القدس العربي

تتواصل في الولايات المتحدة الأمريكية محاكمة مسؤول مالي ورجل أعمال تركيين بتهم تتعلق بمساعدة إيران على الوصول للنظام المالي الأمريكي وانتهاك العقوبات التي كانت مفروضة على إيران في محاكمة تعتبر الأخطر ضد تركيا ويرى فيها الأتراك محاولة لابتزاز الرئيس رجب طيب أردوغان سياسياً واقتصادياً.

المحاكمة التي جرى التحضير لها منذ أسابيع وانطلقت الثلاثاء رسمياً تستهدف بشكل مباشر رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا زراب ونائب رئيس «هالك بانك» الحكومي التركي هاكان أتيلا وهما معتقلان في الولايات المتحدة، لكنها تستهدف بشكل آخر وزير الاقتصاد التركي السابق ظافر تشاليان بدرجة كبيرة، وتطال بشكل أخطر أردوغان والاقتصاد التركي. ويتوقع أن تؤدي المحاكمة التي سوف تستمر لعدة أسابيع إلى فرض عقوبات مالية قد تصل لقرابة 10 مليار دولار على تركيا من خلال «هالك بنك» الحكومي ما يعني تدمير البنك وتوجيه ضربة كبيرة للاقتصاد التركي، بالإضافة إلى احتمال إصدار مذكرة اعتقال بحق الوزير السابق، واستغلال المحاكمة لتشديد الضغوط على تركيا سياسياً واقتصادياً.

بدايات القضية

في ظل الحصار المالي الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية والعقوبات الدولية على إيران فُتحت العديد من القنوات للتعاون الاقتصادي بين تركيا وإيران حيث سعت أنقرة للاستقادة مالياً من حاجة إيران لدولة مجاورة تساعدها في التحايل على العقوبات وتوفير احتياجاتها في العديد من المجلات.

أبرز هذه المجالات تمثلت في مبادلة الذهب مقابل الدولار وهي قضية لا تنكرها تركيا بشكل مطلق، حيث فتحت قناة تبادل ضخمة للذهب مقابل الدولار كان أبرز حلقاتها رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا زراب الذي ينحدر من عائلة تعيش في طهران ويعرف عنها تخصصها بشكل كبير في تجارة وعلى مدى سنوات تصدر زراب عملية التبادل التي بلغت فيمتها حسب تقديرات تركية وأمريكية قرابة 25 مليار دولار أمريكي على الأقل حصل من خلالها زراب على أرباح طائلة واستفاد الاقتصاد التركي منها بشكل كبير، لكن الأخطر هو الاتهام الأمريكي لمسؤولين سياسيين وماليين أتراك بتلقي رشاوي كبرى من زراب مقابل مساعدته في اتمام هذه التجارة التي اعتبرت اختراقاً للعقوبات الأمريكية على إيران.
لكن زراب المتهم الرئيسي في القضية تحول تدريجياً من متهم إلى «شاهد» عقب ما قالت وسائل الإعلام التركية إنها «صفقة قذرة» جرت بينه وبين القضاء الأمريكي من أجل «المساعدة في توريط تركيا» مقابل تخفيف الحكم عنه وربما الدفع ببراءته لاحقاً وهو ما دفع الحكومة التركية لمهاجمته وتوجيه الاتهامات له بعدما كانت تدافع عنه وتطالب بإطلاق سراحه.

المحاكمة

زراب الذي ظهر في المحكمة بمنهاتن كـ»شاهد» وأقر بتعاونه مع القضاء الأمريكي من اجل الإفراج عنه، ادعى انه دفع مالبغ مالية طائلة من الرشاوى بدءاً من عام 2012 لوزير الاقتصاد التركي السابق ظافر تشاليان من اجل تسهيل مهمته في تبادل الذهب والدولار مع إيران، وذلك في شهادة استمرت لأربع ساعات متواصلة. وقال إنه أجرى اتصالاً أولياً بالوزير عام 2012 عندما كان يسعى لفرض نفسه كوسيط أساسي في عملية التبادل مع إيران التي تتيح لطهران استخدام مبيعاتها من المحروقات لدفع أموال في الخارج وذلك رغم الحظر المفروض على المصارف الأمريكية والدولية حول إجراء صفقات مع إيران، وتم الاتفاق على إجراء الصفقات عبر «هالك بنك» الحكومي التركي بمساعدة الوزير.
وادعى زراب أنه دفع «بين 45 و50 مليون يورو» و«نحو سبعة ملايين دولار من الرشاوى إلى الوزير بين آذار/مارس 2012 وآذار/مارس 2013، وهو ما فتح الباب أمام سيناريوهات صعبة تنتظر الوزير المتهم لكن الأخطر العقوبات المتوقعة ضد البنك.

العقوبات المتوقعة

يجري الحديث في تركيا عن سيناريو «خطير» يتمثل في النتائج النهائية للمحاكمة في ثلاثة اتجاهات مختلفة، وهي:

يتوقع بالدرجة الأساسية أن يفرض القضاء الأمريكي عقوبات مالية طائلة على «هالك بنك» الذي يعتبر أحد أبرز وأكبر البنوك الحكومية في تركيا، وتتوقع هذه المصادر بناءاً على حالات سابقة أن يطالب القضاء الأمريكي من البنك دفع مبالغ بمليارات الدولارات قد تصل إلى 10 مليار دولار، سيكون دفعها اجبارياً خشية تعرض تركيا لمزيد من العقوبات من النظام المالي العالمي عبر النفوذ الأمريكي.

وفي هذا الإطار وعلى الرغم من أن وزير الاقتصاد التركي محمد تشمشيك ألمح إلى أن الحكومة ستقف إلى جانب البنك، ما يعني احتمالية تكفل الحكومة بدفع هذا المبلغ، إلا ان حصول هذا الأمر يعني احتمالية انهيار اسهم البنك في البورصة وتكبده خسائر طائلة قد تؤدي إلى انتهائه بالإضافة إلى توجيه ضربة للاقتصاد التركي وخاصة العملة المحلية التي تراجعت كثيراً مع بدء الحديث عن المحاكمة.

على نحو آخر، يتوقع أن يصدر القضاء الأمريكي مذكرة اعتقال بحق الوزير السابق تشاليان لا سيما عقب اعتراف زراب بأنه كان جزءا أساسيا من عملية التحايل على العقوبات الأمريكية بالإضافة إلى عدد من كبار مدراء البنك المركزي التركي و»هالك بنك» وهو ما سترفض أنقرة تطبيقه بطبيعة الحال ما يعني تصعيد جديد في الخلافات والتوتر في العلاقات بين أنقرة وواشنطن.

لكن أكثر ما تخشاه أنقرة هو البعد الثالث والذي يتعلق بالرئيس أردوغان، حيث كشفت وسائل إعلام أمريكية في وقت سابق أن اعترافات زراب ورد فيها إسم أردوغان أكثر من مرة، ما يعني احتمالة اعتبار القضاء الأمريكي أن ما جرى حصل بعلم الرئيس التركي وربما بأوامر منه، وعلى الرغم من أن هذا الأمر ـ إن حصل- لا يعني محاولة محاكمة الرئيس أو معاقبته لكنه سيؤدي إلى مزيد من المتاعب للاقتصاد التركي وبالطبع مزيد من الخلافات مع واشنطن.

مؤامرة سياسية

ومنذ بداية الأزمة تعتبر أنقرة ما يحصل «مؤامرة سياسية» ولاحقاً اتهمت بأن «لوبيات غولن» المتهم بمحاولة الانقلاب بالتخطيط لهذه المحاكمات، وقبل أيام أصدرت النيابة العامة التركية مذكرات توقيف بحق تركيين اثنين متهمين بتزويد القضاء الأمريكي مستندات مزيفة في اطار هذه القضية.

والخميس، وصف نائب رئيس الوزراء بكير بوزداغ المحاكمة بأنها محاولة جديدة من جانب غولن للإضرار بالحكومة التركية، واعتبر أن زراب يتعرض لضغوط لتشويه سمعة تركيا.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!