أمينة عمرو - ساسة بوست

منذ تأسست الجمهورية التركية في أكتوبر 1923 حكمت بنظام الحزب الواحد، إلى أن حصل الحزب الديمقراطي علي الأغلبية في انتخابات 1950، وتولي زعيم الحزب عدنان مندريس رئاسة الحكومة فيما عرف بالجمهورية الثانية الذي دخلت به تركيا نظام التعددية الحزبية. ومنذ ذلك اليوم لم يحصل أي حزب على أغلبية مطلقة إلى أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة في 2002. منذ ظهور الحزب على الساحة السياسية حصل على الأغلبية المطلقة في جميع الاستحقاقات الانتخابية كان آخرها في آب/ أغسطس الماضي التي أوصلت زعيم الحزب إلى رئاسة الجمهورية. لكن يرى المحللون أهمية تاريخية للانتخابات البرلمانية القادمة تختلف عن سابقتها أهمها:

1. التحول للنظام الرئاسي والتغير الدستوري:

لم يكن أردوغان أول زعيم تركي يتطرق إلى مسألة النظام الرئاسي بدلًا من البرلماني، فقد سبقه كل من عدنان مندريس وسليمان دميريل إلى نفس الفكرة، إلا أنهما لم يتطرقا إلى تنفيذ الفكرة كما فعل أردوغان. وتأتي الانتخابات البرلمانية الحالية فرصة لتتويج الفكرة في حين ما إذا حصل الحزب على الأغلبية المطلقة، ليكون له الحق في وضع دستور جديد للبلاد بعد أن حُلَّت اللجنة التي أعدت قبل الانتخابات الرئاسية الماضية. فزعيم كأردوغان لن يقبل أبدًا بمنصب شرفي بعد أن قاد البلاد لما يزيد عن أربعة عشر عامًا. ويرى مؤيدو الحزب أنه في حال الانتقال للنظام الجمهوري تكون تركيا قد انتقلت إلى مرحلة الجمهورية الثالثة.

أما الأحزاب المعارضة فترى أن فوز حزب العدالة والتنمية في هذا الاستحقاق، هو المسمار الأخير في نعش الجمهورية على حد تعبيرهم. فبهذا الشكل تكون تركيا قد دخلت رسميًّا مرحلة القائد الديكتاتور وتفصيل الدساتير.

2. نجاح الحزب أم زعيمه:

بالرغم من كون هذه الانتخابات الأهم في تاريخ حزب العدالة والتنمية على وجه الخصوص، إلا أنها أيضًا الانتخابات الأولى التي يخوضها الحزب بدون أردوغان، أي أن الحزب سيحرم من مشاركته في الفعاليات الانتخابية والدعاية العامة. ويهدف الحزب إلى الحصول على 330 مقعدًا على الأقل من أصل 550 لكي يتمكن من تشكيل الحكومة ومن بعدها تغيير الدستور. وتكمن الصعوبة في عدم أحقية معظم كوادر الحزب السابقين للمشاركة كمرشحين في الاستحقاق القادم، لفوزهم في الاستحقاقات الثلاثة الماضية كما ينص الدستور. بالإضافة إلى الحرب الشرسة التي يشهدها الحزب منذ أحداث غازي بارك في حزيران 2013 مرورًا بأحداث ديسمبر 2013، وحتى مقتل المدعي العام المسؤول في قضية الطفل العلوي التي فتحت على الحزب جبهات عدة.

إن أهمية هذه الانتخابات تكمن في مدى فعالية نتيجتها، فهي الانتخابات الأخيرة في ما أسموه الموسم الانتخابي التركي حتى عام 2019. حيث إنه بفوز الحزب فيها يكون قد قطع الشوط الأخير فيما يسمى “الهدف 2023″ وهي السنة التي حددها الحزب لإتمام برنامجه لتطوير البلاد في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية.

3. حركة فتح الله غولن والكيان الموازي

من أهم التحديات أيضًا التي تشهدها هذه الانتخابات ما يحدث على مدى عامين من حلفاء حزب العدالة والتنمية القدماء. فما إن بدأت أحداث غازي بارك إلا ورأينا الانقلاب في العلاقة بين الحلفاء. فقد سارعت الجماعة في تدبير اعتقال أبناء العديد من الوزراء في ديسمبر 2013 وإلصاق تهم فساد بهم أدت إلى عزل العديد من الوزراء وبراءة آخرين.

واستمرارًا للحرب بين المعسكرين في الذكرى السنوية لفضيحة الفساد، شنت الحكومة حملة اعتقالات شرسة نالت الأذرع الإعلامية للكيان الموازي، والذي ثار الكثير من التساؤلات حتى من مؤيدي الحزب حول احترام حرية الرأي والتعبير. ولا يمكن لأي أحد أن ينكر وجود قاعدة شعبية للجماعة ربما تؤثر ولو بالقليل على المقاعد المطلوب حصول الحزب عليها خاصة بعد اتحاده مع حزب الشعب الجمهوري CHP صاحب الجذور والمبادئ العلمانية.

4. الأكراد وعملية السلام الداخلي

عشرات السنوات مرت على قيام الجمهورية ولا زالت تركيا تعاني مشاكل الأقليات وخاصة الأكراد. حينما تولى أحمد داود أوغلو وزارة الخارجية بدأ في تطبيق ما ذكره في كتابة العمق الاستراتيجي وبدأت مرحلة عرفت في الوسط السياسي التركي بعملية السلام الداخلي تمت خلالها العديد من المباحثات بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني بوساطة من حزب الشعوب الديمقراطية HDP، توصل في نهاية الأمر إلى توقف النزاع المسلح بين الطرفين الذي راح ضحيته عشرات الآلاف من الطرفين.

ليست فقط الانتخابات الأهم تاريخيًّا للعدالة والتنمية فقط، إنما هي الأهم أيضًا للأكراد، حيث إنها الانتخابات الأولى التي يشاركون فيها تحت حزب يمثلهم بدلًا من المشاركات الفردية كمستقلين في الاستحقاقات الماضية.

كذلك لن تقتصر أصوات الحزب على الأكراد فقط، فبمساهمة حزب الشعوب الديموقراطي في إنهاء الصراع المسلح حصل على تأييد العديد من العلمانيين واليساريين، بل وفتح الطريق ربما للأقليات الأخرى كالأرمن والعلويين للمشاركة في استحقاقات قادمة.

عن الكاتب

أمينة عمرو

باحثة وكاتبة مصرية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس