ترك برس

لم تختف السياسة الخارجية التركية في الفترة الأخيرة ولكن التركيز كان مسلطا على الانتخابات وعلى السياسة الداخلية، ومع ذلك لابد من الإشارة إلى أن أحد أسباب فشل المعارضة التركية في الانتخابات هو عدم قدرتها على انتقاد السياسة الخارجية لأردوغان لأنه استطاع ربطها بمخاوف الأمن القومي التركي سواء تجاه سوريا أو ليبيا أو أذربيجان أو حتى تجاه الحرب في أوكرانيا.

كما كان متوقعا وعلى الطريقة التقليدية كانت الزيارات الخارجية الأولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد فوزه في الانتخابات الأخيرة إلى كل من قبرص وأذربيجان في دلالة واضحة على تأكيد الاهتمام بأولويات تركيا المتعلقة بما يسمى العالم التركي والاندماج معه بل وقيادته. وفي انسجام مع الصعود القومي في تركيا.

لابد أن نؤكد أن الرئيس أردوغان هو المؤثر الأول في صناعة قرار السياسة الخارجية الأول في تركيا، ومن الواضح أنه سيستمر في ممارسة هذا الدور بعد تجديد موقعه في الرئاسة لمدة 5 سنوات أخرى.

ويشير تعيين هاكان فيدان وزيرا للخارجية لإدارة ملف السياسة الخارجية في أحد دلالاته إلى استمرار السياسة الخارجية التركية التي بدأت منذ 2021 والتي كان لهاكان فيدان دور مؤثر فيها خاصة سلسلة المصالحات وعمليات التطبيع للعلاقات المتوترة مع عدة دول في المنطقة ومنها مصر التي بدأ الحديث عن لقاء قريب يجمع رئيسها مع الرئيس التركي بعد عيد الأضحى.

لم يكن هناك زيارات خارجية بارزة لأردوغان في الأشهر الأخيرة حيث أنه خصص معظم وقته للاستحقاق الانتخابي الحرج الذي تخطاه بصعوبة بالغة، والآن يمكن القول أن يد أردوغان قد ارتاحت نسبيا مقارنة بمرحلة ما قبل الانتخابات.

بنظرة على عدة مستويات يمكن القول أن تركيا ليست تحت ضغط كبير في ظل التنافس الدولي المتزايد على شكل النظام الدولي بل يمكننا القول أن تركيا تنظر بارتياح لتزايد التنافس الدولي حيث تعتقد أنه يعطيها هوامش تحرك وعمل أكبر على المستوى الدولي والإقليمي.

في رحلة عودته من أذربيجان قال أردوغان للصحفيين الذين رافقوه على الطائرة أن تركيا ليس لديها ما يسمى معضلة الشرق والغرب وأنها ستحافظ على التوزان بين الشرق والغرب على أساس مصالح تركيا ويعني هذا الأمر أن تركيا لن تدخل في حالة الاصطفافات بين الشرق والغرب والتي أذكتها الحرب في أوكرانيا والتنافس بين الصين والولايات المتحدة.

وفي هذا السياق يبدو أن أول الاختبارات التي ستواجها السياسة الخارجية التركية وعلى ضوءها سنرى طبيعة علاقة تركيا بالشرق والغرب هو ملف انضمام السويد للناتو، ويتبع ذلك ملف طائرات اف 16 من الولايات المتحدة، والعلاقة مع إدارة بايدن التي ستستمر حتى الانتخابات القادمة في نوفمبر 2024 ولا تخفي تركيا أنها ستكون أكثر راحة مع فوز إدارة جمهورية.

على المستوى الإقليمي ستستمر تركيا في مسلسل المصالحات الذي يوفر استقرارا وفوائد اقتصادية وتثبيتا للفوائد الجيوسياسية التي حصلت عليها في العقد الأخير، وقد كانت الحفاوة التي استقبل بها الرئيس الإماراتي في تركيا واضحة ومؤشرة على استمرار تطوير العلاقات بينهما.

وكما ذكرنا من المتوقع أن يكون هناك لقاء قريب بين السيسي وأردوغان خلال الأيام القادمة كما أن القاهرة أعلنت عن اسم سفيرها القادم في أنقرة.

على مستوى العلاقات التركية الإيرانية من المتوقع أن يستمر الانزعاج المتبادل بين الطرفين وخاصة مع وجود توتر أذربيجاني إيراني ومع رفض إيران لفتح ممر زانجازور من أذربيجان إلى تركيا بالرغم من قبول أرمينيا وفي حال وافقت إيران على فتح هذا الممر فسيكون هناك انعكاس إيجابي على العلاقة. كذلك الحال سيكون لمستقبل المباحثات بين تركيا والنظام السوري بمشاركة روسيا وإيران انعكاس مباشر على العلاقة مع إيران.

إقليميا أيضا تجري دولة الاحتلال الاسرائيلي جهودا لعقد لقاء بين أردوغان ونتنياهو وقد جرى اتصال بين وزيري الخارجية للحديث عن العلاقات وترتيبات الزيارة وحسب ما ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن ملف الزيارة مرتبط بحصول تقدم في مطالب تركيا حول نقل الطاقة من شرق المتوسط إلى أوروبا.

لا يوجد الكثير من التغيير على السياسة التركية التي رأيناها خلال العامين الأخيرين، سنرى سياسة خارجية تركز على تحسين وضع الاقتصاد والتجارة مع الدول الغنية، ستعمل تركيا على حل مخاوف أمنها القومي بالطرق الدبلوماسية.

ستحاول تركيا الاستفادة من الراحة الداخلية بالاستقرار بين الحكومة والبرلمان الذي كانت نتيجة الانتخابات الأخيرة وتراجع وضع المعارضة في تحويل ذلك لزخم جديد في نفس سياستها الخارجية.


**مقال تحليلي للكاتب والباحث محمود سمير الرنتيسي، نشره مركز "سيتا" التركي للأبحاث والدراسات

عن الكاتب

محمود سمير الرنتيسي

باحث في مركز سيتا للدراسات بأنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!