محمد سيف الدين إيرول - مركز أنقرة لدراسة الأزمات والسياسات - ترجمة وتحرير ترك برس 

بطلبها من تركيا الابتعاد عن روسيا وإيران، والانضمام إليها، كشفت الولايات المتحدة ما كانت تضمره  سرا. جاء هذا الطلب على لسان وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون،  خلال كلمته في حلقة نقاش في واشنطن أقامها مركز أبحاث “ويلسون” بعنوان "أمريكا وأوروبا: تعزيز التحالفات الغربية".

أسباب هذه الدعوة الجريئة معروفة تقريبا، إذ تبدو واشنطن متحمسة لمحاكمة رجل الأعمال التركي "رضا ضراب" التي أصبحت قضية مشاحنة في العلاقات التركية الأمريكية. بيد أن حالة الهستيريا المفرطة أدت إلى الارتباك والتناقضات، وهو ما يتضح في تناقض التصريحات العلنية لترامب والبنتاغون.

ومما لا شك فيه أن تيلرسون يتحدث بلغة البنتاغون/ المحافظين الجدد. وبعبارة أدق، يعمل بوصفه متحدثا باسم حكومة الظل الأمريكية. لذلك، فمن الضروري أن ننظر بعمق إلى ما قاله في مركز ويلسون.

أكد تيلرسون بصفة خاصة على خريطة جنيف والجهات الفاعلة في عملية أستانا، الأمر الذي أضعف، على نحو ما، محادثات جنيف. ويرجع ذلك إلى أن الولايات المتحدة تتقدم في مبادرتها لمشروع الشرق الأوسط الكبير، على أساس شمالين (شمال العراق وشمال سوريا).

إن التصريحات المتناقضة بشأن حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب وتركيا هي مؤشرات جوهرية على هذا الضعف. الولايات المتحدة ليست مستعدة للتخلي عن حليفها القديم ولا عن حليفها "الجديد"، وحتى لو كانت على استعداد، فإنه لا يوجد لديها حل، وهي تتعرض لفقدان كبير في ثقة حلفائها سواء القديم أو الجديد.

ولذلك، فإن رسالة البنتاغون المتمثلة في تجديد الثقة في منظمة إرهابية حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب/ حزب العمال الكردستاني قد أضرت بالثقة الأمريكية في شمال العراق. ولذلك، فإن الولايات المتحدة التي أخفقت في تدعيم صورتها، تمر بفترة صعبة.

وبسبب هذا الوضع المحرج، ستستخدم الولايات المتحدة في الأيام المقبلة تدابير وممارسات أكثر عدوانية في سياستها الخارجية. وقد تسبب الخوف من فقدان الدبلوماسية في حالة من الذعر في داخل الإدارة الأمريكية. ولهذا، يؤكد تيلرسون أن النقاش حول سوريا يجب أن يحل في جنيف. وإلا، فإن تيلرسون والقوى التي تقف وراءه ستتعرض للإنهاك.

الخلاف حول أستانا وجنيف

يبدو أن الولايات المتحدة، التي استخفت حتى الآن بقوة عملية أستانا، قد أدركت إمكاناتها في نهاية المطاف. وبعد أن تركت طاولة المفاوضات في أستانا، تريد أن تستعيض عنها بجنيف. وهذا هو السبب في دفع جنيف إلى الصدارة.

إن خطاب وزير الخارجية في مركز ويلسون لافت للنظر فيما يتعلق بالاعتراض على اتفاق تركيا مع إيران وروسيا، وبالأساس توجيه طلب إلى تركيا بأن تنأى بنفسها عن إيران. وفي هذا السياق، فإن الدعوة إلى تعاون أوثق ضد "التهديد الروسي" ليست سوى دعوة إلى أنقرة "لمراقبة خطواتها".

هذه الحقيقة تكمن وراء ملامسة الأزمة السورية التي يجب حلها سياسيا، وفقا لقرار مجلس الأمن رقم 2245، وأن الأسد وعائلته لا ينبغي أن يكون لهم دور في مستقبل سوريا.

يدرك تيلرسون أن هذه القضية، التي تم الاتفاق عليها من قبل تركيا وروسيا وإيران في عمليتي أستانا وسوتشي، ما تزال هشة، وأن تركيا هي العمود الفقري لهذه المبادرة. ولذلك تحاول الولايات المتحدة أن تربك أنقرة  من خلال القول بأن "الأسد لا مستقبل له".

استهداف إيران

لا يستهدف تيلرسون إيران فقط من خلال البعد الأمريكي، بل يهدف أيضا إلى إلقاء اللوم عليها من جانب حلفائها. وفي هذا السياق، لا ينبغي تجاهل العبارات التالية التي أدلى بها تيلرسون فيما يتعلق بإيران: "نطلب من شركائنا الأوروبيين الانضمام إلينا لمواجهة سلوك إيران المدمر. ولا تود الولايات المتحدة ولا أوروبا أن تواجه نوعا آخر من التهديد النووي لكوريا الشمالية، كما أن أيا من دولنا لا يرتاح لمحاولات إيران للهيمنة في الشرق الأوسط من خلال دعم المنظمات الإرهابية في العراق وسوريا. نحن نعارض أيضا أن تحصل إيران على برنامج الصواريخ البالستية… كما نعلم أن تركيا في خضم تقاطع أوروبا في المنطقة لا يمكن أن تتجاهل إيران".

تيلرسون الذي ذكر أيضا أن "الاتفاق النووي ليس فى صلب السياسة الأمريكية تجاه إيران ولكن الولايات المتحدة ستواجه بقوة أي تهديدات من ايران"، أعرب عن اعتقاده بأن تركيا بوصفها عضوا فى حلف شمال الأطلسي يجب أن تعطي الأولوية لحلفائها، وأن تنأى بنفسها عن إيران.

لذلك، فإن خطاب تيلرسون يعد نقطة رئيسية في فترة وصلت فيها العلاقات التركية الأمريكية إلى أدنى مستوياتها، وبدأت تتحرك عملية تفكك الناتو. يتحدث تيلرسون بلطف، لكنه يحمل عصا غليظة. وإذا "لم تؤخذ الرسالة بعين الحسبان" فإن هناك تهديدات أخرى في الطريق. لذلك نحن أمام نقطة استشراف تحتاج إلى شحذ الاهتمام.

والسؤال ماذا ستفعل تركيا؟ ينبغي لها الاستمرار في سياستها الحالية، وينبغي أيضا أن تسرع من عمليات السيطرة على الأرض. وفي هذا السياق فإن أفضل الردود على الولايات المتحدة وتيلرسون هي:

1) تدشين عملية عفرين.

2) إعطاء رسالة أكثر تصميما في الجولة القادمة من محادثات أستانا في أوائل كانون الأول/ ديسمبر.

3) اتخاذ خطوات ملموسة قدر الإمكان، لإنشاء منظمة يحركها الأمن في أستانا.

4) نشر صواريخ إس 400 بأسرع وقت ممكن.

وفي إيجاز يجب مواجهة الولايات المتحدة على الأرض دون التراجع خطوة إلى الوراء. وعلى المدى الطويل، سوف تدرك الولايات المتحدة ما هي "تركيا الجديدة" وتتبني نهجا وفقا لذلك. وإلا فإن تركيا ستخسر . ومهما يكن من أمر فإن الولايات المتحدة من دون تركيا، ستتعرض لهزائم أكبر على نطاق عالمي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس