 - 24 أبريل / نيسان الجاري، وفاء لتركيا رئيساً وحكومة وشعباً، وعرفاناً بفضلهم، وردا لبعض جميلهم، وتقديرا لمواقفهم الإسلامية الثابتة من قضايا أمتنا وعلى رأسها قضية فلسطين، والقدس والأقصى، ووقوفهم إلى جانب المظلومين بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم .. في رسالة واضحة لتركيا وقادتها أنهم مع الإنسان ومع السلام في كل مكان .

ولعله من حسن الطالع أن تأتي هذه التظاهرة الكبيرة بعد أسبوع واحد من تسلم أردوغان لرئاسة الدورة الثالثة عشر لمنظمة التعاون الإسلامي، تلك المنظمة التي تداعى العرب والمسلمون في مختلف أنحاء العالم إلى تأسيسها في أعقاب إحراق الصهاينة للمسجد الأقصى المبارك في عام 1969 . 
ويحدونا الأمل أن تسهم تركيا برئاستها للمنظمة في تطوير أدائها، وتغيير أسلوب عملها إلى الأفضل.

مواقف لا ينساها العرب

لن ينسى العرب والمسلمون، وبل أحرار العالم الذين ينتصرون لقيم الحق والعدل مواقف تركيا وقادتها، وهي كثيرة في عهد أردوغان وحزبه العدالة والتنمية..

لن ننسى موقف أردوغان مع الرئيس الصهيوني شيمون بيريز في قمة دافوس الاقتصادية، في التاسع والعشرين من يناير عام 2009، وبعد العدوان الاسرائيلي على غزة بأيام، وقوله له:

سيد بيريز .. أنت تحدثت بصوت عال جدا، واعلم جيداً أن ارتفاع صوتك بهذا الشكل هو تعبير عن نفسية متهم.
اعلم هذا جيدا .. عندما نأتي للحديث عن القتل، أنتم تعرفون القتل جيدا .

وأنا أعلم جيدا كيف قتلتم الأطفال على شواطئ غزة.
وأضاف قائلا: في اسرائيل إثنان من رؤساء حكوماتكم قالوا لي واحدا من أهم التصريحات وهو: عندما ندخل على ظهر دباباتنا إلى الأراضي الفلسطينية نشعر بسعادة غريبة ...
عندكم رؤساء حكومات يقولون هذا الكلام، وأنا أستطيع أن أعطيكم أسماء هؤلاء .. لا تقلقوا ..
وأنا ألوم الذين صفقوا لهذا الظلم .. لأن التصفيق لقتلة الأطفال وقتلة البشر هو جريمة إنسانية أخرى . ..
في هذا المكان لا نستطيع إخفاء الحقيقة.
التوراة تقول : لا تقتل، وأنتم تقتلون 
وعندما لم يأخذ الرئيس أردوغان فرصته في الرد فضح إدارة المؤتمر قائلا لهم : بالنسبة لي انتهى دافوس .. لن أعود إلى دافوس مرة أخرى، إعلموا هذا جيدا .. أنتم لا تفسحون لي المجال للحديث ..
بيريز تحدث لخمسة وعشرين دقيقة ، وسمحتم لي بالحديث اثنتي عشرة دقيقة فقط، وهذا لا يجوز.

يومها قارن العرب والمسلمون بين موقف أردوغان، وموقف بقية زعماء الأمة، ومنهم عمرو موسى أمين الجامعة العربية آنذاك، والذي كان يجلس على نفس المنصة على يسار بيريز !!

****

لن ننسى موقف تركيا من غزة وشعب فلسطين، ففي الوقت الذي أعلنت فيه وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني قرار الحرب على غزة من القاهرة، أثناء مؤتمرها الصحفي مع وزير خارجية مبارك - أمين الجامعة العربية الحالي - أحمد أبو الغيط متفرجاً، بل يظهر بعدها مهددا الفلسطينيين الذين يحاولون اللجوء إلى مصر هربا من القصف الإسرائيلي ليقول: إذا عبر أحد الفلسطينيين حدود مصر سنكسر رجله !

هل تقارن مثل هذه المواقف الانهزامية المتواطئة مع أعداء الأمة بمواقف تركيا، التي قادت أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، وسقط تسعة من نشطائها برصاص الاحتلال الإسرائيلي شهداء، واختلطت دماؤهم الذكية مع دماء أشقائهم في غزة.

هل تقارن مواقف المتواطئين الجبناء، الذين هددوا بكسر أرجل من يلجأ إليهم من الفلسطينيين، بموقف تركيا التي فتحت أبوابها لملايين اللاجئين من السوريين والعراقيين والفلسطينيين والليبيين والمصريين واليمنيين وغيرهم ..

ألم يستقبل الأتراك - شعبا وحكومة ورئيسا - هؤلاء اللاجئين واعتبروهم ضيوفا مهاجرين إليهم، وهم الأنصار، وقدموا لهم ما استطاعوا من الرعاية والإكرام ..

ألم يستقبل أردوغان عددا من أحرار فلسطين الذين خرجوا من سجون الاحتلال في صفقة وفاء الأحرار، ومنحهم جوازات سفر تركية، وأهدى إليهم بيوتا يسكنونها بين إخوانهم الأتراك ؟!

هل ننسى مواقف تركيا من ثورات الربيع العربي؟ وقد كانت أول المؤيدين لحقوق الشعوب المقهورة في الحرية والكرامة والعيش الكريم ..

لقد كان أردوغان أول زعيم يهنئ بنجاح الثورة التونسية، 
وكان أول زعيم في العالم يدعو مبارك للتجاوب مع نداء الثوارله بالرحيل، وذكّره بمصير كل حاكم - وإن طال به الأجل - هو قبر مساحته متر في مترين حسب تعبيره.
وهل ننسى موقفه من بشار الأسد، وقد كان صديقه المقرب من بين حكام العرب، لكنه لما قتل شعبه وقف منه الموقف الذي رأيناه انتصارا للحق والمبدأ ؟!

لن ننسى لتركيا حرصها على تقوية الروابط وتطوير العلاقات مع الدول العربية والإسلامية،

وأنا شخصياً لن أنسى زيارة أحمد داود أوغلو رئيس الحكومة الحالي، ووزير الخارجية في حكومة أردوغان، عندما قدم لزيارة الرئيس مرسي بعد فوزه كأول رئيس مدني يحكم مصر في عصرها الحديث ...

يومها قدم أوغلو لمرسي ورقة بيضاء وطلب منه أن يكتب ما يريده من الشقيقة تركيا في لفتة رائعة من أشقاء أوفياء للشعب المصري!
لن أنسى عندما كنت وزيرا في حكومة الرئيس مرسي حرص تركيا الشديد على بناء شراكة استراتيجية مع مصر ..
لن أنسى أن الرئيسين مرسي وأردوغان حرصا كل الحرص على التعاون من أجل النهوض ببلديهما، والتعاون في كل المجالات التي تعود بالخير على الشعبين المصري والتركي.

ولن أنسى لتركيا حرصها الشديد على مساعدة مصر في مشروعات التنمية، ووضع كل إمكاناتها للتعاون المشترك بين البلدين .

ونفس الموقف فعلته تركيا بإخلاص مع كثير من الدول العربية والإسلامية والإفريقية، بعد أن اختطت لنفسها سياسة خارجية جديدة، رسم معالمها رجب أردوغان كمؤسس لحزب العدالة والتنمية، وداود أوغلو كمهندس للسياسة الخارجية التركية الحديثة، ورئيس الحكومة الحالي، والذي أوضح أسس هذه السياسة في كتابه الهام : "العمق الاستراتيجي" حيث أكّد على حقيقة كون تركيا الوريث التاريخي لآخر كيان جامع للأمة، جيوسياسياً، وجيوثقافياً، وجيواقتصادياً، وأن واجبها أن تعتمد مقاربة استراتيجية تمكنها من تجاوز التمزق الجيوسياسي، والجيوثقافي، والجيواقتصادي.

وأن عليها أن تتمكن من الإحاطة بالمنطقة بوصفها ( كلا متكاملا )، كما يجب عليها تطبيق هذه المقاربة على مراحل ومرونة تكتيكية كافية.. 
وقد رأى أوغلو -وهو محق- أن مثل هذه المقاربة لن تسهم في تعظيم الدور التركي في المنطقة، بل ستمكن تركيا أيضاً من القيام بدور لا يمكن إغفاله في التوازنات الدولية والإقليمية .

وهذا ما نراه اليوم من وضوح السياسة الخارجية التركية مع عمقها الاستراتيجي الإسلامي والعربي والإفريقي. وثبات مواقفها تجاه قضايا الأمة وعلى رأسها اليوم الوقوف ضد الثورات المضادة لتطلعات وطموحات شعوبنا، ضد الانقلاب العسكري في مصر، والحوثي في اليمن، والحفتري في ليبيا ..
ضد جرائم القتل والتهجير التي يرتكبها النظام السوري مع شعبه ..
ضد الانتهاكات التي ترتكب بحق الإنسان في أماكن مختلفة من العالم .

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس