راينر هارمان - فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ الألمانية - ترجمة وتحرير ترك برس

كانت الاستراتيجية التي اعتمدها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خلال حملته الانتخابية جلية المعالم، حيث سعى إلى كسب أصوات الجالية التركية في ألمانيا التي لعبت دورا حاسما في فوزه. والجدير بالذكر أن معظم الأتراك القاطنين في ألمانيا وفي الدول الأوروبية قد صوتوا لصالح الاستفتاء الدستوري على عكس الجالية التركية القاطنة في دول الخليج وأمريكا الشمالية.

ووفق وكالة الأناضول التركية، أقبل قرابة 50 بالمائة من الجالية التركية في ألمانيا على القنصليات والسفارة التركية في برلين للتصويت. ومن المثير للاهتمام أن النتيجة كانت لصالح التعديل الدستوري بنسبة تناهز 63.2 بالمائة. وفي الأثناء، صوت 71.2 بالمائة من الأتراك القاطنين في هولندا لصالح التعديل. وبناء على هذه النتائج، يمكن الجزم بأن التصريحات النارية التي وجهها أردوغان لكل من الحكومتين الألمانية والهولندية قد آتت أكلها. خلافا لذلك، رفضت أكبر المدن التركية، أي إسطنبول وأنقرة وإزمير هذا التعديل.

يشعر أتراك ألمانيا بالتمييز العنصري داخل المجتمع الألماني

من جهة أخرى، كانت نتائج التصويت في كل من أمريكا الشمالية ودول الخليج مغايرة تماما. ففي مدينة شيكاغو، رفض 90 بالمائة من الأتراك التعديل الدستوري، في حين عارض أكثر من 80 بالمائة من الأتراك في بقية المدن على غرار نيويورك وبوسطن وميامي ولوس أنجلوس هذا التعديل. من جانب آخر، أعرب 81 بالمائة من الجالية التركية في الإمارات العربية المتحدة عن رفضهم للتعديل الدستوري، بينما بلغت نسبة المعارضين في البحرين قرابة 86 بالمائة.

والجدير بالذكر أن هذا الاختلاف الجذري في النتائج يعزى إلى أن الأتراك القاطنين في الدول الأوروبية ينحدرون أساسا من الأناضول وينتمون للطبقة الشغيلة، في حين تنتمي الجالية التركية المقيمة في دول أمريكا الشمالية إلى النخبة المثقفة التي نشأت في المدن التركية الكبرى. وفي الأثناء، يعد أتراك دول الخليج من الطبقة الغنية فضلا عن أنهم يشغلون مناصب مرموقة.

في الحقيقة، اعتمد أردوغان استراتيجية ناجحة في التعامل مع الجيل الثالث من الأتراك القاطنين في ألمانيا. فقد استفاد الرئيس التركي من شعور هذا الجيل بالغبن والتهميش من قبل المجتمع الألماني، وهو ما يفسر نتائج استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات التركية والذي كشف عن صورة متناقضة للجيل الثالث من الأتراك القاطنين في ألمانيا. فمن جهة، يدين الشباب التركي بالولاء لتركيا أكثر من ألمانيا. ومن جهة أخرى، لا يريد هذا الشباب العودة إلى بلده الأم. وقد استغل أردوغان هذا العامل وتقرب من هذا الشباب، مما خول له أن يظهر في ثوب الرجل النموذجي الناجح الذي تجاوز كل الصعوبات وتمكن من الارتقاء إلى القمة.

"بين الأمل والخوف"

في واقع الأمر، ولكسب تأييدهم، عمد أردوغان إلى التواصل مع الشباب التركي، حيث لم يتوانى عن تشجيعهم لتجاوز الشعور بالتهميش والتمييز العنصري في ألمانيا. وبذلك، بث داخلهم الرغبة للسعي إلى الاندماج في صلب المجتمع الألماني.

وفي هذا الإطار، صرحت النائبة المستقلة بالبرلمان المحلي بمدينة هسن، ميرفت أوزتورك، إبان الإعلان عن نتائج الاستفتاء، أن "أردوغان قد فاز بدعم الجالية التركية في ألمانيا نظرا لأنه تمكن من إشعال جذوة الحماس داخلهم حتى يتسلقوا سلم النجاح حتى القمة". وأضافت أوزتورك، أن "أردوغان قد بث في صميم 51 بالمائة من الأتراك في ألمانيا مشاعر الفخر والاعتزاز".

وعقب الإعلان عن النتائج، احتفل أنصار أردوغان بالنصر رافعين الأعلام التركية في شوارع مدينة فرانكفورت. وفي المقابل، كان المعارضون لأردوغان يتابعون النتائج والحزن يعلو محياهم.

وقبيل الإعلان عن النتائج، دعا النائبان بالبرلمان المحلي بهسن، ميرفت أوزتورك وتورغوت يوغسل، الأتراك إلى متابعة نتائج الانتخابات على الشاشة العملاقة بمسرح غونس بمنطقة غالوس بمدينة فرانكفورت. وفي هذا السياق، أفادت أوزتورك أنه "كان مساء مضنيا تراوحت فيه مشاعرنا بين الأمل والخوف".

2.5 ورقة تصويت دون ختم مركز الاقتراع

إبان الإعلان عن النتائج، صرح مدير مهرجان السينما التركية، حسين سيتكي، أنه "عندما أعلنت نتائج الفرز الأولي عن تقدم أردوغان بنسبة 63 بالمائة أوشكت على الصراخ. فأنا لم أجد تفسيرا مقنعا للدعم المطلق الذي يحظى به أردوغان من طرف الجالية التركية في ألمانيا". وقد شاطره الكثير من الحاضرين في المسرح الرأي.

في هذا المسرح، كان الجمهور مزيجا من اليساريين والليبراليين والديمقراطيين الاشتراكيين، فضلا عن عدد من القوميين. وقد كانوا يحتسون القليل من الشاي والمشروبات الأخرى. ومن جهته، أورد سيتكي "كل الحاضرين هنا أكاديميون. نريد أن نعيش هنا ونندمج في قلب المجتمع الألماني. وبالفعل، لقد نجحنا نوعا ما في تحقيق مبتغانا، ولكن هذه النتيجة ستحبط مجهوداتنا".

ومن جهته، قال، يوغسل، إن "أردوغان خلف حالة من الفوضى. فلقد قوض الرئيس التركي كل المجهودات التي بذلناها من أجل الاندماج في المجتمع الألماني". وتابع النائب المنتمي للحزب الديمقراطي الاشتراكي، قائلا: "يخاطب أردوغان الأتراك على اعتبارهم ضحايا المجتمع الألماني. إن أنصار أردوغان يناضلون ضد التمييز والإقصاء، وفي الوقت ذاته يساندون انتهاكات حرية الصحافة في تركيا".

عموما، كانت الأجواء متوترة في هذا المكان. وفي حين غاب علم تركيا عن مدخل المسرح، تصدرت الواجهة قطع أثرية مقلدة تعيد إلى الأذهان تاريخ الأناضول. وعندما أعلن عن نتائج التصويت في أنقرة، صفق الحاضرون طويلا.

ولكن سرعان ما عادت الأجواء للتوتر، حينما ظهر متحدث باسم حزب الشعب الجمهوري المعارض على الشاشة وقال: "لقد تفطن المراقبون إلى احتساب حوالي 2.5 مليون ورقة تصويت دون ختم مركز الاقتراع عند عملية فرز الأصوات، على الرغم من أن القانون التركي يمنع احتساب مثل هذه الأوراق". وتعليقا على هذه الحادثة، صرح يوغسل قائلا: "يعارض نصف الشعب التركي هذا الدستور، ولكن أردوغان سيحاول تبرير النتيجة بكل الوسائل".

التوتر في الشوارع الألمانية؟

وعلى الرغم من أن المبادرة المعارضة للتعديل الدستوري التي أطلقها كل من أوزتورك ويوغسل لم تحقق أهدافها المرجوة، إلا أنها لم تفشل بصفة عامة، حيث أن المبادرة نجحت في إطلاع الرأي العام التركي على محتوى الدستور التركي عن طريق المنشورات التي تم توزيعها والتظاهرات التي تم تنظيمها.

وفي هذا السياق، أفاد يوغسل أنه ينظر إلى مستقبل تركيا بشيء من القلق. وأضاف يوغسل قائلا: "يجب علينا أن نبحث عن سبب مقنع يدفع أشخاصا تشبعوا بمبادئ الديمقراطية في ألمانيا إلى مساندة نظام ظالم".

من جهة أخرى، شددت أوزتورك على ضرورة التعايش السلمي بين الجالية التركية في ألمانيا قائلة: "ينبغي أن نخوض حوارا نقديا فيما بيننا، ومن المهم أيضا أن نراجع أحكامنا المسبقة. ويمكن تحقيق ذلك من خلال اللجوء إلى خيار المصالحة نظرا لأن السبيل الوحيد لحل الصراعات السياسية هو العمل السياسي. ومهما حدث، من الضروري تجنب سيناريو الحرب الأهلية".

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس