إبراهيم كالن - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

دخلت القضية الكردية في تركيا مرحلة حركة. وساهمت العملية السياسية المحتدمة من قبل الأحزاب المعارضة في خلق جو جديد من السلام والمصالحة. وبات نزع سلاح بي كي كي دون شروط مسبقة مفتاحا رئيسيا لحل هذه المشكلة المتكدّرة.

خاض تنظيم بي كي كي المحظور حربا دموية ضد تركيا منذ عام 1984، ويقبع زعيمه عبد الله أوجلان في السجن منذ عام 1999. وحصدت الحرب المدعومة من عدد من الأطراف لزعزعة استقرار تركيا والتدخل في السياسات الوطنية، أرواح 40 ألف شخص، وأدت إلى إصابة الآلاف وكبّدت الدولة خسائر تقدر بمليارات الدولارات.

كما كشفت الحرب فشل سياسات الإنكار والاستيعاب والعقاب الجمعي خلال السنوات الماضية، كما خلقت حائطا نفسيا فاصلا بين الأتراك والأكراد من جهة، وبين الأكراد والدولة التركية من جهة أخرى.

عرّفت الحكومات المتعاقبة منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي المشكلةَ من منظور أمن قومي لكنها فشلت في القضاء على تهديد الإرهاب. وكانت النتيجة قتالا داميا ودمارا اقتصاديا وأذى نفسيا واجتماعيا عميقا.

شهد عام 2005 نقلة نوعية حينما أصبح الرئيس أردوغان الذي كان رئيسا للوزراء في حينها، المسؤول الأرفع الذي يعترف بـ"المشكلة الكردية" في خطاب هام في مدينة دياربكر، التي تعد مركزا رمزيا للسياسات الكردية.

ركز خطاب أردوغان على ثلاثة قضايا رئيسية في ذلك الوقت: العدالة الاقتصادية، والمظالم المتعلقة بالهوية، والأمن. ولا زالت هذه القضايا هي المكونات الرئيسية لما يسمى الآن "عملية الحل".

بُذِل الكثير في سبيل جسر الهوة الاجتماعية الاقتصادية بين شرق البلاد وغربها. واستثمرت مليارات الدولارات في البنية التحتية، والزراعة، والمواصلات والتعليم في المناطق ذات الغالبية الكردية. 

سمحت الطرق والمطارات والجامعات الجديدة لدرجة أكبر من الحراك الاجتماعي للمواطنين. وقد استفاد الأكراد مثل المواطنين الآخرين الذين يعيشون في مدن كبيرة وغنية مثل إسطنبول، وأنقرة، وإزمير، وأنطاليا وبورصة من النهوض الاقتصادي لتركيا دون أي تمييز.

كما تم إحراز تقدم كبير بشأن قبول الكردية كجزء من النسيج التركي الذي يتمتع بهويات إثنية متعددة. ولم يعد وصل الإنسان نفسه بأنه كردي الهوية لعنة سياسية أو اجتماعية، وذلك في عملية تحول اجتماعية سمحت للآخرين كذلك بالتعبير عن أنفسهم على أنهم عرب، أو روم، أو أرمن، أو يونانيون أو علويون. فالخريطة السياسية للخيال الاجتماعي لتركيا الجديدة يسمح بقبول أكبر وشمولية بين الهويات العرقية والدينية.

شهدنا خلال العقد الماضي رع القيود عن استخدام اللغة الكردية في الإعلام، وفي الحملات الانتخابية، والخطابات العامة، والكتب والمجلات، والإعلام الاجتماعي، والمحاكم، والسجون، والمدارس ودوائر الحكومة. وقدمت دروس لغة كردية إضافية في المدارس. 

ويلقي علماء الدين والأئمة خطبهم بالكردية. كما تبث قناة حكومية باللغة الكردية 24 ساعة. ويقدم الفنانون الأتراك والأكراد عروضهم مع بعضهم متجاوزين العوائق المتخيّلة. وتوسع الفضاء السياسي ليضم الجميع بما فيهم السياسيون الأكراد في الحزب الحاكم حزب العدالة والتنمية، وفي حزب الشعب الجمهوري، وحزب الشعوب الديمقراطية والمستقلين.

كان لهذه النقلة النوعية أثر إيجابي على التصور الذاتي لتركيا في القرن الحادي والعشرين. عقود من الدولانية في غير محلها، والقومية التافهة والعداء الاجتماعي تخضع الآن للمساءلة والرفض من قبل غالبية المجتمع التركي. في حين تعمل تركيا إلى جانب سعيها لتسوية القضية التركية، على إعادة بناء هويتها الحديثة كدولة تتمتع بتعدد المجتمعات الدينية والإثنية.

تحقق جزء كبير من هذه الإجراءات الديمقراطية والاجتماعية والاقتصادية في فترة قصيرة: الانخفاض الجذري للهجمات الإرهابية، والمحادثات السياسية الشاملة، والاستثمارات الاقتصادية الكبرى وأهم من ذلك الدعم العام للجمهور لحل القضية الكردية.

تظل قضية الأمن ونزع السلاح مع ذلك هي العتبة الحرجة. فتنظيم بي كي كي يرفض حتى الآن نزع سلاحه. وكان أوجلان قد دعا منذ سنتين في 21 آذار/ مارس 2013 لإنهاء الصراع المسلح ودخول ما سماه "الصراع السياسي". وعاد ليوضح مجددا مضمون الرسالة هذه السنة في يوم النوروز حينما طالب التنظيم بشكل صريح بـ"نزع السلاح".

وبدلا من إنهاء الصراع المسلح إلى الأبد، يواصل بي كي كي تلكؤه في حين يختلق ممثلوه السياسيون في حزب الشعوب الديمقراطي الأعذار. تسببت مجموعات التنظيم والحزب منذ وقت ليس طويلا، بين 6 و8 من تشرين الأول/ أكتوبر 2014 بأذى ورعب في أنحاء البلاد من خلال تلاعبهم بالتطورات في كوباني/ عين العرب في سوريا. ومع اقترابنا من انتخابات 7 حزيران/ يونيو، يواصل تحالف بي كي كي وحزب الشعوب الديمقراطي استخدام تكتيكات التهديد والتخويف في المناطق الريفية في شرق البلاد.

يظل تنظيم بي كي كي وأيديولوجيته الماركسية اللينينية التي عفا عليها الزمن وقوميته المتأخرة عقبة رئيسية في وجه حل القضية الكردية. يقدم معسكر تنظيم بي كي كي وحزب الشعوب الديمقراطي أجندته السياسية على أنها مطالب الشعب الكردي. هذا الادعاء الكاذب هو جزء من استراتيجية لطرح هذا المعسكر ممثلا وحيدا لأكراد تركيا. لن يعود هذا التلاعب السياسي بالسلام، والمصالحة، والأمن والرفاهية على أي أحد.

وعلى الرغم من رفض تنظيم بي كي كي نزع سلاحه واستقلال حزب الشعوب الديمقراطي سياسيا عن التنظيم، إلا أن غالبية الشعب التركي يدعمون العملية الجارية لإنهاء العنف وحل القضية الكردية بشكل سلمي. مهندس هذه العملية هو الرئيس أردوغان، وحكومة داود أوغلو ملتزمة به. وفي هذه المرحلة، يظل نزع سلاح بي كي كي خطوة رئيسية لتحقيق السلام.

عن الكاتب

إبراهيم كالن

الناطق الرسمي باسم الرئاسة التركية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس