رسول طوسون – صحيفة ستار – ترجمة وتحرير ترك برس

لم تعد قضية فلسطين مجرّد قضية محلية، إنما تحوّلت إلى مسألة عالمية، لذلك لا يمكن التحدّث عن السلم العالمي دون إيجاد حل لهذه المشكلة، كما أن المساهمة في زيادة التوتر يؤدي إلى زيادة زخم هذه المشكلة بدلاً من تحقيق السلام في العالم، وفي هذا السياق إن القرار المتّخذ من قبل واشنطن والذي ينص على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس قد أدى إلى زيادة التوتر في المنطقة والعالم بأكمله.

لا تستطيع أمريكا تنفيذ هذا القرار دون الحصول على دعم بعض الدول العربية في المنطقة، وهنا تأتي النقطة التي تدفعنا للغضب، إذ تلجأ دولة الاحتلال وحليفتها أمريكا إلى جميع الوسائل الخارجة عن القانون من أجل إضفاء المشروعية لهذا الاحتلال، أي إن العدو يمارس أعماله العدوانية ولذلك لا يمكننا توقّع الرحمة منه، لكن في الواقع إن ما يدعو للغضب هم الأعداء الذين يتظاهرون بأنهم حلفاء وأصدقاء.

تزعم واشنطن ودولة الاحتلال أن حركة حماس عبارة عن تنظيم إرهابي وتحمّلها مسؤولية جميع التطورات التي نشهدها في القدس، في حين أن حركة حماس عبارة عن بنية مشروعة تسعى لإنقاذ الأراضي الفلسطينية من أيدي الاحتلال فقط، وكما ذكرت مسبقاً إن حركة حماس بالنسبة إلى فلسطين شبيهة بما تعنيه القوات الوطنية "ميليشات محلية تم تأسيسها من أجل مقاومة الفرنسيين والأرمن في عهد أتاتورك" بالنسبة إلى تركيا، أي إن حماس تمثل القوات الوطنية الفلسطينية، وكل دولة ترفض هذا الواقع هي حليفة لدولة الاحتلال وتساهم في احتلال الأراضي الفلطسينية.

لا توجد إمكانيات طبية كافية في غزة من أجل معالجة كافة الجرحى الفلسطينيين، وهناك طريقتان فقط من أجل إيصال الدعم الطبّي لغزة، الأولى هي العبور من البوابات الحدودية التي تقع تحت سيطرة دولة الاحتلال، والثانية هي معبر رفح الذي يصل بين مصر وقطاع غزة، وفي هذا السياق إن رفض دولة الاحتلال لعبور هذا الدعم هو أمر طبيعي ومتوقّع، لكن لا يمكننا إدراك السبب الذي يدفع مصر لرفض هذا الدعم، إذ لا تسمح الأخيرة بعبور الشاحنات المحمّلة المعدات الطبية، وكذلك لا تسمح بعبور الجرحى الفلطسنيين إلى تركيا، وبالتالي لا أعلم أيهما الأكثر ظلماً تجاه الشعب الفلسطيني، إسرائيل أم مصر!

لا أعتقد أن مصر تقلّ ظلماً عن إسرائيل، ودليلاً على ذلك نذكر محاكمة الرئيس المصري المشروع "مرسي" من قبل الإدراة الانقلابية التي يرأسها السيسي بتهمة دعم حركة حماس، والسبب هو أن السيسي وأعوانه يؤيدون إسرائيل في رأيها ويصفون حركة حماس التي تساهم في المقاومة ضد دولة الاحتلال بالتنظيم الإرهابي، وأعتقد أن نجاح محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو في تركيا كانت ستؤدي إلى محاكمة أردوغان بالتهمة ذاتها أيضاً، ولكن لحسن الحظ باءت هذه المحاولة بالفشل.

مع الأسف أظهرت جميع الدول الحليفة لمصر الموقف ذاته واتّهمت حركة حماس المشروعة بالإرهاب، وفي هذا السياق إن تصريح أردوغان بعبارة "إسرائيل هي دولة احتلال، وحركة حماس المقاومة المشروعة" قد أوصل هذه الحقيقة إلى العالم بأجمعه، أي إن أردوغان قد أظهر جرأته من خلال الإباحة بالحقيقة التي عجزت جميع الدول عن قولها جهراً.

إن إدارة السيسي ليست نظاماً إنقلابياً وديكتاتورياً فقط، إنما هي دمية تتحرّك وفقاً لمصالح الصهيونية في الوقت نفسه، ولهذا السبب لم تكتف بالامتناع عن دعم أخوانها الفلسطينيين فقط، بل منعت عبورهم إلى الأراضي التركية للحصول على الدعم الطبّي أيضاً، وكذلك أشار الشعب المصري إلى هذا الواقع من خلال اللافتات التي كُتب عليها "عذراً إخواننا في فلسطين، لكننا نعيش في ظل الاحتلال أيضاً".

لا يشترط الوقوف في وجه الظلم الذي تمارسه دولة الاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني أن يكون الشخص مسلماً، إنما يكفي أن يتمتّع بالصفاة الإنسانية، ومع الأسف نرى بعض الإداريين المسلمين القادرين على الوقوف في وجه هذا الظلم، لكنهم أشبه الدمى التي فقدت مشاعرها وقيمها الإنسانية.

في هذا السياق يمكن القول إن مبادرات تركيا الدبلوماسية وإباحتها بحساسياتها وقيمها الإسلامية والإنسانية أمام العالم بأجمعه هي السبب الرئيس لكونها رائداً للعالم الإسلامي والدول التي يعاني من تلوّث الضمير الإنساني، فضلاً عن كونها المساهم الأكبر في إحياء المقاومات الشعبية ضد جميع أنواع الظلم.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس