عبير النحاس - خاص ترك برس

كنت أعتقد أنها حالة واحدة تلك التي عاينتها بداية، وعشت تفاصيلها هنا في تركيا. وأصابتني بالذهول كونها تعري قلة وعينا لمحنتنا، ثم تيبن لي أنها الأولى التي أسمع بها أنا فقط.

كان الشاب السوري يطلب من والدته أن تبحث له عن عروس بمواصفات حددها مسبقا، تحكي جميعها عن الشكل الخارجي، ومستوى التعليم، فقد كان صاحبنا واعيا لأن الوضع هنا  يتطلب عمل الزوجين معا.

وبدأت بعدها الحالات تتوارد أمامي ورأيت الكثير منها، وطُلب مني أن أساعد في البحث عن عروس سورية لرجال عرب، وسوريين، وحتى أتراك، بمواصفات معينة، وكنت أتهرب غالبا.

العجيب في الأمر أن تلك المحنة لم تغير شيئا من موروثنا في طريقة البحث عن نصفنا الآخر، وأن كل قصص المأساة السورية التي جعلت الزوجة في مكان القيادة غالبا - لغياب الأب في الجبهات أو المعتقلات، أو حتى الإصابة والعجز والمرض- لم تضف إلى قائمة مواصفات العروس المطلوبة شيئا اسمه "قوة الشخصية و القدرة على قيادة الدفة أو العقل والوعي".

وما زال الرجل السوري في كثير من الأحيان يجهد نفسه في البحث عن جميلة غبية، لا تكشف ضعفه أو قلة ذكائه وحيلته أحيانا، وتمنحه دون مناقشة لقب "تاج راسي"، وحبذا لو أطربت سمعه بألفاظها الموسيقية تقول فيها "تئبرني... وتكفني... وتشكل آسي...  وتطلع على قبري".

للمشكلة هنا شقين، أولها هو طريقة البحث المزرية، والتي تذكرني بمراكز التسوق، وتلك المعايير التي نبحث عنها عند شرائنا ما نحتاجه، فهل يكفي الرجل ليسعد ويحب أن تكون عروسه طويلة مثلا، أو ذات شعر أشقر، وماذا لو تساقط شعرها لمرض، وكيف أضمن أن الحب يأتي بعد الزواج.

لست طبعا ممن يؤيدون فكرة إقامة العلاقات قبل الزواج وهناك ألف طريقة وطريقة للتعارف بعيدا عن الإساءة والأذى وغضب الله، ولكن لا بد منها لتكون واثقا من أن هذا الشريك يعجبك، وتمتحن أخلاقه وتصرفاته وطباعه، ولا نتركها كبطيخة، ثم نضيع حياتنا، وسعادتنا، ومتانة البيوت، ودفئها.

ومن ينسى أن هذه الطريقة في الزواج هي سبب كل تلك القصص المؤلمة التي كانت تملأ بيوتنا الباردة والخالية من العاطفة والرومانسية، والتي هي بالأساس نتيجة زواج الصالونات العجيب، والمواصفات الحمقاء التي يشترطها العريس، والتي لا تتحدث إلا عن الشكل الخارجي والمستوى الاجتماعي والمادي، وربما العلمي في بعض الأحيان، دون الالتفات للعاطفة أو الخلق أو طريقة العيش والطباع، ثم تكون الكارثة، و تكون معها علاجات مجتمعاتنا الغبية كالعادة، في تخويف الأنثى من الطلاق والفراق، وإجبارها على الصبر بحجة ضياع الأولاد أما ضياع حياتها هي فلا بأس ولا مشكلة، فهي أنثى على كل حال، وتستطيع الصبر، ولا تهم أحدا.

وأما الشق الثاني فهو ما مر معنا كسوريين في ثورتنا من محن، جعلت النساء مكان الكثير من الرجال في قيادة العائلة والإنفاق عليها، وما أكثر الفجائع التي حدثت وتحدث لمن لم تكن تملك القدرة على هذا ولم تتأقلم ولم تتعلم.

محنتنا التي لا بد أن ننتبه لها و أن نهيئ لها أنفسنا عندما نبني أسرتنا، وأن نعرف أن زوجة قوية تحبها ستمتعك بمشاعر الحب الجميلة، وستشعرك بأمان حفظها لعائلتك فيما لو غيبك عنها سفر أو مرض أو غيره مما يغيب السوريين عن عائلاتهم، وأن زوجة جميلة وغبية ستطربك إلى حين بألفاظ استعبادها ثم ستلقي بأحمالها - في غيابك أو ضعفك أو حتى عجزك المحتمل وأنت معها - على أقرب يد تمتد إليها ولو أصابها منها الهوان لها ولعائلتها.

فهل نتعظ؟

وهل نغير مفاهيمنا المتوارثة في معايير اختيارنا لشريكتنا و نصفنا الآخر، وهل نبحث عن الحبيبة، والقوية والمتفهمة والعاقلة، بدلا من الجميلة والساذجة والغبية.

وهل نرضى أن يكتشف ضعفنا وبشريتنا لزوجة عاقلة قوية محبة، فنرتاح وتهدأ أعصابنا، بدلا من الكفاح القاتل والمرير لحفظ عرش لا يسمن ولا يغني ولا يسعد ولا يريح.

أم نحافظ على موروثنا في الاختيار، ونحافظ على موروثنا في تلك النظرة للرجل وكأنه المارد القادر على كل شيء القابض على زمام الأمور دون معارضة، فتجده مرهقا متعبا في التحايل لتغطية ضعفه ونقصه، بل وكارها لهذا العبء والحمل الذي لا يكاد يطاق.

عن الكاتب

عبير النحاس

كاتبة وروائية سورية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس