محمد زاهد جول - القدس العربي

منذ أن أعلن في تركيا أن فتح الله غولن زعيم الكيان الموازي هو المدبر الأول للانقلاب الفاشل الذي وقع مساء الجمعة 15 تموز/يوليو 2016، ومطالبة الدولة التركية الحكومة الأمريكية تسليم فتح الله غولن، حتى خرجت التكهنات والاحتمالات عن مصيره، إن كانت أمريكا سوف تقوم بتسليمه إلى تركيا، وهي ملزمة بذلك بسبب ارتباطها مع تركيا باتفاقية تسليم المطلوبين الإرهابيين بينهما، وقد قامت الحكومة التركية سابقاً بتسليم عدد من الإرهابيين المطلوبين لأمريكا عند تواجدهم على أراضيها، وفي المقابل فإن أمريكا ملزمة وفق هذه الاتفاقية بتسليم فتح الله غولن إلى تركيا.

أما الحجج التي بدأت أمريكا تتحجج بها في أول أيام الانقلاب فهي ان إجراءات التسليم ينبغي أن تخضع للقوانين الأمريكية، بحيث يتحقق القضاء الأمريكي أن غولن متورط فعلاً بتدبير هذا الانقلاب الفاشل وتزعمه، وعلى الفور قامت الحكومة التركية بإرسال وزيري الداخلية والعدل إلى أمريكا ومعهما أربعة ملفات كبيرة تثبت تورط غولن بالانقلاب الفاشل، وبالتالي فلا حجة لها أن تشكك بالأدلة القضائية التركية، لأنها تستند إلى وثائق وشهادات شخصية لتورطه بالانقلاب، كان من أهمها شهادة رئيس هيئة الأركان التركية خلوصي أكار، بأن أحد جنرالات الانقلاب طالبه في الساعات الأولى للانقلاب بإجراء مكالمة هاتفية مع فتح الله غولن المقيم في أمريكا.

فهذه شهادة رئيس هيئة الأركان التركية وليست شهادة شخص عادي، وفي الشهادة المذكورة دليل على ان غولن كان على تواصل مع قادة الانقلاب وهم يحتلون مقر رئاسة هيئة الأركان التركية، وبعد وصول الأدلة إلى أمريكا سكتت المطالب الأمريكية التي تدعي حرصها على التحقق من الاتهام التركي لغولن، وبدأت تبحث عن مخرج لهذه الأزمة في العلاقات التركية الأمريكية بحسب تعبير وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، وهذا المخرج بحسب ما وصل إلى الاستخبارات التركية من أنباء هو ترك الحرية لغولن لمغادرة الولايات المتحدة الأمريكية بإرادته، وان لا تقوم بتسليمه إلى تركيا، ولذلك ذهبت الأنظار إلى الدول المحتملة أن يهرب غولن إليها.

كان من بين هذه الدول بحسب معلومات استخباراتية تركية، مصر وكندا والمكسيك واستراليا وجنوب افريقيا، وميزة هذه الدول انها لا ترتبط مع الحكومة التركية باتفاقية إعادة المطلوبين أو الإرهابيين فيما بينهما، وعدم وجود هذه الاتفاقية لا يعفي هذه الدول من المطالبة التركية أولاً، وسوف يؤثر سلبا على علاقاتها مع الدولة التي تقبل لجوء فتح الله غولن إليها، لأن القضاء التركي سوف يصدر قراره بالمطالبة القانونية بتسلم غولن بعد هذا الانقلاب العسكري الإرهابي، الذي قتل فيه 242 مواطنا تركيا بين عسكري ومدني، ونحو 1550 جريحا ومتضررا، أي أن المطالب الحقوقية لهؤلاء الناس وحدهم توجب على الدولة التي سوف يهرب إليها غولن ان تخضع للمطالب القانونية والحقوقية لتسلم مجرم قاتل وإرهابي إلى الدولة التي تطالب بمحاكمته على التهم الموجهة إليه.

ولو حصل فعلا أن أمريكا سمحت لغولن بالمغادرة إلى جهة هو يختارها فإن العلاقات التركية مع أمريكا سوف تتضرر أيضاً، وسوف تزداد هوة الكراهية بين الشعب التركي مع الإدارة الأمريكية، وسوف يصبح السائح الأمريكي في تركيا مكروها، وهو ما دفع وزارة الخارجية الأمريكية قبل أيام ان تطالب الأمريكيين المقيمين أو الزائرين إلى تركيا أن يأخذوا الحيطة والحذر، أي أن الإدارة الأمريكية في حالة عدم تسليمها لغولن بعد كل هذه الأدلة على إدانته فإنها تصنع لنفسها العداء والكراهية في تركيا وفي العالم الإسلامي، الذي أصدر مقره في الرياض بيانا باسم منظمة التعاون الإسلامي باعتبار تنظيم فتح الله غولن والكيان الموازي الذي يتزعمه في تركيا تنظيما إرهابياً، فدول العالم الإسلامي متحدة على رفض هذا التنظيم وزعيمه، وتحفظ مصر على قرار منظمة التعاون الإسلامي لا يعفيها من تحمل المسؤولية القانونية أمام 55 دولة إسلامية وقعت على البيان، وأمام 400 مليون عربي وملياري مسلم أيضا.

لذا من الغريب فعلاً أن يصدر تصريح عن رئيس الوزراء المصري شريف إسماعيل يقول فيه:»سيتم النظر في طلب لجوء فتح الله غولن في حال تقدّمه به»، فالأولى ان يصدر التصريح برفض الحكومة المصرية دعوة النائب البرلمان المصري لقبول لجوء غولن إلى مصر، فهذا الموقف للنائب أو لرئيس الحكومة لا يستعدي الشعب التركي فقط وإنما شعوب الدول العربية والإسلامية، بما فيها الشعب المصري نفسه، فالشعب المصري لن يكون سعيدا أن تستعد الحكومة المصرية باستقبال مجرم تسبب بقتل 242 مواطنا تركيا مسلما، فضلا عن تزعمه لعملية الانقلاب الفاشلة وما نجم عنها من خسائر مادية ومعنوية للشعب التركي، فالقضية ليست محل ابتزاز سياسي لأن الشعوب تراقب ما يجري في بلادها، وبالتالي سوف تظهر هذه الدعوات من الحكومة المصرية على أنها موقف عدائية ضد الشعب التركي الذي فقد كل هؤلاء الشهداء بسبب هذا الرجل القاتل والمجرم، ولن تكون مناكفة للحكومة التركية فقط.

وإدعاء أن حكومة السيسي تريد أن تضغط على الحكومة التركية لإخراج المعارضة المصرية من أراضيها هو ادعاء وابتزاز باطل وفاسد، لأن المعارضة المصرية في تركيا لم ترتكب جريمة في مصر ثم هربت إلى تركيا، وإنما هي هربت من مصر فرارا بنفسها من الانقلاب على الشرعية، بينما غولن انقلب على الشرعية والديمقراطية والحكومة التركية المنتخبة، بل وانقلب على الجيش نفسه، فالفارق بين الأمرين واضح أولاً، وسوف يكون استقبال مصر لغولن دليلاً إضافيا لعداء الشعب التركي والأمة الإسلامية من حكومة السيسي في مصر، ولن يتضامن معها في هذا الابتزاز إن حصل أحد من الشعوب العربية والإسلامية.
والرغبة في مضايقة تركيا التي يتحدث عنها النائب المصري ليست مضايقة للحكومة التركية فقط، وإنما هي مضايقة للشعب التركي والشعب المصري والشعب العربي والشعوب الإسلامية معاً، وخروج بعض الإعلاميين المصريين الذين يطبلون لاستقبال غولن في مصر سيزيدون في رصيد خسارتهم للمصداقية الإعلامية التي أظهروا شيئا منها ليلة الانقلاب الغاشم، والعاقل من يتعظ من أخطائه، بل ويصححها، فمهما كان الخلاف بين الحكومتين المصرية والتركية فإن ذلك لا ينبغي ان ينعكس على أخوة الشعبين، وفي نظر الشعب التركي أن علاقات الأخوة بين الشعبين لا ينبغي أن تفسدها العلاقات السياسية بين الحكومتين، فهذه سياسة تركية ثابتة في التعامل مع شعوب العالم وفي مقدمتها شعوب الأمة الإسلامية، وشعوب الدول العربية، فإذا أخطات الحكومة المصرية بإعلان استعدادها لدراسة طلب غولن اللجوء إلى مصر فعلى الشعب المصري أن يعلن رفضه أن يستقبل قاتلا مجرما في حق شعب مسلم شقيق له، فلا عذر للحكومة المصرية ولا رئيسها السيسي باستقباله في مصر، وسواء وقع الاستقبال أو لم يقع فإن الأقلام المصرية الصادقة ينبغي ان ترفض هذه التصريحات التي ترحب بقاتل للشعب التركي دون وجه حق، وحجة استقبال تركيا للمعارضة المصرية في تركيا، لا يقاس عليها، لأن تركيا لم تسمح لأي مصري أن يقيم على أراضيها وهو يستهدف الشعب المصري بالأذى، ولم تستقبل على أراضيها مواطناً مصريا واحداً متهما بالانقلاب في مصر، بل إن اختلافها مع الحكومة المصرية إنما هو بسبب دورها في الانقلاب العسكري الذي ترأسه وزير الدفاع المصري السيسي على رئيسه الشرعي المنتخب ديمقراطيا، فتركيا تدافع عن الديمقراطية في تركيا وفي مصر معاً.

وأخيرا فإن مما لا بد من معرفته من التوقعات الراجحة أو الأكيدة أن زعيم الكيان الموازي فتح الله غولن لن يقبل اللجوء إلى مصر حتى لو طلبت حكومة السيسي منه ذلك، لأن غولن لا يثق بالعرب أولاً، فهو مع اتقانه التام اللغة العربية إلا أنه يرفض التحدث بها مع ضيوفه، حتى لو كانوا من العرب، وتنظيم غولن يعلم علم اليقين أن حكومة السيسي لن تستطيع تأمين أمنه في مصر، فعدم الاستقرار الأمني معروف، ولن يثق غولن بالجيش والأمن المصري ان يؤمن مواقع واسعة وأبنية كبيرة لموظفيه الذين يزيد عددهم عن ألف يعملون في مكاتبه الآن في أمريكا، على مساحة تزيد عن 4000 متر مربع، وعلى بعد 20 كلم عن مبنى المخابرات الأمريكية، أي أن غولن على ثقة أن مصر لن تستطيع تأمين إقامته، فضلا عن عدم ثقته الشخصية بالسيسي نفسه ومخافة أن يتخذه ورقة سياسية في مناكفة الحكومة التركية، وبيعه بثمن بخس عند الحاجة.

عن الكاتب

محمد زاهد جول

كاتب وباحث تركي مهتم بالسياسة التركية والعربية والحركات الإسلامية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس