ترك برس

تأسست مدينة بغداد في سنة 762 للميلاد على يد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، واستمرت الخلافة العباسية فيها قرابة 500 عام، توالى على الحكم خلالها 37 خليفة عباسي.

كانت بغداد مركزا ثقافيا ومركزا لتطوير مختلف العلوم وحاضرة للدول الإسلامية. وقد لقي الوضع الصحي اهتماما خاصا من العباسيين، فأنشئت عدة مؤسسات صحية عرفت باسم بيمارستان، وهي كلمة فارسية تعني مكان المريض، ولسهولة نطقها سميت مارستان.

وتبعا لتغير سلطات الخلافة العباسية فقد تغيرت أوضاع المارستانات، وفي عام 1258 أصاب مدينة بغداد دمار شامل إثر الاحتلال المغولي لها، ولم تبق أي مؤسسة صحية تذكر بعدها، وبعد نحو مئة عام أنشئت مارستان باسم دار الشفاء.

بغداد تحت الحكم العثماني (1534 - 1918)

في عام 1534، دخل السلطان سليمان القانوني إلى بغداد وأعلنها ولاية عثمانية وعين عليها واليا عثمانيا، بعد أن طهرها من الصفويين.

وفي نهاية القرن الثامن عشر حصلت ظاهرة فريدة في تاريخ العراق الصحي وهي التطعيم ضد الجدري. كان ذلك في عام 1786، عندما قدم التاجر الأرمني أوانيس مراديان من إسطنبول وبقي في بغداد بعد أن خسرت تجارته، واضطر للعمل مترجما للقنصلية الفرنسية.

حاول مراديان إقناع أهالي بغداد بضرورة التطعيم، واستمر بمحاولته ولم ينجح بذلك بسهولة، وبمساعدة زوجته تيريزا نجح في تطعيم أكثر من 5 آلاف و400 طفل خلال تسعة أعوام.

توسع نشاط التطعيم إلى الموصل، وتدهورت الأوضاع الصحية في القرن التاسع عشر، بسبب كثرة الأوبئة والأمراض السارية، إضافة إلى الدمار الحاصل نتيجة الفيضانات المتكررة.

ولم تكن هناك أماكن مخصصة للعلاج، ما عدا بناية التنبلخانة (و هي دار للعجزة والمرضى العقليين)، يقضي فيها النزلاء أواخر أيام حياتهم. ونتيجة لانعدام المستشفيات والوعي الصحي وقع الأهالي ضحايا لطب الدجالين والمشعوذين.

مستشفى الغرباء

وعند استلام مدحت باشا ولاية بغداد في عام 1869، لاح بصيص من الأمل حين أدرك مدحت باشا ضرورة بناء مستشفى في بغداد. قام الوالي بالتخطيط لها، وبعد مناقشة المشروع في مجلس الولاية تقرر أن تقوم البناية في الحديقة التابعة إلى وقف سليمان باشا والواقعة على ضفاف نهر دجلة مباشرة من جهة الكرخ.

ولعدم وجود ميزانية خاصة لبناء المستشفى، قام وجهاء وأهالي بغداد بالتبرع لبنائها.  وتم بناء أول مستشفى في بغداد، في عهد السلطان عبد العزيز الأول في عام 1872، وسميت المستشفى باسم مستشفى الغرباء (خستخانة الغرباء) على غرار مستشغى غرباء التي كانت قائمة في العاصمة إسطنبول في ذلك الوقت.

طلب والي بغداد مدحت باشا من إسطنبول طبيبا وصيدلانيا وعددا من الموظفي الصحيين ﻹدارته وتشغيله.

وقد أرخ العلامة عبد الوهاب النائب لهذه المناسبة، حيث قال: "لله ما أطيب هذا البنا... في وصفه ليس له مثيل على التقى… مذ تم أرخته... أطيبه هذا شفاء العليل”.

بقيت المستشفى خالية بعد إتمام بنائها لعدم وجود عددٍ كافٍ من الأطباء، فاستخدمت البناية كمدرسة إعدادية.

وبعد عدة أعوام، توفر عدد مناسب من اﻷطباء، فتم افتتاح المستشفى العام، وكان يتسع لخمسين سريرًا، وشمل فروع الطب والجراحة والأمراض الجلدية والزهرية، إضافة إلى قسم خاص للمرضى العقليين وشعبة إسعاف.

كان العلاج بالمستشفى مجانيًا، وتمت إدارتها من قبل أطباء البلدية ومأموريها، واستمرت في خدماتها حتى أهملت لنفس السبب السابق في عام 1887. وتحول بناؤها مرة أخرى إلى مدرسة إعدادية ملكية بإدارة دائرة المعارف.

وبين عامي 1908 و1909، استرد الوالي نجم الدين الملا البناية وأعادها مستشفى مرة ثانية، بعد أن نقل إليها محتويات مستشفى نامق باشا شمال باب المعظم.

وفي عام 1917، تم تطوير المستشفى بإجراء إصلاحات ضرورية فيه، وتم تجهيزه ليصبح مستشفى للنسائية والتوليد في الكرخ.

وفي عام 1925، تم ترميم المستشفى و تحويلها إلى مقر لمجلس النواب العراقي. وفي عام 1935، أعيدت البناية إلى مديرية الصحة العامة، وتحولت إلى مستشفى الكرخ الملكي، وبعدها أزيلت البناية وتحولت إلى بناية حكومية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!