إسماعيل ياشا - عربي21

نشرت صحيفة "طان" التركية في عددها الصادر في ٢٥ تشرين الثاني/ نوفمبر ١٩٣٨ شعرا بعنوان "الكمالية"، وصف فيه الشاعر التركي المدعو "أورهان أغيلماز" مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك بأنه "إله الآلهة"، وزعم أنه صعد على عرشه، في إشارة إلى وفاته في العاشر من ذات الشهر، كما قال إن الكمالية "دين جديد"، داعيا الأتراك إلى أن يفتحوا قلوبهم لهذا الدين الجديد الذي ادعى بأنه "سيدخلهم الجنة".

لا أحد يروج لمثل هذه الأفكار الضالة اليوم في تركيا، إلا أنه من الصعب للغاية أن يقال إن آثارها اختفت تماما، بل "كمالية اليوم" تستخدم أقنعة مختلفة حين تعادي الإسلام والمسلمين، كالقومية والتقدمية ومعاداة العرب والدعوة إلى الإلحاد. وحتى هؤلاء الذين يقولون إنهم مسلمون يرى كثير منهم أن "إسلامهم التركي يختلف عن إسلام العرب".

هناك قناع آخر يستخدم لمحاربة الأحزاب المحافظة والمتدينين وممارسة الضغوط عليهم، وهو "حب أتاتورك". وهذا القناع كثيرا ما يتستر وراءه مجرمون وفاسدون يحاولون الإفلات من المحاسبة والمعاقبة، كما يستخدمه كتاب وفنانون وسياسيون وغيرهم لكسب الأموال أو الأصوات والمتاجرة به. ويناقش الرأي العام التركي منذ أيام مدى إخلاص هذه الفئة الأخيرة من "الأتاتوركيين" في حبهم لمؤسس الجمهورية وإيمانهم به.

منصة "ديزني بلس" الأمريكية أنتجت فيلما عن حياة "أتاتورك" وشخصيته بتكلفة تقدر بنحو ٨ ملايين دولار، ووعدت بعرضه لمشتركيها في جميع أنحاء العالم في تشرين الأول/ أكتوبر القادم، إلا أنها تراجعت عن عرض الفيلم لكافة مشتركيها نتيجة الضغوط التي مارسها اللوبي الأرمني في الولايات المتحدة. وقررت المنصة الرقمية عرض الجزء الأول من فيلم "أتاتورك" فقط في تركيا على شاشة قناة "فوكس" التركية في ٢٩ تشرين الأول/ أكتوبر في الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية.

الرد على رضوخ منصة "ديزني بلس" أمام ضغوط اللوبي الأرمني وتراجعها عن عرض فيلم "أتاتورك" لمشتركيها في جميع أنحاء العالم لم يأت من حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي أسسه أتاتورك، ولا من هؤلاء الذين يسبحون ليل نهار بحمد مؤسس الجمهورية التركية، بل جاء من الحكومة وحزب العدالة والتنمية.

المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية، عمر تشليك، وصف قرار المنصة الرقمية بــ"المثير للخجل"، كما ذهب النائب عن ذات الحزب ورئيس لجنة القنوات الرقمية في البرلمان، حسين يايمان، إلى أبعد من ذلك، ليتوعد "ديزني بلس" بفرض عقوبات عليها، قائلا: "إن ما ينال من أتاتورك ينال من ٨٥ مليون تركي"، فيما أعلن رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون التركية، أبو بكر شاهين، عن فتح تحقيق بحق المنصة على خلفية قرارها، مضيفا أن "أتاتورك يحظى بأهمية خاصة بوصفه شخصية وطنية".

وسائل الإعلام المقربة من الحكومة التركية انتقدت صمت الفنانين المعارضين الذين يتظاهرون بحب أتاتورك؛ على قرار "ديزني بلس" خوفا على مصالحهم المادية، وقالت إن قرار المنصة الرقمية أسقط أقنعتهم، إلا أن هؤلاء سخروا من استنفار الحكومة ووسائل الإعلام الموالية لها للدفاع عن أتاتورك، وقال أحد الإعلاميين المعارضين مستهزئا: "أشكر منصة "ديزني بلس"، لأننا حاولنا منذ أربعين سنة لنجعلكم تحبون أتاتورك ففشلنا، ولكن المنصة الأمريكية جعلتكم أتاتوركيين في يوم واحد".

هناك قانون في تركيا يسمى "قانون حماية أتاتورك"، وهو قانون يعاقب كل من يسيء إلى مؤسس الجمهورية التركية. ويُخيّل للقارئ للوهلة الأولى أن القانون المذكور الذي ما زال ساري المفعول منذ عام ١٩٥١، أصدرته حكومة حزب الشعب الجمهوري، إلا أنه في الحقيقة من إنجازات حكومة الحزب الديمقراطي برئاسة المرحوم عدنان مندريس. وكانت الحكومة آنذاك أصدرت هذا القانون لحماية تماثيل أتاتورك التي كانت تتعرض للهجمات. ولم تشفع تلك الخطوة لمندريس لدى الجيش التركي الذي أسقطه بانقلاب عسكري في ٢٧ أيار/ مايو ١٩٦٠ وأعدمه وسط ترحيب الأتاتوركيين.

معظم الإسلاميين المؤيدين استغربوا استنفار الحكومة التركية وحزب العدالة والتنمية ضد قرار منصة "ديزني بلس" الأمريكية بشأن فيلم "أتاتورك"، وقالوا إن الموضوع لا يستحق كل هذه الضجة، لأنهم يعرفون جيدا أن الذين يتخذون حب أتاتورك قناعا لإخفاء معاداتهم للإسلام والمسلمين والمواطنين المتدينين لن يرضوا عن حكومة يقودها أردوغان حتى لو كانت الحكومة أتاتوركية أكثر من أتاتورك نفسه، وأن أصل الصراع يتجاوز حب مؤسس الجمهورية التركية وعدمه.

عن الكاتب

إسماعيل ياشا

كاتب تركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس