ترك برس

وصف رئيس الوزراء السويدي الأسبق كارل بيلت موقف الغرب المضاد للسياسة التركية بأنه أمر العادي، إلا أنه أشار في الوقت نفسه إلى أنه لا بد من رفع مستوى التعاون الغربي التركي للوصول إلى نتيجة إيجابية لكلا الطرفين.

وأوضح بيلت الذي عمل رئيسًا للوزراء ما بين عامي 1991 و1994، أن الدولة العثمانية وخلفها الدولة التركية تبوّءتا أهمية جغرافية سياسية كبيرة عقب فتح محمد الفاتح لإسطنبول قبل 500 عام، والذي سيطر بذلك على الحدود البرية والبحرية الرابطة بين الغرب والشرق بشكل مباشر.

وأكد بيلت أن تركيا أدّت دورًا تاريخيًا مُهمًّا في رسم العلاقات الإسلامية الغربية، مشيرًا إلى أن تركيا ربما تستعيد دورها التاريخي من جديد وأنه في ظل تعاظم قوة الحكومة التركية الحالية سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا فإن ذلك سيتحول إلى واقع حقيقي.

ويُضيف بيلت أن تركيا وُلدت على أنقاض الإمبراطورية العثمانية، وإن كانت سياستها الداخلية والخارجية منذ تأسيسها وحتى الآن مهتزة أو غير مستقرة، إلا أن الحقائق تؤكّد أن الحكومات التركية المتتالية طوّرت تركيا من خلال الاحتذاء بالتجارب الأوروبية الناجحة.

ويتابع بيلت قائلًا إن نظرية الاقتداء بالتجربة التركية غرسها مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، ومع بدايات الألفية الثالثة اعتلى سدة الحكم رجل إصلاحي ذو تأثير سياسي كبير شغل منصب رئيس الوزراء سابقًا واليوم رئيس الجمهورية يُدعى رجب طيب أردوغان.

ويرى بيلت أن أردوغان وحزبه اعتمدا بشكل أساسي على السياسة الاقتصادية القوية والإصلاحات السياسية الديمقراطية، موضحًا أن تركيا في عد العدالة والتنمية لم تبذل جهودًا كبيرة للتقارب مع الاتحاد الأوروبي للحصول على العضوية الكاملة، مكتفيةً بالاستفادة من الاتحاد الجمركي المبرم بين الطرفين عام 1995.

ويُشير بيلت إلى أن الواقع السياسي التركي الحالي يُؤكد أن محاولات أو رغبة تركيا بالحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي هي شبه منتهية، مرجعًا ذلك إلى الموقف العدائي المضاد الواضح الذي تبنتنه بعض دول الاتحاد الأوروبي ضد تركيا.

الأسباب التي تقف وراء هذا الموقف العدائي مختلفة ومتعددة، ولكن نتيجتها واحدة؛ وهي ابعاد تركيا عن الاتحاد الأوروبي، ودفع الأتراك إلى البحث عن فرص للتعاون الاقتصادي ومصادر إلهام حول التجارب التنموية في دول أخرى، على حد وصف بيلت.

يرى المسؤول السويدي السابق أن تركيا أثبتت قوتها في عدة مشاهد هي:

ـ الصمود أمام تصاعد الأزمتين العراقية والسورية واشتعال حرب داخلية في الدولتين المذكورتين.

ـ عدم الاهتزاز على الرغم من انهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني وعودة التصادم بين الطرفين.

ـ بالرغم من ظهور داعش في العراق وسوريا، واستهدافها لتركيا في أكثر من نقطة حساسة، إلا أن تركيا ظلّت عصية على ذلك الإرهاب ولم تستلم له، وشاركت في التحالف الدولي بشكل محدود لمحاربته.

ـ على الرغم من جميع الظروف الصعبة المذكورة أعلاه، فإنها استقبلت ما ينوف على 3 ملايين لاجئ سوري.

الحرب الداخلية الصامتة مع جماعة غولن

يصف بيلت نزاع الحكومة التركية مع جماعة غولن بأنه حرب داخلية صامتة بين الطرفين، بدأت منذ عام 2013، ومستمرة حتى الآن، وهذا ما يوقع الحكومة التركية في فخ الاضطراب الدائم.

عمل الطرفان "الغولنيون وحكومة حزب العدالة والتنمية" على التعاون لتطهير الدولة من الدولة العميقة المُشكلة من العنصر الكمالي القومي المعادي للديمقراطية الحقيقية والحامل لفكرة حماية مبادئ أتاتورك العلمانية بواسطة القوى الأمنية، هكذا يصوّر بيلت تحرك الطرفين المشترك، مشيرًا إلى أن عام 2007 وما بعد ذلك، شهد عملية تطهير واسعة لأكثر من ضابط وجنرال عسكري بالتعاون بين جماعة غولن وحكومة حزب العدالة والتنمية التي رأت في ذلك فرصة عظيمة لتنظيف الدولة من مخاطر الدولة العميقة التي لطالما أعاقت تقدمها سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا.

بحسب ما يورده بيلت، فإن حكومة حزب العدالة والتنمية لم تتوقع أن نفوذ جماعة غولن داخل الدولة وصل لدرجة قدرتها على تحريك قوة من الجيش للانقلاب، مما شكل صدمة لدى الحكومة التركية التي أثبتت مرة أخرى قوة تحملها تجاه العواصف التي تصيبها.

وفي ختام مقاله، يرسل بيلدت رسالة إلى الغرب تحمل في فحواها دعوات للغرب إلى رؤية قوة تركيا الحقيقية على الصعيدين الداخلي والخارجي، مؤكّدًا أن الغرب هو الخاسر إذا زاد من حملته العدائية ضد تركيا التي اختارت روسيا كحليف موازن أو رادع لتعنت الاتحاد الأوروبي، ومزيد من التعنت الأوروبي سيدفع تركيا لاتخاذ خطوات أكثر خطورة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!