إبراهيم كالين - ديلي صباح- ترجمة وتحرير ترك برس

أخذت تركيا خطوتين مهمتين هذا الأسبوع لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وروسيا. هذا التطور المهم ستكون له نتائج ذات شأن على السياسة الخارجية التركية، والسلام والاستقرار الإقليمي، ذلك أن هذا التطور لديه القدرة على المساعدة في حل المشكلتين الفلسطينية والسورية اللتين طال أمدهما، فضلا عن مكافحة إرهاب داعش وحزب العمال الكردستاني.

بعد مفاوضات طويلة امتدت ما يقرب من ست سنوات وقع المسؤولون الإسرائيليون والأتراك على اتفاق لتطبيع العلاقات بين البلدين في التاسع والعشرين من يونيو حزيران 2016 . بالنسبة إلى تركيا، فإن الاتفاق يلبي الشرطين الثاني والثالث من شروطها، أي دفع تعوضات لعائلات من قتلوا خلال الهجوم الإسرائيلي على السفينة مافي مرمرة، وتخفيف الحصار عن قطاع غزة. وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، قدم اعتذارا لتركيا في 2013 خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء، آنذاك، رجب طيب أردوغان، وبحضور الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

يفتح اتفاق التطبيع فصلا جديدا في مجالين مهمين لهما ثقل كبير من الناحية الجيوسياسية، هما العلاقات التركية الإسرائيلية، والوضع في غزة. وقد اتفق الجانبان على بدء عملية تبادل السفراء،وإعادة العلاقات الاقتصادية والسياحية. لذلك فإننا سنشهد بعض الحراك الجديد في العلاقات الثنائية.

لكن الوضع الجديد المحتمل في غزة يأتي على نفس القدر من الأهمية، حيث سيسمح الاتفاق لتركيا بإرسال مساعدات إنسانية ومدنية ( أي المواد الغذائية والمستلزمات الطبية إلى آخره) . وعلى أرض الواقع فإن سفينة المساعدات الأولى في طريقها بالفعل إلى ميناء أسدود لتسلم إلى أهالي غزة بمناسبة عيد الفطر نيابة عن الشعب التركي.

وبالإضافة إلى ذلك ترى تركيا في الاتفاق فرصة كبيرة، ولديها ضمانات من الجانب الإسرائيلي لتحسين الظروف المعيشية في غزة. وسوف يبدأ ذلك بزيادة كمية الكهرباء والمياه المقدمة يوميا إلى أهالي القطاع. كان نقص الكهرباء والماء مشكلة كبيرة في غزة تؤثر في جميع مناحي الحياة من الصحة إلى الزراعة. وسيسافر فريق من الخبراء التقنيين الأتراك إلى غزة لدراسة البنية التحتية الحالية  للمياه والكهرباء بحيث سيبدا العمل فيهما قريبا. وسوف تستكمل تركيا أيضا المشروعات الممتدة مثل مستشفى غزة وبناء مساكن لمن دمرت منازلهم خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة.

ومن المؤمل أن يرى أهالي غزة نتائج ملموسة للاتفاق التركي الإسرائيلي في حياتهم اليومية. إن تركيا على استعداد للقيام بذلك، كما يولي المسؤولون الإسرائيليون أهمية لذلك الأمر. أما على الجانب السياسي فسوف تواصل تركيا دعم حقوق الشعب الفلسطيني في الحصول على دولة مستقلة، وإنهاء الاحتلال الذي كان السبب الوحيد والأكبر للحرب والصراع والمعاناة. وستواصل تركيا علاقاتها مع جميع الفصائل الفلسطينية، وستستمر في  دعمها للفلسطينيين جميعا في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومن خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل ستكون لدى تركيا فرصة أكبر للمساهمة في عملية السلام، ومنع توترات لا طائل منها، ووقف الخسائر في الأرواح. وهذا ينطبق أيضا على الوضع بالغ الحرج والحساسية في داخل المسجد الأقصى وحوله.

كان الخبر الرئيس الثاني هذا الأسبوع تطبيع العلاقات مع روسيا . جاء الأمر مفاجأة لكثيرين، لكن العمل كان مستمرا لعدة أشهر للتغلب على الأزمة منذ إسقاط الطائرة الروسية في نوفمير تشرين الثاني 2005 . وقد لعبت دبلوماسية الباب الخلفي دورا فعالا، وبعث الرئيس أردوغان رسالة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين عبر فيها عن حزنه وأسفه لمقتل الطيار الروسي. أخذ الرئيسان خطوة شجاعة لتطبيع العلاقات بين البلدين الرئيسيين في المنطقة.

بعد إسقاط الطائرة الروسية تبنت تركيا نهجا إيجابيا للمصالحة، وقد استجاب له الرئيس بوتين بتحرك سريع لرفع جميع العقوبات الاقتصادية والسياحية عن تركيا، وهو خبر سار احتفل به رجال الأعمال والمواطنون في كلا البلدين.

وإلى جانب الاقتصاد، فإن النتيجة الرئيسة لفتح صفحة جديدة في العلاقات التركية الروسية ستكون حول مستقبل الحرب السورية ومكافحة الإرهاب. في اتصال هاتفي في 29 يونيو حزيران اتفق الرئيسان أردوغان وبوتين على العمل سويا في القضيتين، ووجهها فريقيهما لمتابعة الأمر. وهذا تطور مهم ستكون له نتائج كبيرة على الوضع المتدهور في سوريا، حيث لم يصمد اتفاق وقف إطلاق النار، ويرفض النظام إجراء مباحثات حول عملية الانتقال السياسي، وهما العنصران الرئيسيان لمباحثات فيينا التي ترعاها الأمم المتحدة. موقف تركيا من الحرب السورية ومن بشار الأسد معروف جيدا، واستئناف الجهود التركية الروسية سيجعل من الممكن احتواء الموقف في سوريا. كما سيساعد ذلك تركيا في مكافحة إرهاب داعش القادم من الاراضي السورية بشكل أكثر فاعلية .

ليس من قبيل المصادفة أن الهجوم الإرهابي على مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول حدث بعد يوم واحد من الإعلان عن الاتفاق مع إسرائيل وروسيا. تعارض داعش بالتأكيد الاتفاقيتين، وتعتبر تركيا هدفا استراتيجيا لها. ستواصل تركيا اتخاذ تدابير حازمة ضد هذا التنظيم الإرهابي، وستواصل تنسيق جهودها مع الولايات المتحدة، ومع روسيا في الوقت الراهن.

جاء تحرك تركيا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وروسيا في الوقت المناسب، واستند على مبادئ المصالح المتبادلة، والاحترام، والتعاون الإقليمي، والسلام، والأمن. وبالنظر إلى الوضع المؤلم في الشرق الأوسط وحول العالم فقد كانت هناك حاجة بالتأكيد لهذا المتنفس لمعالجة عدد من القضايا العاجلة والملحة. 

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس