ديفيد بارشارد - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد يومين من التفجير المزدوج بسيارة مففخة خراج ملعب فريق بشيكتاش يوم السبت الماضي ما يزال عدد الضحايا في ارتفاع. وحتى قت كتابة هذا التقرير بلغ عدد القتلى 44 بينهم 30 من رجال الشرطة، وقرابة 150 مصابا يتلقون العلاج في المشافي من الجروح الناجمة عن الانفجار الذي دوى في معظم أنحاء مدينة إسطنبول التي يبلغ عدد سكانها 15 مليونا. وقال أحد سكان المدينة: "كنا نظن أن هذا لا بد أن يكون زلزالا".

لا شك أن التفجير هو زلزال من حيث التأثير السياسي والاجتماعي المرجح له. هرع وزراء إلى مكان الحادث في غضون ساعات قليلة، وعقد اجتماع طارئ لاتخاذ تدابير لمكافحة الإرهاب. زار الرئيس، رجب طيب أردوغان، وهو أحد أبناء المدينة ورئيس بلديتها السابق، موقع التفجيرات، وزار الضحايا في المستشفيات، ووعد بالانتقام من الإرهابيين في لهجة استثنائية قوية.

شارك عشرات الآلاف في مسيرة، وحمل كثير منهم العلم التركي، في احتجاج غاضب على التفجيرات، وزار كبار المغنيين مراكز الشرطة للتعبير عن تعاطفهم مع الضحايا. أرسل زعماء العالم برقيات التعازي، بينما شاركت المباريات التي أقيمت في دول أخرى في الحداد. اتهمت بعض الصحف الموالية للحكومة العالم الغربي بأنه لا يظهر التعاطف، ويستفيد من الفظائع الإرهابية للضغط السياسي على أنقرة.

كان واضحا منذ البداية أن التفجير من عمل جماعة كردية مسلحة، ويحمل بصمات منظمة صقور حرية كردستان، وهي جماعة إرهابية متطرفة تابعة لحزب العمال الكردستاني "بي كي كي" ، وتخصصت في شن العمليات الإرهابية في المناطق الحضرية. بعد يوم أعلن صقور كردستان الإرهابي مسؤوليته عن سلسلة من الهجمات الإرهابية كان آخرها هجوم إسطنبول. وكانت أقوى الهجمات الإرهابية الهجومين الذين وقعا في أنقرة في شهر شباط/ فبراير وآذار/ مارس وأسفرا عن مقتل 66 شخصا.

عمليات القتل التي تنفذها جماعة صقور كردستان هي جزء من صورة أكبر للعنف في البلاد، ويقول موقع ديكن التركي إن 33 تفجيرا إرهابيا حدث على مدى الأشهر ال18 الماضية، وإن 446 شخصا قتلوا في تركيا من بينهم 363 مدنيا جراء هذه التفجيرات.

ردت السلطات التركية على تفجير إسطنبول بحملة تجاوزت حزب العمال الكردستاني، واعتقل 13 شخصا في غضون ساعات قليلة، أتبع ذلك مزيد من الاعتقالات باعتقال 235 شخصا، وكثير منهم متهمون بتشجيع الإرهاب على وسائل التواصل الاجتماعي، والتعاطف مع الإرهاب الكردي. وكان من بين المعتقلين المسؤولة المتخصصة عن وسائل التواصل الاجتماعي في حزب الشعب الجمهوري المعارض التي كتبت تغريدة على موقع تويتر قالت فيها إن التفجيرات قد تكون من تدبير جهاز المخابرات التركية.

ومثل حملة التطهير الأخيرة ضد أتباع فتح الله غولن، يبدو أن معظم الاشخاص المحتجزين بعد هجوم إسطنبول يشتبه في تعاطفهم مع حزب العمال الكردستاني أكثر من تورطهم المباشر في التفجير.

أصدرت الشرطة نداء للمواطنين للإبلاغ عن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي التي تظهر مرتبطة بالإرهاب. ليست الحملة ضد المتطرفين المسلحين على وسائل التواصل الاجتماعي جديدة في تركيا، فقد ألقي القبض على 1213 شخصا منذ الخامس عشر من تموز/ يوليو.

ومن بين الذين ألقي القبض عليهم 118 مسؤولا من حزب الشعوب الديمقراطي، الحزب السياسي المشارك في البرلمان، الذي عمل خلال عامي 2013-2015 وسيطا للسلام بين الحكومة والمسلحين الأكراد، وحاول عبثا أن يصير الحركة السياسية الرئيسة للأكراد وينأى بنفسه عن حزب العمال الكردستاني، ولكنه ليس بالقوة الكافية.

اعتقل عشرة من نواب حزب الشعوب الديمقراطي بينهم زعيما الحزب، ويقبعون في السجون منذ ستة أسابيع في انتظار المحاكمة بتهمة الترويج للإرهاب في خطبهم. وفي يوم الاثنين أدان صلاح الدين ديميرطاش أشهر سياسي في الحزب مجزرة إسطنبول، ودعا إلى عدم التوقف عن الدفاع عن السلام.

قد تكون القدرة العملياتية للجناح العسكري العنيف لحزب العمال الكردستاني قد تحطمت وذلك بفضل الحملات التي لا هوادة فيها في بلدات جنوب شرق تركيا حيث يقوى نشاط الحزب، إلى جانب الغارات الجوية على معسكرات الحزب في العراق.

والنتيجة أنه خلال الشهرين الماضيين فإن عدد القتلى الذين سقطوا في العمليات الإرهابية لحزب العمال الكردستاني وكان يصل إلى قتيلين من رجال الشرطة يوميا خلال الصيف الماضي وأوائل الخريف، أظهر لأول مرة علامات على تراجع كبير.

انخفاض عدد الضحايا ليس ظاهرة مؤقتة على الأرجح. بتكلفة عالية لم تقض تركيا على حزب العمال الكردستاني على الأرض فحسب، بل قضت عليه في معاقله النائية، وتحكمت أيضا في السماء. في الأسبوع الماضي أطلقت تركيا القمر غوكتورك1 وهو ثاني قمر مراقبة عالي الدقة.هذا القمر يزود تركيا بمعلومات استخباراتية ذات جودة عالية كانت تركيا من قبل تطلبها من حلفائها. وإذا أضفنا إلى ذلك الاستعدادات العسكرية المكثفة الارض، فإن هذا يمثل ضربة قاتلة لأي محاولة تمرد واسعة المجال في المحافظات الجنوبية الشرقية.

ربما عزز ضغط العمليات البرية على حزب العمال الكردستاني من سطوة صقور الحزب مؤقتا،مثل جميل بايك الذي يفضل المواجهة المسلحة وتكتيكات حرب العصابات في المدن.

تبدو الهجمات التي تشن بين حين وآخر من هذا النوع وكأنها أداة حزب العمال الكردستاني الوحيدة المتبقية للانتقام. وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا ربما يكون تقديرا خاطئا. إذا كان ثمن محاربة الإرهاب في المناطق الحضرية ضروريا، فإن سكان مدن مثل إسطنبول وأنقرة أكثر استعدادا لدفع هذا الثمن. وقد وعدت الحكومة بألا توجد قيود في الحرب على الإرهاب.

وقال أحد السياسيين إن تركيا فقدت 250 ألف شخص في معركة غاليبولي، ولذلك فهي مستعدة للتضحية ب25 ألف شخص في الحرب على الإرهاب.

قد يكون الأكراد أيضا غاضبين وراغبين في الانتقام، لكن مما لا شك فيه أن كثيرا منهم يريدون ببساطة حياة سلمية وليس صراعا عقيما محكوم عليه بالإخفاق، وأن مشاهد العنف ربما تحرمهم من الدعم الدولي.

من غير المرجح أن يصغي المتطرفون في تنظيم صقور كردستان إلى هذه الحج، فبالنسبة إليهم كانت عملية إسطنبول تدريبا على عملية الانتقام لقت رفيق لهم، وأنهم لا يهتمون بما ستؤدي إليه من عزلة محلية ودولية. وفي الوقت نفسه تتحول جبهة القتال الفعلي بين السلطات التركية والمسلحين الأكراد جنوبا إلى الجيوب الكردية في سوريا.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس