** تأتي هذه المقالة في سياق نقل ردود الفعل الإسرائيلية على الاتفاق الأخير

يسرائيل هرئيل - صحيفة هآرتس - ترجمة وتحرير ترك برس

ليس عبثا أن التأييد المبدئي للصفقة المليئة بالإخفاقات والتساؤلات مع تركيا - التي يطلق عليها بلغة التضاد اتفاق المصالحة الاستراتيجي - جاءت من الأوساط الكارهة لبنيامين نتنياهو كراهية مرضية. نعم، فعندما يمنح الرئيس التركي مطالبه كلها تقريبا، فإن هذا دليل على الشجاعة السياسية والجرأة الرسمية. ومثلما حدث خلال عملية الخضوع السابقة والتنازل في قضية الجندي الأسير جلعاد شاليط، حظي نتنياهو بدعم إعلامي كبير مكافأة له على إمّعيته وامتثاله التي يمدحونها للحظة، للحظة واحدة فقط، ويرغبون أن يسير في إمعيته ( ليس مع الأتراك فحسب). وعندما تبرر الغاية الوسيلة، يجوز له التوقيع على الاتفاق، ويأتي به بعد ذلك فقط لكي يصدق عليه مجلس الوزاراء المصغر. وهكذا تسير الأمور في الدول المتقدمة.

وماذا عن الكرامة الوطنية؟ يقولون لنا إن المصلحة الاستراتيجية يجب أن ترتقي فوق المشاعر، وترتقي بالتأكيد فوق الإحساس المتوهم القديم المسمى "الكرامة الوطنية". هل عفا الزمن حقا على هذه الكرامة ذات الدلالات الإثنية الشوفينية؟ قبل أسبوع فقط أثبت الإنجليز العكس، فقد قرروا في استفتاء شعبي أن  الكرامة الوطنية لا يضاهيها أي ثمن اقتصادي مهما كان ثقيلا.

عندما يضع نتنياهو المصالح الاقتصادية فوق المشاعر الوطنية، فإن منتقديه على استعداد، مثله تماما، لتجاهل الواقع. وهكذا سارت الأمور على سبيل المثال في القضية الرئيسة، أي الاعتبار الاقتصادي الاستراتيجي وهو تصدير الغاز لتركيا. اتضح أن تركيا لم تتعهد بشراء الغاز من إسرائيل، وإذا لم يكن ذك كافيا، ففي اليوم نفسه الذي وقع فيه على الاتفاق معنا اعتذر رجب طيب أردوغان لفلاديمير بوتين، ومهد الطريق لإعادة تطبيع العلاقات مع القوة العظمى المجاورة، وهي للمصادفة مصدر عملاق للغاز. وعندما يتعلق الأمر بالمصالح، فإن أردوغان يحتاج إلى بوتين أكثر بكثير من حاجته لنتنياهو. ومن المرجح بالتالي أن روسيا - وليست إسرائيل - ستكون في نهاية الأمر المورد الرئيس للغاز لتركيا.

يسمح أردوغان لحماس بالاحتفاظ بمقر لها في تركيا، وهو يفعل ذلك لأنه يكره إسرائيل، وحماس ملتزمة، بحسب ميثاقها، بتدمير الدولة اليهودية. وحتى في هذا البند من الاتفاق تنازلت إسرائيل عن إبعاد حماس من تركيا. وهذا إنجاز آخر ضمن الإنجازات الاستراتيجية للصفقة.

كما تنازلت إسرائيل عن إعادة الأبناء القتلى والمختطفين، بينما تعهد أفيغدور ليبرمان صاحب شعار" الالتزام بالكلمة" بإطلاق سراحهم بعد 48 ساعة من تعيينه وزيرا للدفاع. وهدد ليبرمان بأنه إن لم يمتثل إسماعيل هنية لهذا الإنذار الأخير، فسيدفع حياته ثمنا. كما أن نتنياهو الذي أعلن على جميع منصات العالم أنه لا يجوز دفع فدية للإرهاب، فقد بدا في قضية السفينة مافي مرمرة - مثل سابقتها قضية جلعاد شاليط - شخصا ليس محل ثقة، يسهل الضغط عليه، ومستعد لدفع أي ثمن مقابل بقائه في السلطة.

وحتى في الوقت الحالي وبعد غضب عائلات الجنود المختطفين والرأي العام من الإخفاق في إعادة الأبناء، فإن نتنياهو سيعود إلى الفشل من جديد، لكن الثمن في هذه المرة سيكون مضاعفا: الثمن الأول الباهظ دفعه نتنياهو بالفعل مقابل "المصالحة" مع تركيا، والثمن الثاني سيدفعه في المستقبل بإطلاق سراح المخربين. نتنياهو هو من وضع هذا النموذج بإطلاق سراح 1027 مخربا من بينهم مئات القتلة في مقابل مختطف واحد. أما الآن حين تحتجز حماس مختطفين اثنين وجثتين، فإن الثمن، على الأرجح، سيكون أعلى من ذلك بكثير، وسيكون نتنياهو هو من يدفعه كاملا.

عن الكاتب

يسرائيل هرئيل

كاتب في صحيفة هآرتس


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس