مصطفى سونماز - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

في مطلع يونيو/ حزيران تصاعد التوتر بين "الإخوة" الخليجيين النفطيين الأثرياء، ووصل إلى ذروته بفرض قطيعة دبلوماسية وحصار على قطر، قادته السعودية ودعمته الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين بشكل بارز. اتخذت تركيا موقفا مؤيدا لقطر، كما نظمت مظاهرات في الشوارع دعما للدوحة التي ازدهرت علاقاتها مع أنقرة أخيرا، وخاصة في المجال الاقتصادي. هل يعني هذا أن تركيا مستعدة لحماية قطر على حساب مواجهة الكتلة السعودية؟ هل تستطيع تركيا تحمل تبعات هذا الموقف خاصة من الناحية الاقتصادية؟ هل حجم العلاقات التركية مع قطر كبير إلى الحد الذي يدفعها إلى التخلي عن علاقاتها مع الدول المحاصرة لقطر؟ قد تساعد نظرة عامة مقارنة على العلاقات الاقتصادية التركية مع قطر وخصومها في العثور على إجابات على هذه الأسئلة وما شابهها.

كان تقرير لموقع "المونيتور" قد تحدث في يناير/ كانون الثاني الماضي عن أهمية المال الخليجي للاقتصاد التركي، بالنظر إلى النقص المتكرر في الاستثمارات العربية الكبيرة. واستنتج التقرير أن رأس المال الخليجي "يمثل أقل من 10٪ من الأموال الخارجية التي تستفيد منها تركيا إما من الاستثمار المباشر أو القروض والمحفظة الاستثمارية". وقال التقرير أيضا إنه "منذ عام 2003، بلغ معدل استخدام تركيا السنوي للأموال الخارجية ما متوسطه 40 بليون دولار، وإن أوروبا شريكها الأول بلا خلاف حول ذلك. وفي حين تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، فإن حصة المستثمرين الخليجيين تجعلهم شريكا صغيرا في القائمة، حيث إن حصة الخليج لا تتجاوز 10٪. وخلاصة القول، إنه نظرا لحجم احتياجات تركيا  للتمويل الخارجي وسجل استثمارات دول الخليج في تركيا، فإن أي دولة عربية لا يمكنها بأي شكل من الأشكال أن تحل محل الأموال الغربية التي تستفيد منها تركيا".

وفي ضوء الأزمة الحالية، فإن من المفيد أيضا النظر إلى الملامح الفردية للجهات الفاعلة الخليجية ومساهمتها في الاقتصاد التركي.

تعد المملكة العربية السعودية أكبر دولة في المنطقة، بسكانها البالغ تعدادهم 28 مليون نسمة،  تليها دولة الإمارات العربية المتحدة بـ6 ملايين، والكويت بـ4 ملايين، والبحرين بـ1.3 مليون نسمة، بينما يبلغ عدد سكان قطر 2.3 مليون نسمة. أما من حيث الثروة الاقتصادية، فإن قطر هي الأكثر ازدهارا، حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي أكثر من 60 ألف دولار، وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي. تأتي الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الثانية بقيمة 38 ألف دولار، تليها الكويت والبحرين بحوالي 25 ألف دولار لكل منهما. أما بالنسبة إلى "الأخ الأكبر" المملكة العربية السعودية، فإن الرقم يبلغ حوالي 20 ألف دولار، أي ما يقرب من ضعف الرقم في تركيا.

السمة المشتركة لتلك البلدان هي أنها جميعا غنية بالنفط، وتخصص جزءا كبيرا من دخلها النفطي للنفقات العسكرية، وتتصدر المملكة العربية السعودية قائمة المشترين للسلاح. ووفقا لمعهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، فإن الإنفاق العسكري للبلاد يصل إلى 10-13٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ حوالي 2٪. أما بالنسبة إلى دول الخليج الأخرى، فتتراوح النسبة بين 4٪ و6٪. وباختصار، فإن جزءا ملحوظا من ناتج بيع البترول في دول الخليج يذهب إلى مشتريات الأسلحة، ومعظمها من الولايات المتحدة. وفي هذا السياق، يقال إن الجهود الرامية إلى إنشاء "حلف ناتو عربي" - وهي الخطوة التي تستهدف إيران في المقام الأول - تحركها الولايات المتحدة، ويبدو أن صفقة الأسلحة التي أبرمت الشهر الماضي بين واشنطن والرياض بقيمة 110 مليار دولار هي خطوة في هذا الاتجاه.

لم تقف تركيا بمنأى عن النزاع بين الدول الخليجية، فلم تقتصر ردود فعل أنقرة على دعم دولة قطر المحاصرة، بل على حمايتها أيضا. لكن هذا لا يعني أن تركيا مستعدة للمخاطرة بمواجهة دول الخليج الأخرى. من الناحية الاقتصادية، لا يقل خصوم قطر أهمية بالنسبة إلى تركيا عن أهمية قطر. فعلى سبيل المثال تصل قيمة الاستثمارات القطرية المباشرة في تركيا - بما في ذلك شركات مثل بنك قطر الوطني ( QNB)، و(ABANK)، و(DIGITURK) و(Banvit)، و(BMC) - إلى 1.5 مليار دولار. ومن ناحية أخرى، تبلغ قيمة الاستثمارات السعودية المباشرة نحو 2 مليار دولار، بينما تبلغ قيمة استثمارات الإمارات العربية المتحدة 4.1 مليار دولار، وهي الأكبر في مجموعة الخليج، وتشكل قرابة 5٪ من الاستثمارات الإماراتية  المباشرة في الخارج التي تبلغ قيمتها 93 مليار دولار. وتتساوى الكويت وقطر في حجم الاستثمار المباشر في تركيا  بـ1.5 مليار دولار.

وفيما  يتعلق بالاستثمارات الأجنبية في سوق الأسهم التركية، توفر بورصة إسطنبول والبنك المركزي البيانات عن طريق القارات بدلا من البلدان، في دلالة على أن الجزء الأكبر من الاستثمارات قصيرة الأجل البالغة 70 مليار دولار في البورصة التركية يأتي من الغرب.

أما من حيث القروض الأجنبية طويلة الأجل التي يستخدمها القطاع الخاص التركي، فإن القروض المقدمة من الدائنين الخليجيين تبلغ 16 مليار دولار، أي 8٪ من إجمالي 204 مليار دولار. وتبرز البحرين كأكبر مقرض خليجي، حيث تقدم 11 مليار دولار، في حين أن قطر لا تظهر على الإطلاق في هذا الجانب.

تتساوى مشاريع البناء التي فاز بها المتعهدون الأتراك في قطر مع تلك الموجودة في دول الخليج الأخرى. ووفقا لأرقام وزارة الاقتصاد التركية، فإن قيمة المشاريع الخارجية التي يعمل بها المقاولون الأتراك  حتى نهاية عام 2016 بلغت 12.7 مليار دولار. وبلغت قيمة الأعمال في قطر 2.4 مليار دولار، وبلغت قيمة الأعمال في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت مبلغا متساويا. ومع ذلك، فإن قطر تقدم فرصة أفضل للشركات التركية في المستقبل القريب بوصفها الدولة المضيفة لبطولة كأس العالم لكرة القدم في عام 2022، التي خصصت لها ميزانية استثمارية بقيمة 170 مليار دولار.

كيف ستنتهي أزمة قطر؟ هل خطوة إنشاء "حلف ناتو عربي" ضد إيران وإجبار قطر المتذمرة على الانضمام إليه مجردُ خيال داعب ترامب؟ الزمن وحده كفيل بإثبات ذلك على أن تركيا تحتاج إلى البقاء على علاقة جيدة مع كلا الجانبين، لأنهما مهمان اقتصاديا لتركيا بنفس القدر.

عن الكاتب

مصطفى سونماز

محلل اقتصادي وكاتب تركي، له 30 كتابًا عن الاقتصاد والإعلام التركي والمسألة الكردية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس