مراد يتكين - صحيفة حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس

"في الوقت الذي تبحث فيه الديمقراطيات الغربية عن أصوات إسلامية معتدلة، اتخذت أنا وأصدقائي في حركة "الخدمة" موقفا واضحا ضد العنف والتطرف بدءا من هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر التي نفذها تنظيم القاعدة إلى عمليات الإعدام الوحشية التي قام بها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وحتى عمليات الخطف التي قامت بها جماعة بوكو حرام".

هذا الاقتباس من مقال لفتح الله غولن نشرته صحيفة نيويورك تايمز يوم 25 تموز/ يوليو بعد عشرة أيام من محاولة الانقلاب الدموية في تركيا، التي اتهمته الحكومة التركي بتدبيرها. ولهذا السبب يقول غولن إن على الإدارة الأمريكية أن ترفض طلب الحكومة التركية بإعادته إلى تركيا لمحاكمته. ويقول غولن في مقاله "إن اتهام الرئيس طيب أردوغان له لم يكن مفاجئا، ليس بسبب ما يقوله عني، ولكن بما يكشفه ذلك من حملة ممنهجة وخطيرة في اتجاه حكم الفرد."

غولن داعية إسلامي يعيش في الولايات المتحدة منذ عشرين عاما تقريبا، ويدير شبكة من مدارس اللغة الإنجليزية في تركيا والولايات المتحدة وكثير من البلدان في جميع أنحاء العالم. كان غوان حليفا مقربا من أردوغان، ومن خلال شبكته من ضباط الشرطة والمدعين العامين والقضاة وغيرهم من الذين زرعوا بعناية في جهاز الدولة التركية نجح أردوغان وحزب العدالة والتنمية في استبعاد العلمانيين من النظام الأمني والقضائي والتعليمي. بدأت الخلافات بينهما عندما أرادت النيابة العامة الموالية لغولن استجواب هاكان فيدان، رئيس جهاز المخابرات التركية في أوائل عام 2012 بسبب اتصالاته مع حزب العمال الكردستاني المحظور، وهي الاتصالات التي مهدت الأرضية لحوار بدأ في وقت لاحق من العام نفسه واستمر لمدة ثلاث سنوات دون دماء. ثم تقطعت العلاقات بعد فتح تحقيقات الفساد ضد وزراء في حكومة أردوغان وأفراد من عائلته في أواخر عام 2013. ومنذ ذلك الحين ندد أردوغان والحكومة بشبكة غولن، واعتبروها جماعة إرهابية. الاعتقاد السائد في أنقرة أن شبكة غولن التي تغللت سرا إلى صفوف الجيش على مدى العقود الثلاثة الماضية قد تلقت تحذيرا بأن 600 فرد منهم قد يكشف أمرهم ويطردون من الجيش في اجتماع المجلس العسكري الأعلى الذي سيعقد في وقت لاحق في يوليو، ولذلك حاولوا الانقلاب في ال15 من يوليو قبل الموعد بقليل.

ومن المثير للاهتمام أنه على حين يحاول غولن القول بأنه على الولايات المتحدة أن تحميه نظرا لماضيه، فإنه يزعم أنه "صوت المسلمين المعتدلين."

مفهوم "المسلم المعتدل" هو مصطلح تعشقه أجهزة الاستخبارات الغربية وخاصة وكالة الاستخبارات الأمريكية والأوساط الأكاديمية. وعلى سبيب المثال فإن معايير المعتدل في حركة الإسلام السياسي لم تعرّف أبدا بشكل واضح. بالنسبة للولايات المتحدة وأوروبا الغربية فإن من يعدون اليوم معتدلين يمكن تزويدهم بالسلاح والمال والتدريب يمكن أن يوصموا بأنهم إرهابيون متطرفون في غضون بضع سنوات عندما تتحول تلك البنادق ضد الغرب. هل تريدون مثالا؟ المجاهدون الأفغان، فعندما كانوا يحاربون السوفييت في عقد الثمانينيات كان الغرب يعدهم حليفا معتدلا، وعندما استولوا على السلطة وبدؤوا في فرض نظامهم على الغرب، تحولوا فجأة إلى إرهابيين.

يطرح غولن نفسه وحركته حركة الخدمة (كلمة حركة هنا ينطبق عليها الدافع السياسي أكثر من الأعمال الخيرية) على أنهم النقيض من تنظيم القاعدة، لكن القاعدة لم تكن عدوا عندما كانت تحارب السوفييت.

وبالمنطق نفسه فلن يكون من المستغرب أن نرى جبهة النصرة في سوريا والذي انفصل أخيرا عن تنظيم القاعدة واعتمد اسم فتح الشام، قد صار جزءا من قوات سوريا الديمقراطية أو الجيش السوري الحر، وتحول فجأة إلى معتدل على الرغم من العنف الذي ارتكبته الجبهة.

كان من الشائع للولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية منذ خمسينيات القرن الماضي أن تستخدم الحركات الإسلامية ضد السوفييت والحركات اليسارية في الغرب. وعلى ذلك شجعت ومولت جمعيات مكافحة الشيوعية في تركيا خلال الحرب الباردة. كان غولن وهو إمام شاب في مدينة أرضروم شرقي البلاد من مؤسسي هذه الجمعية ثم انتقل إلى مدينة إزمير وبدأ في تكوين شبكته.

في ظل فراغ السلطة مع إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية ورحيل الرئيس باراك أوباما في غضون الأشهر القليلة القادمة، فإنه يبدو أن ثمة فصيل معين في الجيش الأمريكي والاستخبارات ما يزال متمسكا بالنظريات التي تدعو لإدخال الإسلام المعتدل إلى العالم الإسلامي دون رؤية الفشل في أفغانستان والعراق ومصر والآن في سوريا.

أجرى الجنرال جوزيف دانفورد عدد من اللقاءات المهمة في أنقرة في الأول من آب/ أغسطس في أعقاب الانقلاب الفاشل في ال15 من تموز/ يوليو. ينبغي عليه على الأقل أن يرى ويظهر لزملائه عندما يعود إلى أمريكا أن "النظريات المهندسة" عن الإسلام المعتدل قد فشلت. لقد انتهى الأمر. 

عن الكاتب

مراد يتكين

كاتب في صحيفة راديكال


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس