محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

حاكت سياسة القاصر الموتور سياسة أبيه القائد المقبور في كثير من الأحيان وسار على نهج أبيه في جلّ خطاه، صحيح أنه كان هناك اختلافًا بسيطًا بين الطرفين إلا أن خيوطًا كثيرة جمعت بينهما وقواسم مشتركة جما كان من أهمها المكر والخيانة والغدر، فما أن وثب الأسد الأب إلى سدة الحكم حتى بدأ مسلسل الغدر برفاق الطريق فقام بقتل بعضهم واغتيال الآخرين ومات بعضهم في سجونه ومن كان أحسن حظًا أبعد وجمد في بلده، كذالك فعل الابن فما أن سُلم مقاليد السلطة من قبل الحرس القديم رجال والده المخلصين حتى بدأ بتصفيتهم واحدًا تلو الأخر ومن ثم عمد على تعيين جيل جديد من أعوانه لمساعدته على تهديم ما تبقى من سورية بعد أن قام والده بالشروع بمشروع تهديم سوريا منذ ثمانينيات القرن الماضي في حماه وإدلب وتفتناز وحلب وحي المشارقة وووو وأخيرًا وليس آخرًا إصراره على عدم تعمير مدينة القنيطرة - المحررة - بالرغم من وصول أموال أممية تكفي لبناء سورية.

وكان الخط البياني الذي رسمه حافظ الأسد والذي يجعل من حزب البعث الحاكم للدولة والمجتمع فيه الكثير من المنحنيات والتعرجات، فكانت شعارات حزب البعث براقة وذالك لتوسط الحرية العُقد الذي نادى به البعث وحدة حرية اشتراكية أما الشعارات المخفية من التسلط على البلاد والعباد والهيمنة والانفراد بالحكم فكانت الأفكار الحقيقة التى تدور في رأس الأسد الأب، واليوم يثبت لنا أن الأسد لم يكن يخطط لمرحلة آنية وإنما لمدة زمنية بعيدة يجعل من الأسرة النصيرية أسرة حكم وراثية.

ففي سبعينيات القرن الماضي استغل حافظ الأسد الفراغ السياسي الحاصل بين القوى السنية وتناحرها من أجل الكرسي والفوضى العارمة بعد الانفصال وانقسام الشارع السوري بين مؤيد ومعارض للانفصال ووثب هو وحزبه على سدة الحكم من خلال حركة تحريكية دعيت بالتصحيحية ومن ثم بدأ بإبعاد أصدقاء الدرب حتى قام بانقلاب عسكري على أمين الحافظ وانفرد بالحكم ولكن لم تنتهي المشكلة بإبعاد الرفاق وتصفية الخصوم إذ لا بد له من أنصار وأعوان بعدما وجد نفسه محاطًا بأهل السنة من كل حدب وصوب والأقلية التي ينتمي إليها حافظ الأسد ليس لها وزن ولا قيمة لا في الحياة الاقتصادية ولا في الحياة الاجتماعية والعسكرية والسياسية ,فلجأ لخطة شيطانية لا توجد إلا في رأسه وهي إعادة هيكلة سورية في كافة المجالات والنواحي بحيث تنحصر كل موارد البلاد بيد - الطائفة الكريمة - وفعلًا بدأ بالخطة فقام بضم آلاف الشباب من الطائفة إلى صفوف الجيش وذالك بمساعدة أخيه رفعت ,كما أنه سيطر على رؤوس أموال البلاد وجعلها بيد النصيريين إما علنًا وإما من الباطن من خلال المشاركة في كل المشاريع الحيوية أما في مجال العمل السياسي فإنه عمد على إرسال مئات لا بل آلاف الشباب من طائفته للعمل في السلك الدبلوماسي ولكن الخطر في ذالك هو الخطة الحقيرة بتغيير البنية الاجتماعية للمجتمع السوري، فبقدوم حافظ الأسد إلى كرسي  الحكم كانت الطائفة النصيرية مهمشة تعيش حياة شبه بدائية في جبال الساحل السوري ولم يكن لهم تواجد في مراكز المدن وخاصة دمشق، وما أن أدرك الأسد هذه الحقيقة حتى قام بإنزال النصيرين من الجبال والكهوف إلى مراكز المدن وقام بإنشاء أحزمة بشرية حول المدن المفصلية السورية، ولكن سكان المدن لم يكونوا يكترثوا لهذا الأمر نظرًا لتواجد هؤلاء الناس إما في المناطق المتاخمة للأرياف أو المناطق الجبلية المشرفة على المدن وبما أن هذه الأحياء تفتقر لأبسط مقومات الحياة فلم يكترث بها أحد من سكان دمشق مثلًا، ولم يكن يدور بخلد السوريين أن تلك الأحياء ستتحول إلى مفرخة لإنتاج الذئاب البشرية نتيجة للإبر التى أعطاها حافظ الأسد لهم من حقد وكراهية فكانت هذه الأحياء بمثابة أحزمة ناسفة وقنابل موقوتة أحاطت بدمشق خاصة وبباقي المدن عامة وجعل حافظ الأسد مسمار الأمان لهذه الأحزمة بيده يطلقها متى يشاء.

وسار الولد الموتور على خطا والده المقبور ولكن بتغيير نوعية الحزام من نصيري سوري إلى شيعي متعدد الجنسيات وذالك عندما أيقن الولد أن أحزمة أبيه لم تعد تجدي نفعًا وذالك لأسباب متعددة منها 1- تململ الكثير من أبناء الطائفة من إطالة أمد الحرب2 - عزوف الكثير من أبناء الطائفة عن المشاركة في الحرب والسفر لخارج البلاد من جهة واعتقادهم بأن هذه الحرب حرب عائلية وليست حرب الطائفة من جهة أخرى 3- عودة العصبية العائلية بين عوائل الطائفة نظراً لوجود عوائل كثيرة تفوق أل الوحش أصالة وعراقة. كل هذه الأسباب جعلت بشار الأسد يقوم بالارتماء بأحضان الفرس الذين طالما لفظوه وأهانوه وخاصة عندما رفض الخميني جوار السيدة زينب والمقام النصيري وفضل باريس عليهم.

فقام باستقدام النفايات البشرية الشيعية من كل حدب وصوب ولم يكتفي بذالك بل لجأ إلى تطبيق مقولته سوريا لمن يدافع عنها ولتكريس هذه المقولة فقد قام بتوطين هؤلاء المرتزقة بأحياء دمشق التاريخية وسمح لهم بالتملك فضلًا على إعطائهم الجنسية السورية  كما أن قيامه بالتهجير القسري لبعض أحياء دمشق مثل داريا أوجدت مساحات واسعة لهؤلاء المرتزقة ليشكلوا حزام بشري وجدار عازل يستطيع أن يختبئ خلفه هو وأعوانه.

والحقيقة أن الفرس حالهم حال اليهود عندما يحتلون بلد أول ما يحاولون صنعه هو تغيير اسمه ومن ثم إيجاد تاريخ يثبت أحقيتهم وهذا ما حاول الشيعة فعله من خلال مقام السيدة سكينة المزعوم لإثبات أحقيتهم بالمنطقة ويبررون تواجدهم ومن ثم يدرسون تاريخ بني أمية ويبنون مقامات أئمتهم أبو روغال وأبو جهل وأبو لؤلؤة.

والحقيقة ستبقى الحرب مستعرة بين الدولة الفارسية والدول العربية ما دامت هذه الأحزمة والأورام  في الجسد العربي السني والحل الفعال بعملية استئصال الورم وذالك بعملية نزع مسمار الأمان من هذه الأحزمة فتفجر نفسها وتبيد بعضها بعض وذالك من خلال قصف القرى النصيرية وتدمير بعضها أسوة بقرى السنة التى دمرها الأسد وبذالك يقتنع النصيريون بأن الأسد غير قادر على حمايته فإما ينتفضون ضده وأما يلجؤون طوعًا إلى أهل السنة.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس