طاهر سعود - خاص ترك برس 

أكد الأتراك بإفشالهم محاولة الانقلاب العسكري في بلادهم قبل أيام الحقيقة النهائية التي اختبرتها البشرية منذ زمن بعيد جدًا؛ والمتمثلة في أن إرادة الشعب هي القوة التي لا يمكن لأي قوة أخرى أن تقهرها، والشعب هو دومًا المنتصر على كل متطاول على سيادته.

فقد اظهر الشعب التركي بمختلف أطيافه السياسية والقومية بطولة نادرة في مواجهته للانقلابيين، وإفشال مؤامرتهم. كما جسّدت أحزاب المعارضة المختلفة نضجًا سياسيًا ووطنية عالية، وقدمت مثالًا رائعًا في التضامن والأخوة من خلال وقوفها بقوة وحزم إلى جانب الحزب الحاكم بالتصدي لمحاولة الانقلاب العسكري، وحماية النظام الديمقراطي في البلاد.

وبدا الانقلابيون منبوذين تمامًا من كافة فئات المجتمع التركي بلا استثناء.

وتعاطى معهم الجميع باعتبارهم أعداء للأمة التركية، وخونة يخدمون مخططات جهات خارجية تريد إيقاف مسيرة التنمية والتقدم في تركيا.

فالنجاحات الاقتصادية والسياسية المبهرة التي تحققت في تركيا خلال السنوات الأخيرة قد أثارت حسد العديد من القوى الإقليمية والدولية؛ كإيران وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية.

ورغم أن الأخيرة هي (حليف) استراتيجي لأنقرة؛ إلا أنها تجد في الأتراك عقبة كأداء يعيقون تحقيق مشروعها الجديد في منطقة الشرق الأوسط؛ والهادف إلى تقسيم بعض دولها كسورية والعراق، وإقامة دويلات قومية ومذهبية فيها. والطبيعي أن يقاوم الأتراك هذا المشروع التخريبي حماية لأمنهم القومي واستقرار بلادهم. وقد فشل الأمريكيون خلال السنوات الأخيرة الماضية في توريط تركيا بالعديد من الأزمات الداخلية، والصراعات الخارجية.. وهو ما جعل واشنطن تقدم بدافع الإفلاس إلى ممارسة لعبتها التقليدية القذرة؛ المتمثلة بسلاح الانقلابات العسكرية، وتفعيلها هذه المرة ضد تركيا.

وحاولت تكرار ما فعلته في مصر من انقلاب الجيش على الحكومة الديمقراطية والرئيس المنتخب ثانية في تركيا، والإطاحة بالرئيس أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية. حيث أن الكثير من قرائن الإثبات المتوفرة تؤكد ضلوع الأمريكيين بمحاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، وبأن وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري قد قدم إلى موسكو، ليس لبحث الأزمة السورية كما أشيع؛ وإنما للإشراف منها على إدارة الانقلاب العسكري في تركيا، والذي وصفه هو شخصيًا بعد إفشاله بأنه لم يكن جيد الإعداد والتنفيذ؟!!

وسارع إلى نفي أي صلة لبلاده به، من دون توجيه اتهام رسمي لواشنطن من أنقرة بذلك. ويضاف هذا النفي الاستباقي إلى شواهد تأكيد عديدة أخرى تفضح حقيقة تورط السلطات الأمريكية رسميًا بتلك المؤامرة.

إن (المافيوزي) فتح الله غولن، المتهم من قبل الحكومة التركية بالوقوف خلف محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة؛ هو أداة يستخدمها الأمريكيون اليوم في محاولة إدخال تركيا إلى الفوضى، وتحييدها بأزماتها الداخلية عما يجري في محيطها الإقليمي؛ كي يتاح تمرير مؤامرة تقسيم المنطقة، وإقامة دويلتين كردية وعلوية على حدودها الجنوبية، تشكلان مصدر خطر وتهديد دائمين لها.

لا شك في أن ما حدث في تركيا خلال الأيام الأخيرة، ليس مجرد محاولة انقلاب عسكري ضد الحكومة الشرعية قامت بها شرذمة مغامرة داخل الجيش؛ وإنما هي مؤامرة غربية (أطلسية) كبيرة، يفضح صنّاعها ردّ فعلهم الخائب تجاهها. فالقادة والمسؤولون الغربيون، الذين وإن كانوا لا يستطيعون عدم إدانة العملية؛ فإن إدانتهم لها جاءت فاترة ومتأخرة. كما عمدوا في ذات الوقت إلى ممارسة ضغوطات قوية ومتواصلة ضد حكومة حزب العدالة والتنمية، في محاولة منهم لحماية المتورطين بالمؤامرة، تحت ذريعة ضرورة احترام السلطات التركية لمعايير القانون وحقوق الإنسان في تعاملها معهم.

وبأن ما جرى لا يعطي الرئيس أردوغان شيكًا على بياض ليفعل ما يشاء داخل بلاده، على حد قول وزير خارجية فرنسا. وفي قراءة قول الوزير الفرنسي هذا ما ينمّ عن الكثير من الغيظ والحنق بفشل المؤامرة.

والملفت جدًا أن بعض الأنظمة العربية لم تخف تأييدها العلني للانقلابيين في تركيا؛ كالنظام المصري والإماراتي والسوري فالسلطات المصرية عرقلت بإيعاز من واشنطن
إصدار بيان في مجلس الأمن الدولي يدين محاولة الانقلاب العسكري في تركيا؟!!

وحشد الإعلام المصري طاقاته من أجل دعم المتآمرين والترويج لهم عبر بث الأخبار الكاذبة عما كان يحدث في تركيا، والزّعم بنجاح الانقلاب. وكذلك فعل الشيء ذاته إعلام النظام السوري، وقناة (سكاي نيوز عربي) المملوكة لسلطات أبو ظبي، وقناة (العربية) السعودية.

رغم أن الموقف السعودي الرسمي المعلن كان داعماً للحكومة التركية في مواجهتها لمحاولة الانقلاب الفاشلة. أما النظام السوري فقد أظهر قدراً مقززاً من الشماتة بما جرى في تركيا.

واحتفل أنصاره بهستيرية في مناطق سيطرته بدمشق والساحل، إذ أنه ومع اللحظات الأولى لإعلان نبأ وقوع محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، سارع أتباع الأسد لإطلاق أطنان من الرصاص في الهواء ابتهاجًا بالحدث، واستخدموا كميات هائلة من المفرقعات والألعاب النارية، كانت زوّدتهم بها مسبقاً أجهزة أمن النظام؛ وكأن الأخير كان على علم بالعملية قبل حصولها؟!

لكن بالمقابل كان هنالك مواقف مشرفة لكل من المغرب وقطر والسودان. تلك الدول العربية رفضت بشدة محاولة الانقلاب العسكري ضد الحكومة التركية، وكانت من أوائل الدول التي أدانت بوضوح تلك المؤامرة، وهو ما عكسته بجلاء لا لبس فيه تصريحات مسؤوليها، ووسائل إعلامها الرسمي. وهذا الموقف الذي اتخذته الدول الثلاث ينسجم تمامًا مع إرادة الشعوب العربية التي عبّرت في شوارع العديد من الدول العربية عن تضامنها القوي مع الشعب والقيادة في تركيا بمواجهة محاولة الانقلاب الفاشلة. إذ أن تلك الشعوب العربية بغالبيتها الساحقة تجد بالتجربة الديمقراطية التركية نموذجًا مثاليًا تسعى لتطبيقه في بلدانها، وتنظر للرئيس أردوغان باعتباره بطلها. وهذا يغيظ كثيرًا بعض القوى الإقليمية والدولية، التي تتآمر اليوم على تركيا، وتسعى لإسقاط تجربتها الرائدة.

واقع الأمر أن الأمريكيين وحلفائهم الأوربيون، ومعهم الروس والإيرانيون يسعون بكل الوسائل والسبل الممكنة للتخلص من الرئيس أردوغان؛ كي يسهل عليهم تنفيذ مؤامرتهم بتقسيم المنطقة، وتفتيت تركيا في وقت لاحق؛ بعد إغراقها بالفوضى والصراعات الداخلية. لكن يبدو بأنه قد سقط من حسابات أقوياء المجتمع الدولي أولئك حقيقة أن قوة أردوغان مستمدة من دعم شعبه له، وهذا الشعب هو الذي أفشل موحدًا مؤامرة الانقلاب العسكري، وبالتأكيد لديه القدرة على تقديم الكثير من القادة أمثال رجب طيب أردوغان؛ فهل بمقدورهم هم القضاء على الشعب التركي بأكمله؛ كي ينجزوا مشروعهم الشيطاني في المنطقة.

عن الكاتب

طاهر سعود

رسام كاريكاتور وكاتب سياسي سوري


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس