تولاي شتين جوليتش - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

ما قيمة ورقة مالية من فئة واحد دولار في أنحاء العالم؟ وجبة من الأرز في الهند، أو قدح من القهوة في البرتغال، أو ثمن انتظار السيارة في موقف للسيارات في الولايات المتحدة، أو زجاجة رخيصة من النبيذ في إيطاليا، أو تذكرة ياناصيب في أستراليا، أو نصف ساعة من تدليك القدم في الفليبين. أما في تركيا فيمكنك أن تتمتع بالسميط والشاي، ثم يمكنك بعد ذلك، كما اتضح، أن تقوم  بانقلاب.

عثر على ورقة مالية من فئة 1 دولار لدى كبار الضباط المتورطين في المحاولة الانقلابية في الخامس عشر من يوليو/ تموز، وهو المشهد الأكثر غرابة في الحملة العنيفة ضد جماعة غولن المتهمة بتدبير الانقلاب المجرم. عثر أيضا فى ورقة من فئة دولار واحد لدى رجال الشرطة وقضاة وأساتذة جامعات ورجال أعمال ومعلمين وغيرهم من المدنيين المرتبطين بجماعة غولن الحليف السابق للحكومة التي تطلق عليها الآن تنظيم فتح الله غولن الإرهابي.

هذه الورقة المالية تدل على العضوية في جماعة سرية، ويعتقد أن أرقامها التسلسلية تحمل معاني مشفرة. وقال وزير العدل بكر بوزداج إن الورقة المالية من فئة واحد دولار لها وظيفة مهمة دون شك داخل تنظيم غولن الإرهابي، بينما تعهد رئيس الوزراء بهزيمة الحُقراء الذين يبيعون أنفسهم مقابل دولار واحد.

ويسود الغضب أيضا بين الأتراك العاديين الذين يعبرون عن غضبهم من الدولار بطرق مختلفة. في إسطنبول على سبيل المثال ألقت مجموعة من أصحاب المحلات التجارية ورقة من فئة الدولار في مياه المجاري، وتعهدوا بعدم التعامل بالدولار ثانية. أما رد الفعل الأوسع انتشارا فهو إلقاء الدولار في حفلات الزفاف، حيث يسلي العريس والعروس والموسيقيون أحيانا المدعوين بإلقاء أوراق الدولار عليهم. فمثلا قبل يومين من محاولة الانقلاب احتل حفل زفاف في مدينة شانلي أورفا عناوين الأخبار بسبب "وابل الدولارات" الذي ألقي على العروسين، ولكن كما جاء في تقارير لوسائل الإعلام فقد بشر حفل الزفاف هذا بعصر الليرة التركية بعد الخامس عشر من يوليو.

إن إلقاء الدولارات ربما ينقل أجواء من الثراء والسخاء، ولكنه في الواقع وسيلة لخفض التكلفة ابتدعها الأتراك الأذكياء، فدولار واحد يساوي 3 ليرات تركية تقريبا، في حين أن أصغر الأوراق النقدية التركية هي ورقة من فئة 5 ليرات، وهي بالطبع أكثر تكلفة من الدولار. ولذلك فعلى المرء أن يكون مستعدا للتضحية بورقة نقدية لا تقل عن 10 أو 20 ليرة تركية إذا ما أراد خلق انطباع حقيقي عن تضحيته.

في المقابل يفضل بعض الأتراك التضحية بنزاهة، حيث يستخدمون ورقة مزيفة من فئة الدولار للتقليل من مظاهر الاستعراض والتباهي. ويبدو أن ذلك قد صار الممارسة الأوسع انتشارا، فبحسب تقرير من مدنية نازلي غربي البلاد، قبل يوم واحد من مجاولة الانقلاب، شعر الموسيقيون في حفل زفاف بالغضب والإهانة بسبب هذه الظاهرة المتزايدة، إلى حد أنهم عقدوا مؤتمرا صحفيا عرضوا فيه الدولارات المزيفة التي أحرقت بعد أن ألقيت على الأرض في حفلات الزفاف الأخيرة، والتي قدرت بخمسة آلاف دولار. وقال الموسيقيون إن الدولارات المزيفة تباع علنا في أسواق المدينة، وحثوا الشرطة على اتخاذ الإجراءات اللازمة.

ويبدو في الوقت الراهن أن عصر استخدام الورقة المالية من فئة واحد دولار في تركيا قد ولى، إذا لا يريد أحد أن يربط بالانقلابيين. لا أحد يسأل في مكاتب تغيير العملات عن ورقة من فئة واحد دولار، في حين أن من انتهوا من رحلاتهم ينتظر أن يمزقوا هذه الورقة أو يلقوها، بينما يقدم من يملكون الشجاعة فقط على تغييرها.

في أحد مكاتب الصرافة التي زارها المونيتور، تكدست أوراق مالية من فئة واحد دولار بجوارها موظف متذمر من هذا الوضع "لم تعد الأمور مثلما كانت من قبل"، وقال تاجر آخر للعملة "لقد توقف الطلب على الورقة المالية من فئة 1 دولار، فبعد صدمة الإعلان عن استخدام جماعة غولن لها في اتصالتهم السرية صار الناس ينظرون إليها بوصفها أدوات للجريمة. وتوقف متجر ثالث للصرافة عن التعامل بورقة الواحد دولار تماما، وقال الموظف" لا يوجد هنا تعامل بفئة الواحد دولار لا للبيع ولا للشراء".

ومع ذلك فلا توصم جميع الأوراق المالية من فئة واحد دولار بالتورط في الجريمة. وبحسب تقارير لوسائل الإعلام فإن الأرقام التسلسلية التي تبدأ بحرف (إف) تشير إلى أن حاملها قائد كبير في جماعة غولن، بينما يشير حرف (سي) إلى المدراء في المستوى الأدنى، وحرف (جيه) غلى الأعضاء العاديين. وتقول تقارير أخرى إن ورقة واح دولار يتم مباركتها من قبل فتح الله غولن رجل الدين المقيم في الولايات المتحدة وزعيم الجماعة قبل توزيعها على الأعضاء، وإن الأرقام التسلسلية تمثل نوعا من رقم الهوية، ويحتفظ غولن بالسجلات في منزله بولاية بنسيلفانيا.

وفي الوقت نفسه فإن بعضا ممن تخلصوا من الدولار بعد الانقلاب فعلوا ذلك لا بدافع الخوف ولكن لتحقيق أرباح. انخفضت الليرة التركية بشدة خلال محاولة الانقلاب، ما دفع كثيرين إلى بيع الدولار للحصول على الليرة الرخيصة قبل أن تتعافى.

وقد أشاد رئيس الوزراء بن علي يلدريم والرئيس رجب طيب أردوغان من جانبهما بموجة بيع الدولار بوصفها مظهرا للوطنية، وهي وجهة نظر تنسجم مع الاعتقاد السائد بين الأتراك بأن الولايات المتحدة تواطأت مع الانقلابيين.

وقال يلدريم في خطاب أمام البرلمان في التاسع من أغسطس/ آب إن الأتراك استبدلوا 11 مليار دولار في عشرة أيام مما ساعد على درء أزمة محتملة في الأسواق وسط مخاوف من نزوح المستثمرين الأجانب الخائفين. وقال يلديريم إن الأتراك لم يحبطوا الانقلاب فحسب بل ضخوا الأموال في الأسواق، ومثل هذه الأمة لا يمكن إلا أن تستحق التصفيق، مضيفا أن تحويل 11 مليار دولار إلى الليرة التركية في عشرة أيام بعد الانقلاب أعطى البلاد شريان حياة وقوة.

لذلك يبدو رئيس الوزراء واثقا من أن إخلاص الأتراك لعملتهم الوطنية قد زاد عبر طرح ما يزيد عن 11 مليار دولار. وينبغي أن يكون ذلك نبأ سار لفرق حفلات الزفاف، فلم يكن الموسيقيون في مدينة نازلي يتصورون أبدا  أن احتجاجهم سوف يؤتي ثماره في وقت قريب جدا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس