أنس يلمان - خاص ترك برس

وصل الإسلاميون إلى مجلس الوزراء التركي عام 1996 برئاسة "نجم الدين أربكان" عقب فوز حزبه الإسلامي بالانتخابات، وتحدّى قواعد العلمانية الكمالية المتشددة، التي حكمت تركيا منذ أواسط عشرينيات القرن الماضي، واستطاع أن يشكّل مع حزب "الطريق القويم" تحالفًا في الحكومة الجديدة، وبدأت الحكومة الائتلافية عملها في حزيران 1996، وكان حزب "الرفاه" قد حقق نتائج كبيرة في الانتخابات المحلية، وفّرت له حكم العديد من البلديات الرئيسية في البلاد، مما أثار اصطدامات يومية بين البلديات التي سيطر عليها "الرفاه" والدوائر العلمانية في المدن الرئيسية

وقد عقدت قيادة الجيش اجتماعًا خاصًّا لبحث مستقبل حكومة أربكان الائتلافية، والخطر الذي تمثله على مستقبل النظام العلماني، وبدأت قيادة الأركان سلسلة من النشاطات، التي استهدفت إضعاف الحكومة وخلق مناخ يسمح بإطاحتها، وذلك باستدعاء قضاة كبار ورؤساء جامعات وقادة اتحادات العمال والحرفيين والروابط التجارية، إلى مقر قيادة الأركان، لتحريضهم على الحكومة وتشجيعهم على إطلاق حملة شعبية ضد سياساتها بهدف اتهام حكومة أربكان بتهديد أسس النظام الجمهوري العلماني. وفي شباط/ فبراير عام ١٩٩٧ اجتمع مجلس الأمن القومي، الذي كان أغلبية أعضائه من العسكريين، وانتهى الاجتماع بتقديم عدد من المطالب لرئيس الوزراء أربكان، تمثلت بتوسيع نطاق تحكم الدولة في المدارس الخاصة، والمؤسسات الخيرية ذات النشاط التعليمي، وإغلاق عدد من الأحزاب والصحف المتهمة بميول دينية، وإقرار قوانين تمنع المتدينين (المحجبات على وجه الخصوص) من دخول المؤسسات الحكومية والعامة بما في ذلك المدارس والجامعات والمعاهد العليا، وتطهير الجيش والمؤسسة العسكرية من المتدينين، وإقرار قانون بتمديد التعليم الحكومي الإلزامي إلى ثماني سنوات، بهدف تقليص تأثير مدارس الأئمة والخطباء، إضافة إلى منع المواطنين من التبرع بالأضحيات للمؤسسات الخيرية المستقلة، واقتصار التبرع على مؤسسة الجيش الخيرية فقط. وسرعان ما تغيرت الأمور، ففي مثل هذا اليوم تحديدا (الـ ٢٨ شباط/ فبراير) من عام ١٩٩٧، شهدت جمهورية تركيا انقلابًا عسكريًّا أسقط الحكومة الائتلافية و رئيس وزرائها آنذاك "نجم الدين أربكان".

أردوغان.. من النّضال إلى النّهضة

في الثاني عشر من كانون الأول/ ديسمبر من عام ١٩٩٧، مثل "رجب طيب أردوغان" رئيس بلدية إسطنبول وقتئذٍ، أمام المحكمة بسبب قراءته قصيدةً إسلاميةً، خلال إلقائه خطابًا جماهيريًّا، وبعد جلسات ومداولات حُكم عليه بالسجن أربعة أشهر قضاها عام 1999، وعُزل من منصبه في رئاسة البلدية، على خلفية الحكم. إلا أنه بعد خروجه من السجن، تمكن من تشكيل حزب "العدالة والتنمية"، وما هي إلا سنوات قليلة، حتى اكتسح الانتخابات البرلمانية عام 2002، وبدأ المسيرة التي واجه فيها تحديات حقيقية للتخلص من سيطرة العسكر وإرجاع دور المؤسسة العسكرية إلى حماية الحدود ودفع الأخطار الخارجية، واستطاعت حكومة "العدالة والتنمية" ترسيخ الحريات السياسية والدينية، والسماح للمحجّبات بالعودة إلى الجامعات والمؤسسات، وتوسيع الحريات الدينية والتعليمية.

من جهة ثانية، اكتسبت تركيا الاستقرار السياسي والاقتصادي خلال الفترة الماضية، واستطاع الاقتصاد التركي الخروج من الأزمة الحادّة التي عصفت به بعد انقلاب 28 شباط/ فبراير. لكن المكتسب الأكبر الذي حققته البلاد هو تعزيز الحالة الديمقراطية ومنح الشعب التركي القرار الأول والأخير في صنع القرار والوقوف ضد كلِّ من يحاول المسَّ بأمن الأرض التركية ومقدساتها، ولعلَّ خير ما يثبت ذلك تضحيات الشعب بدمائه وتقديمه مئات الشهداء في سبيل الوطن بقيادة حكومته، واستطاع أن يفشل محاولة الانقلاب التي تعرضت لها تركيا في الخامس عشر من تموز/ يوليو عام 2016، حيث خرج الشعب إلى الساحات والمطارات والشوارع، لحماية الديمقراطية، وفعلًا استطاع الأتراك أن يحققوا نصرًا تاريخيًّا ضد أعدائهم، وأثبتوا للعالم أنَّ زمن الانقلابات في بلد التطوّر والازدهار قد ولَّى.

وختاما انصح القارئ الكريم بالتطلع على تاريخ الانقلابات العسكرية (الناجحة) في تركيا:

الانقلاب الأول: 27 مايو من عام 1960.

الانقلاب الثاني: 12 مارس من عام 1971.

الانقلاب الثالث: 12 سبتمبر من عام 1980.

الانقلاب الرابع: 28 فبراير من عام 1997.

عن الكاتب

أنس يلمان

مدير قسم المكتب الدولي في جامعة ابن خلدون بإسطنبول


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس