محمد زيدان - خاص ترك برس 

في زمن الحروب والفتن شتان بين من يقاتل من أجل الحق ومن يقاتل من أجل الباطل في زمن الحروب طوبى لمن يدافع عن مظلوم وينتشله من ظلمه وسحقًا وتعسًا لمن ينصر الظالم والجلاد ويتركه يتمادى في غيّه وتجبّره.

منذ انطلاقة الثورة السورية والعالم الفاجر بأسره يدعم الأسد ونظامه بمختلف أنواع الدعم سواء في المجال السياسي أو العسكري أو الاقتصادي لقتل أبناء سورية، بينما أبناء الشعب السوري فإن  دعمهم الوحيد من الله جلّ في علاه ومن فتات ما تجود به بعض الدول بعد أخذ الأذن الأمريكي .

ولما كان كلا الطرفين يحتاج إلى دعم قل أم كثر، وهذا الدعم مرتبط بجهات خارجية فقد ذهب كل طرف على استحداث أنواع جديدة من الأسلحة تكون مجدية من جهة وتكلفتها بخسة من جهة آخرى، ولكن شتان بين من يصنع أسلحة لدمار الناس وقتلهم ومن يصنعها ليرد ظلم الظالم وبغي الباغي، فنظام الأسد استحدث سلاح البراميل المتفجرة وهي عبارة عن أسطوانات من الحديد يضع بداخلها ما يشاء من القطع الحديدية والمواد المتفجرة ثم يرميها على الشعب الأعزل فيقتل ما يقتل ويجرح ما يجرح وكانت حقيقة سلاح مجدي وفعال في تدمير الحجر وقتل وتهجير البشر.

وقد كان أول استخدام لهذه البراميل في مدينة سلقين إحدى مدن إدلب في تشرين الأول من عام 2012 مما أدى إلى استشهاد عدد كبير من الرجال والنساء والأطفال، ولأول مرة يشعر الناس بخوف مضاعف نظرًا للقوة التدميرية الكبيرة والعشوائية في القتل ففي بداية الثورة كانت المروحيات تحلق على علو منخفض فيسهل عليها إصابة أهدفها من قطع ومقرات عسكرية أم بعد أن اغتنم الثوار مضادات أرضية أصبحت هذه المروحيات تحلق على علو شاهق وترمي بقذائفها بدون بصر ولا بصيرة مما أدى إلى سقوط آلاف الأبرياء، والمضحك المبكي في الأمر أن مجزرة سلقين أو مجزرة البراميل المتفجرة لم نسمع أي إدانة من المجتمع المتحضر إلا بعد عام ونصف عندما أصدر مجلس الأمن في شباط/ فبراير 2014 من خلال قراره 2139 إدانة استخدام البراميل المتفجرة.

ونظرًا لجزم العالم بأن هذه البراميل قيمتها العسكرية صفر وإنما صنعت لقتل الناس انبرت الكثير من منظمات المجتمع المدني بإدانة هذا لا بل عده جرائم حرب، ولكن هيهات ثم هيهات فالنظام المجرم الذي أخذ يناطح أكبر منظمة عالمية - منظمة الأمم المتحدة - ويرفض دخول المساعدات الإنسانية للمدن المحاصرة حري به أن يناطح منظمات أقل شأن من الأمم المتحدة أمثال منظمة العمل ضد العنف المسلح والشبكة السورية لحقوق الإنسان ومنظمة هيومن راتس وتش.

وبالطرف المقابل فقد انبرى الثوار لإيجاد حلول مناسبة لتفادي الموت المحتمل من جراء قصف الأسد الهمجي ونزولًا عند مقولة الحاجة أم الاختراع فقد أبدى الثوار مهارة فائقة في تطبيق هذه المقولة وهذا ما تجلى في معركتهم الأخيرة في كسر الحصار عن حلب حيث لجأ الثوار إلى استخدام إطارات السيارات المستعملة (الدواليب) كمضاد للطيران المعادي وبالفعل كانت خطة ناجحة عندما أشعل الثوار مئات الدواليب على أسطحة المنازل مما كون غمامة سوداء حجبت الرؤية على الطيران المعادي وبذالك قهرت أسطورة التفوق الجوي الروسي الأسدي  من جهة ودفعت الثوار للتقدم بسرعة أكبر كما أن قصف الطيران لنقاط صديقة يدلل على مدى عشوائية هذا السلاح وكذب ادعاء الروس معرفتهم مواقع الإرهابيين بشكل دقيق.

وبفضل هذا السلاح البسيط استطاع الثوار تحييد سلاح الطيران السلاح الأقوى والأخطر في المعركة وهذا بحد ذاته يعتبر نصرًا مؤزرًا للثوار إذ سرعان ما كشفت المعركة عن نتائج خطيرة منها.

1- العقيدة القتالية القوية للثوار وانضباطهم جعلتهم يحررون قلعة من قلاع الأسد العسكرية في حلب وهي مدرسة الحكمة.

2- هشاشة جيش الأسد ومرتزقته وهروبهم كالجرذان من أرض المعركة.

3- إن الثوار بتوحدهم قادرون على صناعة النصر والوقف في وجه أكبر ترسانة عسكرية على وجه الأرض وهي روسيا.

4- فتحت هذه المعركة طريق حلب الراموسة وبذالك أصبح الثوار قاب قوسين أو أدنى من فك الحصار عن حلب لا بل محاصرة الأسد في حلب.

كل هذه النتائج بفضل الدواليب المحترقة التى أضحت أقوى من براميل الأسد المتفجرة وبدأ السوريون كعادتهم بالتهكم على المجتمع الدولي بعبارات مضحكة في ظاهرها مبكية ومؤثرة في باطنها أمثال "الدواليب المستعملة كانت قطرية"، و"الثوار يستعدون لشراء دفعة من الدواليب المستعملة من تركيا والسعودية " وغردت أنا "مجلس الأمن من خلال قرار رقم 0000 يحظر بيع دواليب الصب والتوبلس والشمبريرات إلى حلب نظرًا لسوء الاستعمال .كل الدنيا تستخدمها عجلات للسيارات إلا أن حلب تستخدمها مضادًا للطيران"، و"الدواليب المستعملة مضاد للطيران فخر الصناعة الحلبية".

"دخان الدواليب المستعملة نور على المجاهدين ونار على الحاقدين" وللمرة المليون يثبت الثوار بأن إرادتهم لا تقهر وأن المجتمع الدولي إذا وقف على الحياد أيامًا معدودة فإن مصير الأسد سيصبح إلى مزبلة التاريخ  ولكن لن نستغرب غدًا إذا امتدح المجتمع الدولي براميل بشار وأدان دواليب الثوار بحجة تلويث الهواء السوري مفارقات غريبة ولكن كل شيء يمكن أن يحدث في سوريا.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس