محمود الرنتيسي - خاص ترك برس

بالرغم من أن تسليط الضوء كان على جماعة فتح الله غولن التي تصنف على أنها منظمة ارهابية في تركيا كمنفذ رئيس للمحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا والتي نفذت ليلة 16 تموز/ يوليو الحالي في خطوة استباقية لما ذكر من وجود شكوك لدى جهاز المخابرات التركي حولها، إلا أن هناك قناعات لدى بعض الأوساط التركية أن هناك جهات دولية تقف خلف هذه المحاولة الفاشلة أو قامت باعطائها الضوء الأخضر خاصة مع وجود جنرالات ينسقون مع الناتو وتلقوا تدريبات في الولايات المتحدة.

ويرى بعض الأتراك أن هناك تحركات دولية كانت تعمل على تحضير وتهيئة الأرضية المناسبة للانقلاب في الفترة الماضية من خلال تكثيف التصريحات التحريضية ضد تركيا بأنها تدعم داعش وتشتري النفط منها وتقوم بتوفير السلاح والعلاج والمرور لمقاتليها، كما ترافقت هذه التصريحات مع التحريض على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واتهامه بالديكتاتورية والتسلط وقيادة البلد نحو حكم الفرد، وتحديدا في الإعلام الغربي والأمريكي الذي لم يخل أيضا من التحريض على الانقلاب بشكل جلي وواضح.

ومع قدوم الأخبار الأولية للمحاولة الانقلابية لم يكن هناك موقف حاسم للدول الغربية الصديقة لتركيا يقوم على إعلان دعم الحكومة الشرعية المنتخبة من الشعب بل كان هناك صمت رسمي قد سماه البعض بالصمت الاستراتيجي، حتى تصريح وزير الخارجية الأمريكي كان يتحدث عن الاستقرار في تركيا وليس عن دعم الحكومة الشرعية "الحليفة".

أما في الأمم المتحدة فقد أوردت تقارير أن مصر التي توترت علاقاتها مع تركيا منذ عدة سنوات قامت بعرقلة صدور بيان من الأمم المتحدة، وكان البيان سيحتوي 3 بنود أولها يتضمن إعراب المجلس عن قلقه تجاه الأوضاع والثاني يصرح بإدانة العنف والثالث والأهم وهو دعوة جميع الأطراف لاحترام الحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا وضبط النفس وتجنب العنف وهو ما رفضته مصر مقترحة احترام مبادئ الديمقراطية والقانون.

بعد ذلك أعلنت ويكليكس أنها ستنشر آلاف الوثائق المسربة للحكومة التركية وحزب العدالة في تصرف بدا هادفا لخلط الأوراق في الساحة والعمل على إرباك الحكومة في مواجهتها للانقلابيين.

من جهة أخرى لوحت دول أوروبية بأنها لن تسمح نهائيا لتركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي في حال طبق حكم الإعدام في تركيا في خطوة من الواضح أن الهدف منها منع تثبيت حكم العدالة والتنمية لا الخوف على حياة الانقلابيين. كما كان موقف بعض وسائل الإعلام الغربية مثل فايننشال تايمز ونيويورك تايمز التي شبهت الشعب التركي بالخراف والأخرى التي ادعت أن 1 من 3 من الأتراك يعتقد أن أردوغان قد افتعل الانقلاب ولا أدري كيف قاموا بهذه الحسابات.

كما أثيرت زوبعة حول تطبيق تركيا لحالة الطوارئ ولمدة محددة وكان واضحا أن رد الفعل الغربي على إعلان حالة الطوارئ في فرنسا بعد تعرضها لسلسلة هجمات في باريس مختلفا تماما عن التعامل مع تركيا إذ بدا إعلان حالة الطوارئ في فرنسا أمرا متفهما بينما تم تعريفه بأنه طريق إلى التسلط والديكتاتورية في تركيا.

لقد كان الرد الأقوى دوليا من الشعوب المظلومة في المنطقة سواء السوريين والفلسطينيين وغيرهم أما رسميا فقد كان لبعض الدول مثل قطر وأذربيجان والصومال مواقف سريعة منددة بالانقلاب ثم تلتها الكثير من الدول، لكن هناك شكوك تجاه بعض الدول التي تأخرت وأعلنت موقفها بعد تأكدها من فشل الانقلاب.

لقد وجهت تركيا رسائل واضحة اللهجة لحلفائها الذين لم يقفوا موقفا حاسما معها، ومع واشنطن بدأت بوادر أزمة فيما يتعلق بتسليم فتح الله غولن، ولكن هذه الأزمة لن تؤثر بشكل حاسم على مسار العلاقات في حال لبت واشنطن بعض طلبات تركيا في سوريا وهو ما قد يجعل واشنطن تفكر أن تسليم جولان قد يكون الخيار الأفضل لها.

بالتأكيد لن يكون ما بعد 16 يوليو مثل ما قبله وعلى مستوى السياسة التركية فإن عملية وضع قيادات جديدة تحت اشراف ومعايير الحكومة سيجعل الحكومة أكثر ثقة على اخذ قراراتها والتصلب خلف مواقفها مما سيجعلها تقيم كافة علاقاتها وسياساتها قبل الانقلاب الفاشل، وسيعتمد قرب هذا التغيير على مدى سرعة وفعالية الاجراءات التي ستقوم بها الحكومة التركية.

عن الكاتب

محمود الرنتيسي

باحث فلسطيني في مجال العلاقات الدولية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس