محمد زاهد جول - خاص ترك برس

في ردة فعل أولية على قرار البرلمان الأوروبي بتأجيل رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك في نطاق دول الاتحاد الأوروبي الشنغن، علقت الحكومة التركية قرار إعادة قبول اللاجئين غير الشرعيين المتفق عليه مع الاتحاد الأوروبي بتاريخ 5 حزيران/ يونيو 2016، وذلك لعدم التوصّل إلى نتائج فيما يخص مباحثات إلغاء التأشيرة عن المواطنين الاتراك في الصورة الأولى، ولكن لا يمكن استبعاد تأثير تصويت برلمان الاتحاد الألماني على توصية باعتبار أحداث عام 1915 كأحداث إبادة جماعية للأرمن من الدولة العثمانية على القرار التركي الأخير، لأن المواقف الأوروبية في الأصل وداخل االبرلمان الأوروبي تخضع أكثر شيء للمواقف الألمانية التي تعتبر أكثر المعارضين لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي منذ سنوات، وهي أي ألمانيا هي التي تطرح فكرة استبدال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي باتفاقيات خاصة بين تركيا وأوروبا.

المفوضية الأوروبية لم تكن تتوقع القرار التركي بتعليق الاتفاق، لأنها كانت قد أعلنت بداية الأسبوع الماضي أن قرار إعادة قبول اللاجئين سيدخل حيز التنفيذ في مطلع شهر حزيران/ يونيو، ولكن تركيا كانت قد أعلنت أن عدم التزام الاتحاد الأوروبي ببنود  الاتفاق التركي الأوروبي، سيؤدي إلى عدم التزامها بالاتفاق، وهو ما لم تتتوقعه المفوضية الأوروبية، وهذا التعامل بالمثل سياسة تدل على ثبات الموقف التركي، وإن عدم أخذ التحذيرات التركية من المفوضية الأوروبية هو دلالة استهانة بالتحذيرات التركية، ودليل على أن الأوروبيين لا يزالون يعانون من نظرة الاستعلاء في تعاملهم مع الأتراك، إن لم تكن نظرة العقوبة للأتراك على ما يتخذونه من مواقف سياسية واقتصادية استقلالية عن الأوروبيين والأمريكيين، فقرار البرلمان الألماني الأخير ضد تركيا في المسألة الأرمنية هو دليل رغبة بالانتقام من تركيا، وليست محبة بالأرمن ولا بغيرهم، فتوقيت القرار الألماني واضح انه يأتي في ظل المواقف التركية الحازمة ضد الاستهانة بتحذيراتها ومواقفها، أو الاستخفاف بقادتها وتاريخها، فالأوروبيين والأمريكان لا يرضيهم انتقاد تركيا لازدواجية المعايير فيما يتعلق بقضايا المسلمين في العالم، وبالأخص عدم تحمل الأوروبيين والأمريكان مسؤولياتهم الإنسانية والسياسية والدولية نحو الشعب السوري والعراق واليمني وغيرها، بل وعدم وقوفهم إلى جانب تركيا في محاربتها للإرهابيين الذين يعتدون على الشعب التركي في السنة الماضية.

يقول الأوروبيون: "إنهم تفهموا القرار التركي بتعليق إعادة اللاجئين"، لأن الاتفاق يقضي بذلك، بأن يتم تطبيق القرارين معًا في بداية شهر حزيران، ولذلك فإن رفع وتيرة الخلاف مع تركيا باستغلال المسألة الأرمنية سيؤدي إلى رفع وتير اتهام الألمان والأوروبيين بالمجازر التي ارتكبوها بحق شعوب العالم أيضًا، فالتاريخ الألماني والأوروبي مليىء بالمجازر والإبادات الجماعية قديما وحديثا.

إن الرئيس التركي أردوغان علق على قرار البرلمان الألماني مخاطبًا الأوروبيين والألمان قائلا: "قمنا بالرجوع إلى أرشيفنا وماضينا، تعالوا وارجعوا أنتم أيضا، وعلى أساسه فلنقرر، يوجد بين أيدينا الملايين من الوثائق، ولكنكم لا تستطيعون ذلك، لأننا إن قمنا بفتح ملفاتكم لوجدتم أنها جميعها مخجلة"، وقال: "قمنا باستضافة الفارين من الإبادة الجماعية في ألمانيا إبان الحرب العالمية الثانية، بينما نجد أن أفرادا من عصابات الكيان الموازي فروا إلى ألمانيا وغيرها من الدول الغربية، ويكملون حياتهم هناك، نحن لا يوجد في ماضينا ما يستدعي الخجل، نحن لا نقبل التهم الموجهة إلينا فيما يخص الإبادة الجماعية"، وقال: "إن جباهنا بيضاء فيما لو قمنا بمحاسبة ماضينا ومراجعته، ولكن ماذا لو قمنا بمراجعة جرائم الدول الغربية، كيف ستكون الأمور؟ إن شهداء روم قبرص ما زالوا في البلاد، ومن الممكن أن نستمع إلى ما فعله الأرمن في مقاطعة قره باغ الأذرية"، وقال: "في تركيا ما يقارب 100 ألف أرمني، بعضهم حاصل على الجنسية التركية، لو كنا كما تزعمون، فلماذا نحتفظ بالأرمن في بلادنا؟ لو كنا كما تدعون لكنا أرسلناهم إلى أرمينيا كما فعلت أوروبا، لقد سئمنا الأعباء التي تعمل أوروبا على تحميلنا إياها".

هذا الرد الحازم من الرئيس التركي يدل على أن الدولة التركية تأخذ القرار الألماني وهو في مرحلة التوصية البرلمانية، على محمل الجد والخطر، وسبب ذلك أن المواد المتعلقة في القرار البرلماني الألماني توصي أيضا في أحد موادها أن يتم تضمين هذه التوصية من البرلمان الاتحادي الألماني في المناهج الدراسية في الولايات الألمانية الأربعة عشر، ومع العلم بأن هذه التوصية تحتاج إلى موافقة برلمانات وحكومات الولايات الألمانية قبل إقرارها، ولكن ذلك قد يكون ممكنا ما لم يتم مقاومة هذه التوصية سياسيا على مستوى الحكومة التركية وهو ما تقوم به فعلًا، وما لم يتم مقاومة هذه التوصية داخل ألمانيا من قبل الجالية التركية التي تقدر بأربعة ملايين تركي، يتركزون في المدن الألمانية الكبرى مثل برلين وهامبورغ وميونخ وغيرها، مما يضع مسؤوليات كبرى على الأتراك في ألمانيا ليس بهدف الدفاع عن الدولة التركية فقط، وإنما بسبب ما يمكن أن يحدثه هذا القرار البرلماني الألماني من موجات حقد وكراهية وعداء داخل ألمانيا بين الأتراك والمسلمين وأبنائهم وأطفالهم في المدارس الألمانية من جهة مع أبناء الشعب الألماني من جهة أخرى، أي أن الأتراك والمسلمين في ألمانيا مطالبون بأن يواجهوا هذه التوصية البرلمانية بكل إمكانياتهم وفي كل الولايات الألمانية التي يتواجدون فيها، فالقرار الألماني ما كان له أن يتم لولا فعل اللوبي الصهيوني اليهودي في البرلمان الألماني وفي البرلمان الأوروبي أيضًا.

إن اليهود في أوروبا قد صنعوا لهم برلمانا خاصًا داخل البرلمان الأوروبي، يتكون من مائة وعشرين (120) نائبا من داخل البرلمان الأوروبي، ويعقدون اجتماعاتهم السياسية باسم البرلمان اليهودي الأوروبي، ويؤيدون المواقف الخاصة باليهود والإسرائيليين في أوروبا وخارجها، وهذا متاح لكل أبناء الأديان والقوميات الأخرى في أوروبا، ولكن اليهود هم وحدهم الذي يفعلون ذلك، بينما المسلمون هم أحوج إلى هذا البرلمان الإسلامي داخل البرلمان الأوروبي، للدفاع عن قضايا المسلمين في أوروبا في العالم أجمع.

إن مسؤولية مواجهة القرار الظالم والكاذب ضد الدولة العثمانية الصادر عن البرلمان الألماني لا يتوقف على الجالية التركية في ألمانيا فقط، بل يتوجب على كل المسلمين والصادقين والأحرار رفضه ومقاومته ومنع تفعيله داخل ألمانيا وخارجها أيضًا، فالأحداث تتحدث عما وقع عام 1915 وفي ذلك الوقت كانت معظم الدول العربية والكثير من القوميات الإسلامية جزءًا من الدولة العثمانية، وبالتالي فإن شعوب هذه القوميات تتحمل جزءا من المسؤولية الدينية والتاريخية في رد الأكاذيب التي تطال الدولة العثمانية في تلك المرحلة، فهي قبل شيء دولة كان يستظل في حماها ملايين الأتراك والعرب والكرد والشركس والأرمن واللاز والأذريين وغيرهم، وقرار البرلمان الألماني لا يستعدي الأتراك فقط، وإنما كل الشعوب العثمانية، ظلما وكذبا وزورًا، وسوف ينعكس أثره على أبناء هذه القوميات رضوا بذلك أو رفضوه، ومن واجب أبناء القوميات العثمانية في ذلك التاريخ أن ترفض ما ينسب إليها كذبا وزورا وجورا، وذلك بسعيهم داخل ألمانيا أولًا لمنع إقرار هذه التوصية في البرلمانات والحكومات في الأقاليم الألمانية الداخلية، ومنع تكرار صدور قرارات أو توصيات مشابهة في البرلمانات الأوروبية الأخرى ثانيا.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس