يان بيليكي - زود دويتشه تزايتونغ (الألمانية) - ترجمة وتحرير ترك برس

مؤخرا، نظم منتدى "كولتور شتادت"، وهو عبارة عن نادٍ تركي بألمانيا، حفلا غنائيا بمدينة ليفركوزن الألمانية. وقد حضر وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، هذا الحفل الذي نقلته قناة "تي آر تي الموسيقى" التركية. وفي الوقت الذي كانت فيه عدسات كاميرا القناة التركية موجهة لعازفي العود، كانت أنظار الصحفيين الألمان تتابع الوزير التركي الذي يجلس في صمت في المقاعد الأمامية، عن كثب. ولسائل أن يسأل ما سر حضور الوزير التركي؟ هل هو مجرد ضيف شرف؟ أم أن الهدف من حضوره هو الترويج للدستور التركي؟

وردا على تساؤلات الصحفيين عن ماهية حضور زيبكجي، اعتذر رئيس النادي، علي إنسورن، مبتسما وقال: "لا يمكنني الإجابة عن هذا السؤال". وقد كان إنسورن، في الواقع، يحاول التملص من الحديث عن هذا الوزير أو عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أو عن العلاقات الألمانية التركية. وفي الأثناء، أفاد إنسورن بأن "هذا الحفل ثقافي وليس سياسيا". ومن المرجح أن إنسورن كان يغالط الصحافيين، إذ لا يمكن إنكار أن عددا كبيرا من الأتراك قد حضروا هذا الحفل، وقد يكون ذلك نظرا لوجود الوزير التركي في قائمة الضيوف.

وفي هذه الحالة، علينا أن نتساءل، هل صفق الحاضرون في الحفل إعجابا بالعازفين أم ترحيبا بالوزير التركي؟ وهل كان حضور هذا الجمهور الغفير لهذا الحفل بهدف التعبير عن دعمهم للرئيس أردوغان؟

خلال الانتخابات البرلمانية التركية الأخيرة في خريف سنة 2015، حصد حزب العدالة والتنمية حوالي 49.5 بالمائة من الأصوات في تركيا. وفي الوقت ذاته، كشفت النتائج أن قرابة 59.7 بالمائة من الأتراك القاطنين في ألمانيا قد صوتوا لصالح حزب أردوغان. وهنا، يطرح السؤال التالي: لماذا يصوت الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا لصالح أردوغان؟

وفي السياق ذاته، صرح عالم الاجتماع المختص في الشؤون الدينية، ديتليف بولاك بأن "الفضول حول هذه المسألة دفعني إلى مزيد من البحث حول أسباب دعم الأتراك القاطنين في ألمانيا لأردوغان". وفي هذا الإطار، قام بولاك بإجراء استطلاع رأي شمل حوالي 1200 تركي قاطن بألمانيا وذلك منذ مطلع حزيران/ يونيو الماضي.

وقد كانت النتيجة صادمة، حيث كشف استطلاع الرأي أن حوالي 90 بالمائة من الأتراك يشعرون بالراحة في ألمانيا، في حين أعرب 87 بالمائة منهم عن تعلقهم بها. وفي الوقت نفسه، يشعر قرابة نصف الأتراك الذين شملهم الاستطلاع بالاضطهاد، بينما أعرب قرابة 84 بالمائة منهم عن امتعاضهم من حالة الشك التي تصيب معظم الألمانيين بخصوص خلفيتهم الإسلامية في أعقاب كل عملية إرهابية.

من جهته، أقر بولاك بأن "الأتراك القاطنين في ألمانيا يشعرون بالاضطهاد والتهميش من قبل المجتمع الألماني". ومن الملفت للانتباه، أن أردوغان يعمل على استغلال هذه المسألة من خلال الدفاع عن حقوق هؤلاء المضطهدين.

وفي الوقت ذاته، يؤمن أردوغان أنه وعلى الرغم من أن معظم الأشخاص يعتبرون الإسلام دينا متخلفا، إلا أنه، ومن منصبه كقائد للدولة التركية، قادر على تحويل تركيا المسلمة إلى قوة عظمى. ومن هذا المنطلق، يصطف عدد كبير من أتراك ألمانيا وراء أردوغان.

وفي هذا السياق، أورد بولاك أن "أتراك ألمانيا لا يعيرون انتباها للجوانب السلبية في سياسة أردوغان. في الواقع، لا يدرك هؤلاء تبعات هذه السياسة". وأعرب بولاك عن مخاوفه من أن يؤدي دعم أتراك ألمانيا للرئيس التركي أردوغان إلى توتر في العلاقات الألمانية التركية.

والجدير بالذكر أن حزب العدالة والتنمية التركي يحظى بشعبية واسعة في ألمانيا. وفي هذه الأثناء، يعتقد الأتراك القاطنون في ألمانيا أن السلطات الألمانية تتجاهل النهضة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، والدور الذي يلعبه الحزب داخل ألمانيا، وتسعى جاهدة للحد من تحركاته وعرقلة نشاطاته.

عموما، ينشط أنصار أردوغان في ألمانيا بشكل دوري، حيث يقوم مكتب الحزب بألمانيا بتنظيم العديد من التظاهرات، التي يحضرها في بعض الأحيان وزراء أتراك. ولا نذيع سرا إذا ذكرنا أن اتحاد الديمقراطيين الأوروبيين الأتراك بضاحية بورتس بمدينة كولونيا يقوم بحملة دعائية لصالح حزب العدالة والتنمية.

ويعتبر رجل الأعمال التركي، رمزي آرو أحد أبرز مناصري أردوغان في ألمانيا، حيث أنشأ حزب "تحالف الديمقراطيين الأوروبيين"، وهو حزب مؤيد لأردوغان، علما وأن حزب "البديل من أجل ألمانيا" قد رفع دعوى ضد شعار هذا الحزب. وقد أصدرت محكمة كولونيا حكما لصالح حزب البديل، الأمر الذي استنكره آرو واعتبره "حكما سياسيا". وفي هذا الصدد، قال آرو إن "مثل هذه الأحكام تعود إلى العهد النازي. وعن قريب، سنجد أنفسنا نتدلى من المشانق".

الشباب الأتراك يفكرون مثل نظرائهم الألمان

ولمعرفة وجهة نظر أتراك ألمانيا حول هذه المسألة، أجرينا حوارا مع الطبيب النفسي، كاظم أردوغان، المختص في العلاقات بين الأزواج والتربية، في مكتبه، ببرلين- كولونيا الجديدة. في الحقيقة، يقطن أردوغان منذ 40 سنة في برلين، وقد قدم والده من تركيا إلى برلين في فترة شبابه.

وحين سألناه عن رأيه حول ماهية العلاقة التي تربط أتراك ألمانيا بتركيا، أورد أردوغان أن "المسألة معقدة للغاية، إذ يعتبر الدين الإسلامي والدولة التركية من مقومات الهوية التركية بالنسبة للجيل الثاني والثالث من المهاجرين في ألمانيا، على الرغم من أن نسبة مهمة من الشباب لا يرتادون المساجد بصفة دائمة وأغلبهم لا يزورون تركيا إلا خلال العطل".

وأضاف أردوغان أن "طباع بعض الأتراك قد تغيرت منذ المحاولة الانقلابية في الصيف الماضي، حيث أصبحوا أكثر ميلا للعنف والتشدد. فيما يرى أنصار أردوغان أن كل من لا يقف في صف الرئيس التركي ويسانده مائة بالمائة، هو بمثابة عدو لهم".

وتابع المختص في العلاقات الأسرية قائلا: "ما الذي يجب علينا فعله في مثل هذه الحالة؟ إن الصدامات بين أتراك ألمانيا واردة للغاية نظرا لاختلاف وجهات النظر، ولكن يجب علينا أن نحافظ على الرابط القوي الذي يجمعنا. لا بد أن نثق في المستقبل. إن الجيل الجديد من الأتراك القاطنين في ألمانيا يفكرون تماما مثل نظرائهم الألمان. ومن المتوقع أن تستمر الأمور بهذا الشكل على المدى الطويل".

وإثر هذا الحفل، لم يتوانى وزير الاقتصاد التركي زيبكجي عن إطلاق صيحة وسط الجموع الغفيرة، قائلا: "يحيا رجب طيب أردوغان"، في محاولة منه للترويج له ضمن الحملة الانتخابية. وفي المقابل، أثار هذا الموقف استياء وسائل الإعلام الألمانية التي اعتبرته عدوا للدولة الألمانية حسب تصريحات أحد الحاضرين.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس