كارل فالانسي - جريدة ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

كان مساء معتادا يوم الجمعة. كنت في حفل زفاف صديق مقرب في بيكوز بالجانب الأسيوي من إسطنبول. أرسل لي صديق رسالة بأن هناك هجوما على قصر بيلرباي حيث يقع المجمع الرئاسي الذي يستخدمه الرئيس رجب طيب أردوغان مكتبا له، وكنت على مسافة قريبة جدا منه.

كان الجنود قد أغلقوا الطرق، ونزعوا أسلحة الشرطة، وطلبوا من الجميع العودة إلى منازلهم، وأعلنوا عن تطبيق الأحكام العرفية، كان هذا أول خبر سمعته، فقررت أن أغادر الحفل في ساعة مبكرة، ثمة شيء سيء  يحدث.

الوقت عطلة نهاية الأسبوع، لكن كانت هناك حركة غير عادية على الطرق، بحسب نظام تحديد المواقع كان هناك ازدحاما مروريا في اتجاه الجسرين الرابطين بين الجانبين الأسيوي والأوربي من إسطنبول، كنت أحاول الوصول إلى منزلي بأسرع ما يمكن، حيث إن هناك شيئا غير مألوف لم أستطع أن أسميه.

اخترنا السير من طريق الغابات، وهو طريق أطول من الطريق السريع وخلال السير بدأت تتدفق الأخبار من وسائل التواصل الاجتماعي، والرسائل من الأصدقاء، وأفراد الأسرة.

بدت الأمور كلها سريالية، أغلق رجال الدرك جسر البوسفور من اتجاه واحد، انتشرت صورة لفتى بين العاشرة والخامسة عشرة من عمره يقف أمام دبابة في وسط الجسر.

ماذا كان يحدث؟ كان الجميع يلحون على أن أعود إلى المنزل من أجل سلامتى، كنا نحاول، ونقود السيارة عبر الطرق المظلمة.

كان الراديو يبث بعض المواد القديمة القيمة من سنوات التسعينات عدت إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت لسنوات مصدرنا الرئيس للأخبار

 كانت هنام كثير من المعلومات المتدفقة، لا نعرف أيها صحيح، وكل خبر يصيب بالرعب: طائرات إف 16 تحلق هلى ارتفاع منخفض في أنقرة، الجنرال خلوصي هاكار احتجز رهينة ، وقتل حارسه الشخصي، أغلق الجسران، وصارا تحت سيطرة الجيش، أغلق المجال الجوي التركي أمام الرحلات الجوية، اختطفت طائرة. ما الذي كان يحدث؟ لم يكن لدى أحد فكرة عما يحدث، فقد كان الجميع في صدمة كاملة. تركيا لديها تاريخ طويل من الانقلابات العسكرية، وعانت من نتائجها، وهذا لا ينبغي أن يحدث الآن.

وأخيرا بدأت المحطات الإذاعية الإخبارية في بث تقارير، لكنها لم تكن تعرف أيضا الكثير  وبينما كنا نحاول أن نفهم ما يحدث بدأت تتدفق نظريات المؤامرة هل كان الحدث كله مسرحية؟ يميل المجتمع التركي إلى نظريات المؤامرة، أما الحقيقة المجردة في بعض الأحيان فليست كافية. والأسوأ من ذلك هل يمكن أن يكون هذا انقلاب عسكري حقيقي؟ ألم تتعلم تركيا بالفعل من تاريخها الملئ بالانقلابات الناجحة والفاشلة ومن نتائجها؟

أغلقت الجسور على وجه اليقين. أحد أصدقائي كان مسافرا مع عائلته من إسطنبول إلى الأناضول علق في الطريق. توقفت أيضا الحركة الجوية. صديقة أخرى كانت تنتظر في الطائرة لا تدري ماذا تفعل. سألتنا هل ينبغي أن تبقى في الطائرة أو تغادرها، إذ أن مضيافت الطائرة لا يستطعن أن يقدمن لها الصورة كاملة. انتظرت في النهاية، واقلعت الطائرة بعد تأخير لبضع ساعات، لكن شقيقها علق في الفوضى في شوارع إسطنبول. أطلق الرصاص على ركبته ولم يتمكن من أن يجد سيارة إسعاف. وسيجري عملية جراحية اليوم.

وأخيرا بدأت تتدفق بعض المعلومات الدقيقة كان أصدقائي يشاركون على مواقع التواصل الاجتماعي أخبارا من الولايات المتحدة. كانوا يشاهدون محاولة الانقلاب في بث حي في التليفزيون. لكن الانترنت كان بطيئا جدا في ذلك الوقت. قررنا الذهاب إلى ميناء بوستانجي لنستقل باخرة، بما أن الجسور قد أغللقت.

أعلن رئيس الوزراء، بن علي يلدرم، في التليفزيون أن مجموعة من داخل الجيش جاولت قلب نظام الحكم، مؤكدا أن الحكومة المنتخبة من الشعب ستبقى في مهمتها حتى يقول الناس إنهم يريدون تغييرها. وأضاف أن جميع قوات الأمن دعيت للقيام بما هو ضروري. وصفت بعض الصحف المحاولة بأنها من صنيعة " جنود الكيان الموازي" وهو الاسم الذي يطلق على أنصار الداعية المقيم في الولايات المتحدة فتح الله جولن. ومع ذلك فإن الهيئة المرتبطة بجولن " التحالق من أجل القيم المشتركة"  أدانت الانقلاب، وقالت إنها تؤيد السلام والديمقراطية.

وفي الوقت نفسه اقتحمت محطة تي آر تي  التليفزيونية التي تديرها الدولة، وصدر بيان عسكري من مجموعة تسمي نفسها " مجلس السلام التركي" التي بدات تذيع البيان في محطة تي آر تي ومحطات أخرى. وقالت المجموعة في بيانها إن القوات المسلحة قد سيطرت على البلاد لحماية النظام الديمقراطي، والحفاظ على حقوق الإنسان إلى جانب حماية الهوية العلمانية. وأظهرت بعض اللقطات دبابات عسكرية أمام مطار إسطنبول الدولي، الرئيس في المدينة  الذي كان مسرحا لهجوم إرهابي قاتل .

كان الرئيس، رجب طيب أردوغان، في مساء ذلك اليوم يقضي عطلة نهاية الأسبوع في الساحل الجنوبي لتركيا. اتسخدم تطبيق فيستايم للاتصال بقناة سي إن إن تورك، وحث مؤيديه على النزول إلى الشوارع لرفض محاولة الانقلاب. وكانت عودته إلى إسطنبول في وقت مبكر من صباح السبت دلالة واضحة على فشل الانقلاب. وأعلن أردوغان أن أقلية داخل القوات المسلحة ممن شاركوا في محاولة الانقلاب ستدفع ثمنا باهظا للخيانة.

وأخيرا وصلت إلى الحي الذي أقيم فيه قبل منتصف الليل. طابور طويل أمام محطات الوقود. الشائعات بأن البنوك ستغلق أبوابها لبضعة أيام أجبرت الناس على التوجه إلى الصراف الآلي. كانت هناك طوابير طويلة، وكان الجميع في حالة من الذعر. لا أحد يفهم بالضبط ماذا يحدث. عدت إلى المنزل وبدأت في مشاهدة التلفزيون وقراءة الأخبار. وبينما كنا نحاول فهم المغزى من قصف البرلمان في أنقرة، كنت أخشى أننا يمكن أن نتجه إلى حرب أهلية.

في مساء يوم الجمعة كان الجميع يقظين في الشوارع أو في المنازل يخافون من النتائج المحتملة. ومع ذلك فإن هناك شيئا واحد أكيدا سوف يؤثر على تركيا لفترة طويلة. 

عن الكاتب

كارل فالانسي

كاتبة في صحيفة شالوم الناطقة باسم الطائفة اليهودية في تركيا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس