أدام تايلور - واشنطن بوست - ترجمة وتحرير ترك برس

توجه الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى واشنطن لعقد اجتماع مع الرئيس ترامب. وكما أوضحت كارين ديونغ في تقريرها لصحيفة واشنطن بوست، تأتي الزيارة في وقت معقد للعلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا. وبينما تحدث أردوغان بإيجابية عن ترامب قبل بضعة أشهر فقط، يبدو أن البلدين يبتعدان عن بعضهما بعضا في عدد من القضايا السياسية الرئيسة.

لكن مهما تكن أهمية الاجتماع في البيت الأبيض، فإن أمريكا لن تكون الشريك الوحيد في عقل أردوغان.

وصل أردوغان إلى بكين فى نهاية الأسبوع لحضور قمة "الحزام والطريق" التي دعا إليها الرئيس الصيني شي جين بينغ. وفى يوم الاثنين الماضي، وقبل يوم واحد فقط من رحلته إلى واشنطن، كتب الرئيس التركي تغريدات باللغتين الإنجليزية والتركية امتدح فيها خطة الرئيس الصيني للبنية التحتية الجديدة وخطة التنمية.

تهدف القمة إلى تعزيز الخطة التي تقودها بجين، وأشير إليها بعناوين كبيرة فى بعض الأحيان "حزام طريق الحرير الاقتصادي"، و"طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين"، و"مبادرة الحزام والطريق"، و"حزام واحد، طريق واحد".

وكما تشير الأسماء، فإن الخطة مستوحاة من طريق تجارة الحرير القديم، ولكن مع لمسة عصرية. وكما وصفت بأنها النظام العالمي 2.0 فإن فكرتها بسيطة، حيث تتعهد الصين باستثمار مئات المليارات من الدولارات لبناء مشاريع البنية التحتية مثل الموانئ ومحطات توليد الكهرباء في جميع أنحاء العالم.

وفقا  لبعض التقديرات، فإن حجم الاستثمار الضخم الذي تقدمه بكين أضعاف أضعاف المبالغ التي استثمرتها الولايات المتحدة في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية في إطار خطة مارشال.

لم يكن أردوغان السياسي الوحيد الذي توجه إلى بجين نهاية الأسبوع، فقد حضر إلى هناك 28 من قادة العالم، منهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين. لم يحضر ترامب، ولم يقرر سوى في آخر لحظة إرسال ممثل رفيع المستوى هو ماثيو بوتنغر، وهو مسؤول يحظى باحترام كبير في مجلس الأمن القومي وخبير في الشؤون الصينية.

يرى البعض أن حضور أردوغان هذا الحدث دليل على أن رفض ترامب لاتفاقيات التجارة الدولية مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، يضر بالولايات المتحدة على الساحة الدولية.

هذا الادعاء له بالتأكيد جانب من الحقيقة. وكما كتب سيمون دينيز في الواشنطن بوست الأسبوع الماضي، تحاول بكين ملء الفراغ الذي خلفته واشنطن. وقال توم ميلر، مؤلف كتاب "الحلم الآسيوي الصيني: بناء الإمبراطورية على طول طريق الحرير الجديد"، إن "الانسحاب من اتفاق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادي ترك فراغا في قلب القيادة الاقتصادية في آسيا، ويحاول شي جين بينغ القفز إلى هذا الفراغ".

وحتى قبل القمة، كانت العلاقات الاقتصادية التركية مع الصين تنمو بالفعل. عندما وصل حزب العدالة والتنمية في عام 2002 لأول مرة إلى السلطة كان حجم التجارة الثنائية بين تركيا والصين مليار دولار سنويا فقط، وفقا لمعهد الشرق الأوسط. ويبلغ هذا الرقم الآن 27 مليار دولار. تساعد الشركات الصينية أيضا فى بناء شبكة سكك حديدية عالية السرعة فى تركيا، وتقول وسائل الإعلام الحكومية فى بكين إنها "ستساعد فى تسهيل التجارة عبر القارات"، الأمر الذي يعني طريق الحرير الحديث.

على أن مبادرة الحزام والطريق أبعد ما تكون عن النجاح المضمون. ينظر إلى المشروع في بعض البلدان بشكوك عميقة، إذ فقد قاطعت الهند المبادرة حتى الآن، ويشعر منتقدو المبادرة بالقلق لا لأن المشروع سوف يعود بالنفع على الصين بدلا من شركائها فحسب، ولكن لأن المشاريع الضخمة سوف تعاني من عدم الكفاءة والفساد.

والواقع أن محاولات الصين منذ أمد طويل لإقامة علاقات أوثق مع تركيا قد قوبلت بفتور في معظم الأحيان، وذلك بسبب التوتر نتيجة قمع أقلية الأويغور المسلمة في الصين. كما كانت هناك مخاوف بشأن مدى تأثير التوافق مع بكين على عضوية تركيا فى حلف الناتو أو آمالها فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

ولكن تركيا في هذه الأيام قد تكون أكثر تقبلا للمتوددين إليها من خارج الغرب. أدت محاولة الانقلاب في العام الماضي، وحركة التطهير التي شنها أردوغان بعدها، والصراع الدائر في سوريا إلى توتير علاقة أنقرة مع حلفائها الغربيين التقليديين وتدمير طموحاتها في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.. يبدو أن أردوغان يأمل في بداية جديدة في ظل حكم ترامب، لكن التزام واشنطن بتسليح ميليشيات الأكراد السوريين لشن الهجوم القادم على الرقة، عاصمة تنظيم الدولة، قد أثار التوترات من جديد.

لذلك فإن الصين مستعدة للانقضاض، وليس فقط على الجانب الاقتصادي. أشار السفير الصينى لدى تركيا في الأسبوع الماضي إلى أن بجين مستعدة لبحث عضوية تركيا فى منظمة شانغهاي للتعاون، وهي كتلة استراتيجية يمكن حسبانها بديلا صينيا وروسيا لقيادة الاتحاد الأوروبي.

حتى قضية الأويغور الحساسة يبدو أنه قد أعيد تقييمها. ادعت الصين منذ فترة طويلة أن الأويغور الذين يهربون إلى تركيا - الأويغور ليسوا مسلمين فحسب بل من أصل تركي - يمثلون تهديدا أمنيا. وفي الشهر الماضي، قال السفير السوري في الصين لرويترز إن أكثر من 5000 أويغوري يقاتلون مع الجماعات المسلحة في سوريا. وبدلا من حرف القضية عن مسارها، قيل إن أردوغان وافق على إطار لتعميق أعمال مكافحة الإرهاب فى تركيا مع الصين.

قال أردوغان فى كلمة ألقاها يوم الأحد إن مبادرة الحزام والطريق "ستكون مبادرة تستأصل الإرهاب".

ويُبرز الارتياح التركي الجديد مع الصين بعض التناقضات في سياسة ترامب الخارجية. فعندما كان مرشحا للرئاسة تفاخر ترامب بقدراته في مجال الصفقات، ولكن هذا الخطاب غالبا ما يختفي مع سياساته في الحماية. قد لا تكون أمريكا الطرف الوحيد في المدينة وقادة العالم مثل أردوغان يعرفون ذلك.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس