بافل شيبيلين - أوترا ري - ترجمة وتحرير تركيا برس

توجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في خطابه إلى الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد إعلان تجميد المفاوضات حول عضوية تركيا في البرلمان الأوروبي، قائلا: "أنتم لا تفون بوعودكم، فعندما يكون هناك 50 ألف لاجئ على الحدود التركية البلغارية، حينها عليكم أن تتساءلوا ماذا ستفعلون لو فتحت تركيا حدودها؟"، مضيفا: "إذا استمر الحال على ما هو عليه، عندها سنفتح الحدود".

وأكثر ما يزعج في الأمر هو أن اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بدأت منذ عهد طويل، أي سنة 1963. وفي سنة 1987 تم اقتراح عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي، أما المفاوضات الحقيقية فلم تبدأ إلا سنة 2005.

لكن لماذا تحظى تركيا بكل هذه الأهمية لدى أوروبا؟

يبدو من المنطقي أن تندمج تركيا مع الأراضي الأوروبية المجاورة، خاصة وأن تلك الأراضي في أغلبها كانت تحت سيطرة الإمبراطورية العثمانية.

كما اجتهدت تركيا من أجل انضمامها للاتحاد الأوروبي، وتظهر خصائص ومؤثرات الإمبراطورية العثمانية الهندسية في العديد من الدول الأوروبية، وحتى في الموانئ الأوروبية، وهذا لا يمكن للتاريخ أن ينكره.

وفي هذا السياق، يمكن الحديث عن أحد أبرز مؤسسي الفكر العثماني وهو الرئيس السابق لتركيا تورغوت أوزال الذي قاد البلاد من 1983 إلى 1993. وشرح فكره من خلال كتابه "تركيا في أوروبا وأوروبا في تركيا" الذي نشره سنة 1988. وهذا الكتاب لا يسلط الضوء فقط على الأتراك كمجموعة عرقية استقرت في آسيا الصغرى خلال الفترة الممتدة بين القرن الحادي عشر والقرن الثالث عشر. ويُذكر أن آسيا الصغرى شهدت غزو السلاجقة، ما أدى إلى عديد التغيرات المحورية في تركيبة الشعب الجينية والثقافية. وقد تتغير وجهات نظر الأتراك أنفسهم إلى تاريخهم بعد الإطلاع على الكمِّ الهائل من التنوع الذي يحمله الشعب التركي المعاصر.

ينحدر الأتراك اليوم من النسل اليوناني والصربي، والألباني والبلغاري، وتلاقحوا مع حضارات أخرى عن طريق زواج الأتراك من نساء منتسبين إلى قبائل القوقاز التي تقع جنوب روسيا. وقد أظهرت دراسة حديثة أن العنصر الأنثروبولوجي للأتراك الأصليين حاليا لا يزيد عن 3 بالمائة، بينما تعود الأصول الأخرى إلى الروم واليونانيين والصرب والبلغار، والروس وغيرهم.

وحتى نكون أكثر دقة، فإن الأتراك هم أحفاد الأرثودوكسية المنتسبين إلى الإمبراطورية البيزنطية الذين اعتنقوا الإسلام، فليس من قبيل الصدفة أن يحافظ الأتراك على بعض مسميات المعالم كما كانت في عهد الدولة البيزنطية. ويذكر أن محمد الثاني عندما فتح القسطنطينية سنة 1453 وتولى حكمها، اعتبر نفسه خليفة الإمبراطور البيزنطي، ولقب نفسه بقيصر الروم.

كل هذه العوامل التاريخية والأنتروبولوجية تبرر ميل الأتراك إلى الغرب أكثر من ميلهم نحو الشرق، فالأتراك أوربيون أكثر من كونهم آسيويون. وفي الطرف الآخر، نجد أن العالم الاسلامي العربي لطالما اعتبر تركيا الخروف الأبيض المتجانس عرقيا مع العالم الاسلامي، لهذا نجد علاقات بين أنقرة وعاصمة الشرق الأوسط بغداد سابقا وأبوظبي الآن، و حتى بين الرياض وبيروت رغم أن تركيا تبقى في ذاكرة العالم العربي تحمل صورة المحتل العثماني.

وفي هذا السياق، مثّل البيان الأخير لأردوغان حول العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون كبديل للاتحاد الأوروبي استفزازا لبروكسل، بالإضافة إلى تحسن العلاقات مع موسكو. فعلاوة على ضيق أفق العلاقات وتدهورها بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، فإن الأتراك أوروبيون معتنقون للإسلام بالنسبة للغرب.

إن سقوط القسطنطينية سنة 1453 كلف أوروبا خسائر فادحة ليس على المستوى الاقتصادي فقط، بل أيضا على المستوى العقائدي، إذ تعد هذه المدينة وقتها حصنا يمنع انتشار الإسلام في بقية أوروبا، ما جعل الغرب يهتزون خوفا وفزعا، خاصة مع ارتفاع راية الإمبراطورية العثمانية في كاتدرائية  أيا صوفيا، ما أجّج لديهم مشاعر الضغينة تجاه الأتراك.

وحتى مع تأكيد الدراسات بأن الأتراك لا يختلفون-ظاهريا على الأقل-عن الأوروبيين، تبقى تركيا بلدا غير أوروبي.

تمثل تركيا العصرية خليطا من السكان السابقين لآسيا الصغرى، واليونانيون، والأرمن، والجورجيون، والبلغار، والصرب، وعشرات من الجماعات العرقية الصغيرة الأخرى مختلطة مع الغرب الذين غيروا المسيحية بالإسلام منذ عهود قديمة جدا. ولذلك فإنه من الممكن القول أن تركيا تقع بين الشرق والغرب، فهي البلد الذي يقع في موقع يُحسد عليه، لكنه البلد الذي لا ينتمي إلى الشرق ولا إلى الغرب، ولا إلى الجنوب ولا إلى الشمال. إن تركيا هي البلد العالق بين أوروبا والشرق الأوسط، وروسيا عرقيا وتاريخيا وسياسيا. لذلك فتركيا هي البلد المحكوم عليه بالوحدة النوعية رغم كل التحالفات.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس