يوسف تشينار - ذا آسيان - ترجمة وتحرير ترك برس

بالنسبة إلى المنظمات الماركسية غير الشرعية فإن الهجوم الانتحاري هو محاولة أخيرة للدفاع عن أنفسها. ونتيجة للعمليات الناجحة ضد منظمة بي كي كي في شرق وجنوب الأناضول، غيرت المنظمة استراتيجيتها وبدأت تتجه إلى الهجمات الانتحارية في التجمعات الحضرية. في الفترات السابقة كان هناك البعد الرمزي للمنظمات الإرهابية الذي جعل العمليات الإرهابية بالنسبة إليها عمليات ذات قيمة، أما اليوم فإن الهجمات الانتحارية تُوظَّف بوصفها أسرع وسيلة للحصول على نتائج.

كانت منظمة نمور التاميل في سريلانكا أول منظمة في العالم تبدأ الهجمات الانتحارية. استخدمت هذه المنظمة الماركسية الانفصالية العرقية العمليات الانتحارية كثيرا، وأنشأت مجموعة "النمور السود" في داخلها وهي المجموعة الخاصة بتلك العمليات. وبالمثل يستخدم البي كي كي  تنظيم "صقور حرية كردستان " تاك" أداة لشن الهجمات الانتحارية.

نفذت مجموعة النمور السود أكثر من 200 هجوم انتحاري، وحتى حرب العراق عام 2003 ، شن مسلحو نمور التاميل ثلثي الهجمات الانتحارية في جميع أنحاء العالم. في عام 2009 ومع انحلال وضعف الجماعة انتهى استخدام الهجوم الانتحاري وسيلة للاعتداءات الإرهابية.

بعد نمور التاميل بدأ تنظيم داعش الإرهابي شن هجمات انتخارية، واستخدم التنظيم هذه الهجمات في أوروبا على نحو خاص. وقد يكون السبب في تفضيل داعش للهجمات الانتحارية أنها وسيلة بسيطة تحقق تأثيرا كبيرا، وعلى هذا استطاعت داعش تدريب المتعاطفين معها عبر الإنترنت لتنفيذ هجمات انتحارية وتوجيههم إلى أهدافها. وفي سبيل تحفيز مقاتليها على شن الهجمات الانتحارية خلقت داعش " جنتها الخاصة" عبر خطابها الديني.

كان السبب الرئيس لداعش في استخدام شقيقين لشن هجوم انتحاري في باريس هو الحيلولة دون سقوطهما في يد وكالات الاستخبارات، وإن كان خطر السقوط في يد أجهزة الاستخبارات احتمال ضئيل، فعادة لا تعلم تلك الأجهزة بالهجمات إلا بعد وقوعها، وذلك لأن هذه الهجمات تشنها وحدات صغيرة. ويمكن القول إن أكثر ما يزعج حدس الأجهزة الأمنية هو منع الهجمات الانتحارية. وفي هذا الصدد يتبادر إلى الذهن السؤال عن كيفية تمكن قوات الأمن التركية من منع الهجمات الانتحارية التي وقعت في الآونة لأخيرة.

نتيجة للعمليات الناجحة التي شنها الجيش التركي خلال فصل الخريف في شرق الأناضول وجنوبها الشرقي ، فقد البي كي كي كثيرا من قوته العاملة في الجبال والمدن. وحتى الآن ما تزال الدولة أقوى في جميع مدن شرق الأناضول من الناحية الاستخباراتية والعسكرية منها في مدن غرب الأناضول. ولهذا السبب يختار البي كي كي في الوقت الحالي المدن الغربية أهدافا لتنفيذ الهجمات الإرهابية بدلا من المحافظات الشرقية والجنوب شرقية.

الهجوم الإرهابي في حي بشكتاش بإسطنبول نفذه إرهابي يبلغ من العمر 23 عاما يدعى بوراك ياووز من مدينة سروج، كما وقع هجوم انتحاري في محافظة قيصري فور هجوم بشكتاش. الملاحظ في هذه الهجمات هو أن الإرهابيين الذين نفذوها لا توجد لهم سوابق جنائية، ولهذا فإنهم لم يلفتوا انتباه أيا من أجهزة الاستخبارات. هذه الاستراتيجية تجعل من الصعب على أجهزة الاستخبارات التركية القبض على الإرهابيين قبل وقوع الهجمات.

وبعد، كيف يتسنى للبي كي كي أن يرسل هؤلاء الشباب إلى حتفهم، إذا أخذنا في الحسبان أنهم يدركون تماما أنهم ذاهبون إلى الموت؟  يمكن لكثيرين أن يجيبوا عن هذا السؤال بطريقة بسيطة باستخدام مفاهيم مثل الأيديولوجية والانتماء العرقي.

أؤيد الرأي القائل بأن الأيديولوجية والعرقية ليست كافية لتفسير دوافع الهجمات الانتحارية، لدرجة أن نمور التاميل الذين اخترعوا – إذا جاز التعبير- الهجمات الانتحارية  قد استخدموا المخدرات أو عقارات الانتحار لتحفيز مقاتليهم عند إرسالهم إلى أهدافهم. ثمة حقيقة مهمة يفتقدها اليوم المعلقون على شاشات التلفاز وهي أنه ليس لديهم أي معلومات حول كيفية توظيف البي كي كي للشباب المدمن للمخدرات.

إن مجرد التأكيد على أن مرتكبي هذه الهجمات هم من المناطق الشرقية ومن الأكراد قد لا يكون كافيا لإيجاد استراتيجيات إيجابية لمنع الهجمات الانتحارية، فبالمقارنة بالعقود السابقة فإن نزوح الشباب الكردي في المحافظات الشرقية إلى الجبال للانضمام إلى البي كي كي بدأ منعه حزئيا.

على أن الشباب المقيم في المدن ما يزال لا يحظى بالاهتمام، ولهذا السبب يتحولون إلى المخدرات. وبعبارة أخرى، ففي حين تمثل عائدات البي كي كي من المخدرات مصدر مشكلة كبيرة لتركيا، بدأ مدمنو المخدرات الخاضعين للبي كي كي يظهرون في المناطق الشرقية (  في مدن فان وبيتليس وباطمان وديار بكر وسروج بأورفا) . في التحليل الأخير، إذا أرادت تركيا منع الهجمات الانتحارية في المستقبل، فإن الخطوة الكبرى التي تحتاج إلى اتخاذها هي إعطاء الأولوية للعمل الاجتماعي في مدن الشرق، وذلك لإنقاذ هؤلاء الأطفال الذين بدؤوا تناول المخدرات وهم في سن الثالثة عشر والرابعة عشر من أن يصيروا مدمنين خاضعين للبي كي كي.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس