عبد القادر زينو - خاص ترك برس

هَدَفَ المؤلف من هذا الكتاب كسر الصورة النمطية المرسومة عن السلاطين العثمانيين بأنّهم المجاهدون الأشاوس في ساحات الوغى فحسب، أو بأنَّ من يقف في حضرتهم فهو يرتجف فَرَقًا، فأراد إبراز الجوانب الإنسانيّة والاجتماعيّة والأدبيّة والتعبديّة في شخصياتهم يقول:

"ألا يهمسون بآذانكم بأنَّ لهم وجوهًا أخرى مخبوءة محرَّمة غير تلك التي تُقدَّم بشكلٍ باهت في كتب التاريخ [ومن هذه الصور المخبوءة] كصورة الفاتح الذي يُطَعِّم أشجار الورد في حديقته، وسليم الجبار الذي يَصْهُر الذَّهب ويصوغُه كالتطريز، وسليم الثاني الذي يصنع عكاكيز للحجاج مُخففًا عن نفسه عدم استطاعته الذهاب إلى الأرض المقدّسة!"(1).

فتناولَ الكتابُ حيواتَ 36 سلطانًا وخليفةً واحدًا (أي بسلطة دينية فقط حسب اصطلاح المؤلف) علمًا أنّ هذا الفصلَ والتفريق فاسدٌ فالخليفة في الإسلام يتمتع بالسلطة الدينية والدنيويّة معًا، فهو يتناول جوانب حيوات هؤلاء السلاطين واهتماماتهم بتعلّم اللغات واهتماماتهم الفنيّة والأدبيّة والعسكريّة وحتى الفكريّة فسنجد أنّ بعضهم انتمى إلى الطرق الصوفية وواحدًا منهم اعتنق عقيدة "وحدة الوجود" الفاسدة، فيصف مصطفى أرمغان عادات السلاطين الطعام والشرّاب والتدريب على استخدام مختلف الأسلحة الحربية ومهارتهم وتفوّقهم في استخدامها.

والمفهوم من الكتاب أنَّ ما دُرِسَ وبُحِثَ من التاريخ العثماني أقلّ من ما لم يُدرس.

ومما يؤخذ على المؤلف تشابهُ المعلومات في كل سلطان وإعادتها، فقد كان يمكنُه أن يذكرَ اهتمامات السلاطين العامّة في أول الكتاب دونَ تكرار.

فلا يخفى على أحدٍ أهميّةَ وعظيمَ أثر الخلافة العثمانيّة على المسلمين:

"لو لم تدخل دورة التاريخ قوةٌ وحّدت العالم الإسلاميّ ، ورفعت رايةَ الإسلام كالدولة العثمانية في الوقت المناسب ، لكان من المحتمل أن يعيشَ هذا العالمُ الذل والتجزئةَ التي عاشها 1918م ولكن قبل فترة طويلةٍ ، أي في القرنين الخامس والسادس عشر"(2).

والرائعُ في سلاطين بني عثمان أنَّ كثيرًا منهم كان يأكلُ من عملِ يده، فعمل السلطان غازي عثمان بالرعي واقتتات على عائدات الأنعام من حليبٍ وألبانٍ وجبنٍ حتّى إن تَرِكَتَهُ عند موتَه كانت بضعَ دوابٍ وأثوابٍ وأداواتٍ بيتيةٍ بسيطة(3).

وكذلك وَلَعُ السلطان عبد الحميد الثاني بالنِجَارة قبل توليّه الخلافةَ ويُقال أنّه لو استمرّ في عمل التحفِ الخشبية الإبداعية من تصميمه الخاص لجمَعَ ثروةً كبيرةً.

فمن اهتمامات السلاطين الأدبيّةِ اهتمامهم بالشعر ومن ذلك قصيدةٌ للسلطان غازي عثمان يقول فيها:

"ابنِي مدينةً وسوقًا جديدةً بموادّ بناءٍ من القلب

اعمل ما تريد ولكن لا تظلم فلّاحًا

انظر إلى المدينة القديمة الجديدة إنيغول فهي قائمةٌ دائمًا

اهدم بورصة التي كسرتُ فيها الكفّار وابنها من جديد

اغد ذئبًا واقصد قطيعًا، وكن أسدًا ولا تتقهقر

افعل شيئًا وكن جنديًّا، وحاصر مضيقَ اللسان

لا تستخفّ بمدينة إزنيك، ولا تتدفق كنهر صقاريا

خذ إزنيك ولا تبالِ، ابنِ سورًا لكل برجٍ فيها

أنت عثمان بن أرطغرل من سلالة الأُغُوظ وقراخان

أكمل حقك، وافتح اسلامبول، واجعلها حديقةَ ورد"(4).

أمّا المقدام غازي أورخان فقد كان شديد اللباقة وكريمًا بشكل خاصٍ مع الفاتحين والفانين والفقراء وكان يحبُّ حفظةَ القرآن وخصص لهم رواتبَ تُسمى بالعثمانيّة أُلفة(5).

ومن مآثر السلاطين العثمانيين أنّ ثلاثةً من السلاطين العشرة الأوائل قضَوا أثناء الحملات العسكرية، وهم مراد الأول، والفاتح، والقانوني، ولكن على الرغم من أنّ الأخيرَين أسلما الروح أثناء الحملة، إلا أنهما لم يكونا على تماس مع العدو ، ويُحتَمل أن تكونَ وفاةُ السلطان الفاتح خلال حملته ضد المماليك ناتجة عن مضاعفات إصابته بالنقرس(6).

بل إنَّ بعضَهم – وهو عبد الحميد الأوّل – ماتَ قهرًا – وأصيبَ بالجلطةِ بعد تلقّيه خبرَ مقتل خمسةٍ وعشرينَ ألفًا من الجنود المسلمين في معركة القرم واحتلال هذه الأرض مِن قِبل روسيّة!!!(7).

أمّا بيازيد الصاعقة فقد أنشأ مؤسسةَ الصيد في القصر العثمانيّ التي استمرّت طويلًا ، وحاول فتح إسطنبول مرتين، ولكنّهم هُزِمَ من قبل تيمورلنك ووقع بين يديه أسيرًا في أنقرة عامَ 1402م.

أما السلطان محمد الأول فقد كان مهتمًا بالمكتبات وقد زاره المؤرخ العربيّ الشهير ابن عربشاه، "ولكثرةِ هوسه بعمل الخير كان يأمر بطهي الطعام من ماله الخاص مساءَ كلِّ جمعةٍ، ويوزِّعه بنفسه على الفقراء"(8).

ولنتفكّر قليلًا في وصيّة مراد الثاني التي طلب فيها: "ألا تُسدَّدَ نفقات دفنه من خزينة الدولة"، و"بيع خاتميه الياقوتي والألماسي أو رهنهما إذا لم يُباعا لتسديد نفقات الجنازة، وطلبَ أن يكونَ سقف القبر مكشوفًا لكي يهطل المطر - رحمة الله - فوقه(9).

أما السلطان المحبوب محمد الفاتح فقد كان يعمل بالأحجار الكريمة وصناعة خواتم الرماة ويهتم بالقراءة وقرأ عن روما وباباواتها، كما اهتمّ بأعمال البستنة والحدائق والرياضةِ والشطرنج.

أما السلطان بيازيد الثاني فهناك شبه إجماع على أنّه أكثر السلاطين العثمانيين تديّنًا، حتّى قيل أنّه لم يضيّع صلاةَ سنّةٍ قطُّ(10).

أما السلطان سليم الجبار فقد اعتنق عقيدةَ وحدةِ الوجود الفاسدة، وأحبَّ القراءةَ حتّى ضعف بصره(11).

كما عُرفَ عن السلاطين العثمانيين اهتمامُهم بأرض الحجاز المقدسة فقد أرسل السلطان سليمان القانوني منبرين من الرُّخام يُعدّان قطعتين فنّيتين إلى الحرم الشريف وضريح سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأضافَ مئذنتين جديدتين للحرم الشريف، وأعادَ بناءَ بيتِ سيدتنا آمنة حيث ولد الرسول، وجرّ عينَ زبيدةَ إلى مكّة، ودفعَ من أجل ذلك مئةَ ألف ذهبيّة، وأنشأت زوجتُه حُرّم مكانًا لإطعام الفقراء(12).

وأمّا سليم الثاني سليم الأصفر فقد كان يحفر أهلّةً على العكاكيز ويشعرُ بالسعادة من إهدائها بواسطة رجاله إلى الحجاج ليتّكئوا عليها ، ولعلّه يجدُ بهذا سلوانًا لعدم ذهابه إلى الحجّ(13).

أمّا السلطان عثمان الثاني -1622م فقَد أطلق عليه أنصار تركيا الفتاة في 1908م أنّه عثمان الفتى وعدّوه ملهمًا لهم بعدَ أنْ إعلان المشروطية في هذا التاريخ ويصوّرنه على أنّه إصلاحيّ ثوريّ، وعلى الرغم من وجود جانب حقيقي في هذه الصورة، لكنّ وثائق عهده لا تثبتُ صحّة الإدعاء القومي التركي بأنّه "أراد أن يذهبَ إلى الأناضول، ويشكّل جيشًا جديدًا من الأتراك، ويعيد فتح إسطنبول، ويكسر هيمنة الانكشاريّين والمحولّين دينيًا "فهذا غير صحيح، لقد كان عازمًا على تشكيل جيشٍ جديدٍ من التركمان والعرب والأكراد، ومع الأسف جزء "العرب والأكراد" ما زال محظورًا في عقليّة التاريخ القوميّ لدينا(14)(يقصدُ القوميين الأتراك).

أمّا أحمد الثالث فقد كان ماهرًا بالتسديد بالبندقية وتروي الكتبُ أنّه أصابَ دينارًا ذهبيًّا في مركزه من بعدِ خمسٍ وثمانين خطوةً.

هكذا كانت حياة هؤلاء السلاطين بين علم وأدب وفنون وجهاد وخُطَب وفي بعض الأحيان ضعفٌ ولعب، وهنا أستذكر قول الشاعر علي باكثير عندما زار إسطنبول في عام 1969م مُتأثّرًا بإنجازات العثمانيين ومآثرهم:

وكَمْ بالأسِتَانَـةَ مـِنْ مَعَـانٍ             أثارتْ في حَنَايايَ الشُّجُونَـا 

معانٍ ليـس تَعْدِلُهَـا مَعـانٍ             تُفَجِّرُ فِي الفُؤادِ هُدًى مبينـَا 

مآثرُ مِن بنيْ عثمانَ شـادتْ          مِنَ الدينِ الحنيفِ بِها حُصونَا 

تزيدُ الكافرينَ أسًى وغيظـًا          إذا نظروا وترضي المُؤمنينَا 

جوامعُ مشمخـراتٌ حسـانٌ           خوالدُ مـن بنـاءِ الخالدينَـا 

تراها من بعيـدٍ كالرواسـي           فإن دوّين أقْـرَرْنَ العيونـَا 

بفـنٍ عبـقـريّ مستـمـدٍ                من الإسلام يَهدي الحائرينَـا 

كأن قبابَها خُـوذاتِ صُلـبٍ           لَمَعْنَ على رُؤوسِ مجاهدينَا 

ومَن ينظر مآذنْهـا يجدْهَـا            رِماحًا في صدورُ الكافرينـَا


المصادر:

(1) ص9

(2) ص11

(3) ص12

(4) ص15-16

(5) ص19

(6) ص23

(7) ص 154-155

(8) ص 34

(9) ص 39

(10) ص52

(11) ص59

(12) ص73

(13) ص79

(14) ص 102

عن الكاتب

عبد القادر زينو

طالب ماجستير لغة عربية جامعة آيدن


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس